1 — حدثنا شعبة قال الوليد بن العيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول حدثنا صاحب هذه الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله قال :
أيُّ العمَلِ أحبُّ إلى اللهِ عزَّ و جلَ ؟ قال : الصَّلاةُ علَى وقتِها ، قُلتُ : ثمَّ أيُّ ؟ قال : ( ثمَّ بِرُّ الوالديْنِ ) قلتُ : ثمَّ أيُّ ؟ قال : ثمَّ الجهادُ في سبيلِ اللهِ ، قال حدَّثَني بِهِنَّ ، و لَو استزدتُه لزادَني
قال الشيخ الألباني : صحيح
1 – Сообщается, что Шу’ба сказал:
— Аль-Валид ибн аль-‘Айзари рассказывал мне о том, что он слышал как Абу ‘Амр Аш-Шайбани говорил:
«Нам рассказал хозяин этого дома» — и он указал на дом ‘Абдуллы (ибн Мас’уда), да будет доволен им Аллах:
«(Однажды) я спросил Пророка, да благословит его Аллах и приветствует: “Какое дело Великий и Всемогущий Аллах любит больше всего?” Он ответил: “Молитву, совершаемую в установленное для неё время[1]”. Я спросил: “А после этого?” Он ответил: “Проявление почтительности и доброты по отношению к родителям”. Я спросил: “А после этого?” Он ответил: “Борьбу /джихад/ на пути Аллаха”».
(‘Абдуллах Ибн Мас’уд, да будет доволен им Аллах,) сказал: «Об этом рассказал мне Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, а если бы я (спросил о чём-нибудь ещё), то он обязательно сказал бы больше». Этот хадис передал аль-Бухари в «аль-Адабуль-муфрад» (1).
Также этот хадис передали Ахмад (1/409), аль-Бухари в своём «Сахихе» (527), Муслим (85), ат-Тирмизи (173), ан-Насаи (1/292).
Шейх аль-Албани назвал хадис достоверным. См. «Сахих аль-Адабуль-муфрад» (1), «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (164), «Мишкатуль-масабих» (568).
[1] Имеется в виду совершение той или иной обязательной молитвы сразу же после наступления установленного для неё периода времени.
Хафиз Ибн Раджаб сказал: «Этот хадис Ибн Мас’уда указывает на то, что наилучшим деянием, приближающим к Аллаху и наиболее любимым для Него является молитва, совершаемая в установленные для неё промежутки времени». См. «Фатхуль-Бари» (4/207).
Посланник, да благословит его Аллах и приветствует, объяснил в этом хадисе, что молитва в её надлежащее время – самое угодное из деяний и он поместил его перед благим отношением к родителям и борьбой на пути Аллаха. Доказательством этому – использование оборота речи: «Какое затем». Этот оборот используется, чтобы обозначить порядок (иерархию), и это известно всем знатокам арабского языка.
Хафиз Ибн Хаджр сказал:
«Ибн Базиза сказал: “То, что требует рассмотрения – помещение борьбы на пути Аллаха прежде всех деяний тела, поскольку он влечёт самопожертвование, за исключением терпеливого сохранения обязательных молитв, своевременного их совершения и также благого поведения с родителями, – дел, которые совершаются постоянно. Никто не может оставаться терпеливым в служении Аллаху в этих делах, кроме правдивых/сиддикъун/ и Аллах знает лучше!”» См. «Фатхуль-Бари» (2/10-11).
شرح الحديث
كان الصَّحابَةُ لحِرْصِهم على ما يُقَرِّبُ مِنْ رِضا اللهِ عَزَّ وجلَّ؛ كثيرًا ما يَسألونَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم عن أفضَلِ الأعمالِ، وأكثَرِها قُربةً إلى الله تعالى، فكانتْ إجاباتُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم تَختلِفُ باختلافِ أشخاصِهم وأحوالِهم، وما هو أكثَرُ نفعًا لكُلِّ واحدٍ منهم. وفي هذا الحديثِ يَسْأَلُ عبدُ الله بنُ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فيقول: أيُّ العَمَلِ أحبُّ إلى اللهِ؟ فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بقولِه: الصَّلاةُ على وَقْتِها، أي: أحبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى المَرْضِيَّةِ لديه الصَّلاةُ في أوَّلِ وقتِها، فقال ابنُ مسعودٍ: ثمَّ أيٌّ؟ أيْ: وبَعْدَ الصَّلاةِ، أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللهِ تعالى؟ قال صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: بِرُّ الوالدينِ، أي: بالإحسانِ إليهما، والقيامِ بِخْدِمَتِهما، وتَرْكِ عُقُوقِهما. ولَمَّا كان ابنُ مسعودٍ له أمٌّ؛ احتاج إلى ذِكْرِ بِرِّ والِدَيْه بعدَ الصَّلاةِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ حَقُّ اللهِ، وحقُّ الوالدينِ يأتي بعدَ حَقِّ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ كما قال تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]. قال ابنُ مسعودٍ: ثمَّ أيٌّ؟ قال: الجهادُ في سبيلِ اللهِ؛ أي: الجهادُ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وإظهارِ شَعائِرِ الإسلامِ بالنَّفْسِ والمالِ. والمقصود: أنَّ أفضَلَ الأعمالِ القِيامُ بحُقوقِ الله التي فَرَضَها على عبادِه فَرْضًا، وأفضَلُها: الصَّلاةُ لوَقْتِها، ثمَّ القيامُ بحُقوقِ عِبادِه، وآكَدُها بِرُّ الوالدينِ.
كَذَا تَرْجَمَ وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ عَلَى وَقْتِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ شُعْبَةَ وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ نَعَمْ أَخْرَجَهُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِاللَّفْظَيْنِ . قَوْلُهُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ . قَوْلُهُ حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ كَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ مُبْهَمًا وَرَوَاهُ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ فِي التَّوْحِيدِ عَنِ الْوَلِيدِ فَصَرَّحَا بَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ[ قــ :513 … غــ :527] . قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ فِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ عَن التَّصْرِيح وَعبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ .
قَوْلُهُ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ وَكَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ فَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ هُوَ الْمَسْئُولُ بِهِ فَلَفْظُ حَدِيثِ الْبَابِ مَلْزُومٌ عَنْهُ وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَجْوِبَةُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَنَّ الْجَوَابَ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ بِأَنْ أَعْلَمَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ أَوْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ رَغْبَةٌ أَوْ بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِمْ أَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ كَانَ الْجِهَادُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا وَالتَّمَكُّنِ أَدَائِهَا وَقَدْ تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي وَقْتِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ أَوْ أَنَّ أَفْضَلَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْفَضْلُ الْمُطْلَقُ أَوِ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فحذفت من وَهِي مُرَادة.
وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَعْمَالُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَدَنِيَّةِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ عَنِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِاللَّهِ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْجِهَادِ هُنَا مَا لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِ الْوَالِدَيْنِ فَيَكُونُ بِرُّهُمَا مُقَدَّمًا عَلَيْهِ قَوْله الصَّلَاة على وَقتهَا قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ الْبِدَارَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنَ التَّرَاخِي فِيهَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَرَطَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِذَا أُقِيمَتْ لِوَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ.
قُلْتُ وَفِي أَخْذِ ذَلِك من اللَّفْظ الْمَذْكُور نظر قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَوَّلًا وَلَا آخِرًا وَكَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَمَّا إِذَا وَقَعَتْ قَضَاءً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِخْرَاجَهَا عَنْ وَقْتِهَا مُحَرَّمٌ وَلَفْظُ أَحَبَّ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الِاسْتِحْبَابِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الِاحْتِرَازُ عَنْ إِيقَاعِهَا آخِرَ الْوَقْتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ فَإِنْ وَقَعَتِ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ فَوَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَمَّا إِذَا وَقَعَتْ خَارِجَ وَقْتِهَا مِنْ مَعْذُورٍ كَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي فَإِنَّ إِخْرَاجَهُمَا لَهَا عَنْ وَقْتِهَا لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ مَعَ كَوْنِهِ مَحْبُوبًا لَكِنَّ إِيقَاعَهَا فِي الْوَقْتِ أَحَبُّ تَنْبِيهٌ اتَّفَقَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَهُوَ .
قَوْلُهُ عَنْ وَقْتِهَا وَخَالَفَهُمْ عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ شَيْخٌ صَدُوقٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا أخرجه الْحَاكِمُ والدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَا أَحْسَبُهُ حَفِظَهُ لِأَنَّهُ كَبُرَ وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ.
قُلْتُ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ الْمَعْمَرِيُّ فَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ أَبِي مُوسَى عَنْهُ بِلَفْظِ عَلَى وَقْتِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْمَحَامِلِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ غُنْدَرٍ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْمَرِيَّ وَهِمَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ وَقَدْ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ رِوَايَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ضَعِيفَةٌ اهـ لَكِنْ لَهَا طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَان بن عُمَرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنِ الْوَلِيدِ وَتَفَرَّدَ عُثْمَانُ بِذَلِكَ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ كَذَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَكَأَنَّ مَنْ رَوَاهَا كَذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِد وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ لَفْظَةِ عَلَى لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الِاسْتِعْلَاءَ عَلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَوْلُهُ لِوَقْتِهَا اللَّامُ للاستقبال مثل قَوْله تَعَالَى فطلقوهن لعدتهن أَيْ مُسْتَقْبِلَاتٍ عِدَّتَهُنَّ وَقِيلَ لِلِابْتِدَاءِ كَقولِهِ تَعَالَى أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي وَقْتِهَا وَقَولُهُ عَلَى وَقْتِهَا قِيلَ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ فَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ لِإِرَادَةِ الِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الْوَقْتِ وَفَائِدَتُهُ تَحَقُّقُ دُخُولِ الْوَقْتِ لِيَقَعَ الْأَدَاءُ فِيهِ .
قَوْلُهُ ثُمَّ أَيُّ قِيلَ الصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَوَّنٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ وَالسَّائِلُ يَنْتَظِرُ الْجَوَابَ وَالتَّنْوِينُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَتَنْوِينُهُ وَوَصْلُهُ بِمَا بَعْدَهُ خَطَأٌ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ وَقْفَةً لَطِيفَةً ثُمَّ يُؤْتَى بِمَا بَعْدَهُ قَالَهُ الفاكهانى وَحكى بن الْجَوْزِيّ عَن بن الْخَشَّابِ الْجَزْمَ بِتَنْوِينِهِ لِأَنَّهُ مُعْرَبٌ غَيْرُ مُضَافٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُضَافٌ تَقْدِيرًا وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ لَفْظًا وَالتَّقْدِيرُ ثُمَّ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِلَا تَنْوِينٍ وَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّهَا تُعْرَبُ وَلَكِنَّهَا تُبْنَى إِذَا أُضِيفَتْ وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّجَّاجُ .
قَوْلُهُ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِزِيَادَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَن اشكر لي ولوالديك وَكَأَنَّهُ أَخذه من تَفْسِير بن عُيَيْنَةَ حَيْثُ قَالَ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فقد شكر لله وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ عَقِبَهَا فَقَدْ شَكَرَ لَهُمَا .
قَوْلُهُ حَدَّثَنِي بِهِنَّ هُوَ مَقُولُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ تَقْرِيرٌ وَتَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ بَاشَرَ السُّؤَالَ وَسَمِعَ الْجَوَابَ .
قَوْلُهُ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَهُوَ مَرَاتِبُ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ مُطْلَقِ الْمَسَائِلِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ فَسَكَتَ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي فَكَأَنَّهُ اسْتَشْعَرَ مِنْهُ مَشَقَّةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَمَا تَرَكْتُ أَنْ أَسْتَزِيدَهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ أَيْ شَفَقَةً عَلَيْهِ لِئَلَّا يَسْأَمَ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَفِيهِ السُّؤَالُ عَنْ مَسَائِلَ شَتَّى فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالرِّفْقُ بِالْعَالِمِ وَالتَّوَقُّفُ عَنِ الْإِكْثَارِ عَلَيْهِ خَشْيَةَ مَلَالِهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ تَعْظِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ هُوَ عَلَيْهِ مِنْ إِرْشَادِ الْمُسْتَرْشِدِينَ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ إِذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً لِلْمُشَارِ إِلَيْهِ مُمَيَّزَةً لَهُ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ بن بزيزة الَّذِي يقتضية النّظر تَقْدِيم الْجِهَادِ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبَدَنِ لِأَنَّ فِيهِ بَذْلَ النَّفْسِ إِلَّا أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ مُتَكَرِّرٌ دَائِمٌ لَا يَصْبِرُ عَلَى مُرَاقَبَةِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ الا الصديقون وَالله أعلم
فضل الصلاة لوقتها
[ قــ :513 … غــ :527 ]
— حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك: ثنا شعبة، قال: الوليد بن العيزار أخبرني، قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: ثنا صاحب هذه الدار — وأشار إلى دار عبد الله -، قال: سألت النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ( ( الصلاة على وقتها) ) .
قال: ثم أي؟ قال: ( ( ثم بر الوالدين) ) .
قال: ثم أي؟ قال: ( ( الجهاد في سبيل الله) ) .
قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزداني.وخرجه بهذا الإسناد بعينه في » كتاب البر والصلة».وخرجه أول » الجهاد» من طريق مالك بن مغول، عن الوليد، به، ولفظه: سألت النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أفضل؟ قال: قال: ( ( الصلاة على ميقاتها) ) – وذكر باقيه بمعناه.وفي رواية لمسلم من حديث أبي يعفور، عن الوليد — بهذا الإسناد -، قلت: يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟ قال: ( ( الصلاة على مواقيتها) ) – وذكر باقية.وهذه الألفاظ متقاربة المعنى أو متحدة؛ لأن ما كان من الأعمال أحب إلى الله فهو أفضل الأعمال، وهو أقرب إلى الجنة من غيره؛ فإن ما كان أحب إلى الله فعامله أقرب إلى الله من غيره، كما في حديث أبي هريرة، عن النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — فيما يرويه عن ربه، قال: ( ( ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) ) – وذكر الحديث.
خرجه البخاري في » الرقاق» من » كتابه» هذا.
وقال عمر بن الخطاب: أفضل الأعمال أداء ما فرض الله.
وكذا قال عمر بن عبد العزيز في خطبته.
فدل حديث ابن مسعود هذا على أن أفضل الأعمال وأقربها إلى الله وأحبها إليه الصلاة على مواقيتها المؤقتة لها.
وقد روي في هذا الحديث زيادة، وهي: ( ( الصلاة في أول وقتها) ) ، وقد خرجها ابن خزيمة وابن حبان في » صحيحهما» والحاكم والدارقطني من طرق متعددة.
ورويت من حديث عثمان بن عمر، عن مالك بن مغول، [و] من حديث علي بن حفص المدائني، عن شعبة، ورويت عن شعبة من وجه آخر، وفيه نظر، ورويت من وجوه أخر.
واستدل بذلك على أن الصلاة في أول الوقت أفضل، كما استدل لحديث ام فروة، عن النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه سئل: أي العمل أفضل؟ قال: ( ( الصلاة لأول وقتها) ) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي.
وفي إسناده اضطراب -: قاله الترمذي والعقيلي.
وقد روي نحوه من حديث ابن عمر، إلا أن إسناده وهم، وإنما هو حديث أم فروة -: قاله الدارقطني في » العلل».
وروي نحوه من حديث الشفاء بنت عبد الله.
وفي قول النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( الصلاة على وقتها — أو على مواقيتها) ) : دليل – أيضا — على فضل أول الوقت للصلاة؛ لأن » على » للظرفية، كقولهم: ( ( كان كذا على عهد فلان) ) ، والأفعال الواقعة في الأزمان المتسعة عنها لا تستقر فيها، بل تقع في جزء منها، لكنها إذا وقعت في أول ذلك الوقت فقد صار الوقت كله ظرفاً لها حكماً.
ولهذا سمى المصلي مصليا في حال صلاته وبعدها أماحقيقة أو مجازاً على اختلاف في ذلك، وأماقبل الفعل في الوقت فليس بمصل حقيقة ولا حكماً، وإنما هو مصل بمعنى استباحة الصلاة فقط، فإذا صلى في أول الوقت فإنه لم يسم مصلياً إلا في آخر الوقت.
وقوله: ( ( ثم بر الوالدين) ) لما كان ابن مسعود له أم احتاج إلى ذكر بر والديه بعد الصلاة؛ لأن الصلاة حق الله وحق الوالدين متعقب لحق الله عز وجل، كما قال تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] .
وقوله: ( ( ثم الجهاد في سبيل الله) ) ؛ لأن الجهاد فرض كفاية، والدخول فيه بعد قيام من سقط به حق فرض الكفاية تطوع إذا لم يتعين بحضور العدو، ولهذا تقدم بر الوالدين على الجهاد إذا لم يتعين، كما قال النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — لمن أراد أن يجاهد معه: ( ( إلك والدان؟) ) قال: نعم.
[قال] : … ( ( ففيهما فجاهد) ) – وفي رواية: ( ( فأمره أن يرجع إليهما) ) .
فذكر النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — لابن مسعود أن أفضل الأعمال القيام بحقوق الله التي فرضها على عباده فرض، وأفضلها: الصلاة لوقتها، ثم القيام بحقوق عباده، وأكده بر الوالدين، ثم التطوع بأعمال البر، وأفضلها الجهاد في سبيل الله.
وهذا مما يستدل به الإمام أحمد ومن وافقه على أن أفضل أعمال التطوع الجهاد.
فإن قيل: فقد روي خلاف ما يفهم منه ما دل عليه حديث ابن مسعود هذا؛ ففي … » الصحيحين»، عن أبي هريرة، أن النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ( ( إيمان بالله ورسوله) ) .
قيل: ثم أي؟ قال: ( ( الجهاد في سبيل الله) ) .
قيل: ثم أي؟ قال: ( ( حج مبرور) ) .
وفيهما – أيضا — عن أبي ذر، أنه سأل النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الأعمال أفضل؟ قال: ( ( الإيمان بالله، والجهاد في سبيله) ) .
ولم يذكر في هذين الحديثين الصلاة ولا بر الوالدين، وروي نصوص أُخر بأن الجهاد أفضل الأعمال مطلقاً، وروي ما يدل على أن أفضل الأعمال ذكر الله عز وجل، وجاء ذلك صريحاً عن جماعة كثيرة من الصحابة – رضي الله عنهم -.
قيل: هذا مما أشكل فهمه على كثير من الناس، وذكروا في توجيهه والجمع بين النصوص الواردة به وجوها غير مرضية.
فمنهم من قال: أراد بقوله: » أفضل الأعمال كذا» أي: أن ذلك من أفضل الأعمال، لا أنه أفضلها مطلقاً.
وهذا في غاية البعد.
ومنهم من قال: أجاب كل سائل بحسب ما هو أفضل الأعمال له خاصة كما خص ابن مسعود بذكر الوالدين لحاجته إليه، ولم يذكر ذلك لغيره.
لكن أبو هريرة كانت له أم – أيضا.
وظهر لي في الجمع بين نصوص هذا الباب ما أنا ذاكره بحمد الله وفضله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فنقول:
لا ريب أن أفضل الأعمال ما افترضه الله على عباده، كما ذكرنا الدليل عليه في أول الكلام على هذا الحديث، وأولى الفرائض الواجبة على العباد وأفضلها الإيمان بالله ورسوله، تصديقاً بالقلب، ونطقاً باللسان، وهو النطق بالشهادتين، وبذلك بعث النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمر بالقتال عليه، وقد سبق ذلك مبسوطا في » كتاب الإيمان».
ثم بعد ذلك: الإتيان ببقية مباني الإسلام الخمس التي بني عليها، وهي: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج.
وقد كان النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — يأمر من يبعثه يدعو إلى الإسلام أن يدعو أولاً إلى الشهادتين، ثم إلى الصلاة، ثم إلى الصيام، ثم إلى الزكاة، كما أمر بذلك معاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن، وكان يعلم من يسأله عن الإسلام مبانيه الخمس، كما في حديث سؤال جبريل عليه السلام له عن الإسلام، وكما في حديث طلحة، أن النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — علم الأعرأبي الذي سأله عن الإسلام المباني.
فإذا تقرر هذا، فقول النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — في حديث أبي هريرة لما سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ( ( إيمان بالله ورسوله) ) فهذا وجه ظاهر، لا إشكال فيه؛ فإن الإيمان بالله ورسوله أفضل الأعمال مطلقاً، وسمى الشهادتين مع التصديق بهما عملاً، لما في ذلك من عمل القلب واللسان.
وقد قرر البخاري ذلك في » كتاب الإيمان» وسبق الكلام عليه في موضعه.
وقوله في حديث أبي هريرة: ( ( ثم الجهاد في سبيل الله) ) ، وفي حديث أبي ذر: «والجهاد» — بالواو — يشهد له أن الله قرن بين الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله في مواضع، كقوله تعالى: ? { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} ، وقوله: { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف: 10، 11] الآية.
فالإيمان بالله ورسوله: التصديق بهما في القلب مع الإقرار بذلك باللسان.
والجهاد هو دعاء الناس إلى ذلك بالسيف والسنان، بعد دعائهم بالحجة والبيان، ولهذا يشرع الدعاء إلى الإسلام قبل القتال.
وقد قيل: إن الجهاد كان في أول الإسلام فرض عين على المسلمين كلهم، لا يسع أحداً التخلف عنه، كما قال تعالى: { انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] ، ثم بعد ذلك رخص لأهل الأعذار، ونزل قوله: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] ، روي ذلك عن ابن عباس وغيره، وحينئذ فيحتمل جعل النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — أفضل الأعمال بعد الإيمان الجهاد معنيين:
أحدهما: أن يقال: إنما كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين، فكان حينئذ أفضل الأعمال بعد الإيمان، وقريناً له، فلما نزلت الرخصة وصار الجهاد فرض كفاية تاخر عن فرض الأعيان.
وقد اختلف ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص في عد الجهاد من فرائض الإسلام، فعده عبد الله بن عمرو منها بعد الحج، وأنكر ذلك ابن عمر عليه، وقال: فرائضه تنتهي إلى الحج.
وقد روى اختلافهما في ذلك أبو عبيد في » كتاب الناسخ والمنسوخ» وغيره.
وعد حذيفة بن اليمان الجهاد من سهام الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأضافهما إلى مباني الإسلام الخمس، وجعلها ثمانية سهام، وكأنه جعل الشهادتين سهمين.
والثاني — وهو أشبه -: أن النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — كان إذا سئل عن أفضل الأعمال، فتارةً يذكر الإيمان بالله ورسوله لدخوله في مسمى الأعمال، كما سبق تقريره، وتارة يذكر أعمال الجوارح؛ لأن المتبادي إلى الفهم عند ذكر الأعمال مع الإطلاق أعمال الجوارح، دون عمل القلب واللسان، فكان إذا تبين له أن ذلك هو مراد السائل ذكر الصلاة له، كما ذكرها في حديث ابن مسعود هذا؛ فإن الصلاة أفضل أعمال الجوارح، وحيث اجاب بذكر الإيمان أو بذكر الصلاة، فإنما مقصوده التمثيل بأفضل مباني الإسلام، ومراده المباني بجملتها؛ فإن المباني الخمس كالشيء الواحد، وكل من دخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين أو بالصلاة — على رأي من يرى فعلها إسلاماً -، فإنه يؤمر ببقية المباني، ويلزم بذلك، ويقاتل على تركه.
وفي حديث خرجه الإمام أحمد.
أن النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — قال: ( ( أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جيمعاً: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، [وحج البيت] ) ) .
وفي حديث آخر: ( ( الدين خمس لا يقبل الله منهن شيئاً دون شيء) ) — فذكر مباني الإسلام الخمس، وأن من أتى ببعضها دون بعض لم يقبل منه.
ونفي القبلول لها بمعنى نفي الرضا بذلك واستكمال الثواب عليه، وحينئذٍ فذكر بعض المباني مشعر بالباقي منها، فكان النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — تارة يكتفي في جواب من ساله عن أفضل الأعمال بالشهادتين، وتارة بالصلاة، ومراده في كلا الجوأبين سائر المباني، لكنه خص بالذكر أشرفها، فكأنه قال: الشهادتان وتوابعهما، والصلاة وتوابعها ولوازمها، وهو بقية المباني الخمس.
ويشهد لهذا: قول النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم) ) .
فتوهم طائفة من الصحابة أن مراده أن مجرد هذه الكلمة يعصم الدم حتى توقفوا في قتال من منع الزكاة، حتى بين لهم أبو بكر — ورجع الصحابة إلى قوله -: أن المراد: الكلمتان بحقوقهما ولوازمهما، وهو الإتيان ببقية مباني الإسلام.
وقد تبين صحة قولهم بروايات أخر تصرح بإضافة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة إلى الشهادتين في شرط عصمة الدم.
وكذلك قوله — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( من قال: لا إله إلا الله لم تمسه النار — أو دخل الجنة) ) .
إنما أراد الشهادتين بلوازمهما وتوابعهما، وهو الإتيان ببقية أركان الإسلام ومبانيه.
وفي حديث ابن مسعود قدم بر الوالدين على الجهاد إشارة إلى أن حقوق العباد اللازمة التي هي من فروض الأعيان تقدم على التطوع بالجهاد.
وحديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما اقتران الجهاد بالإيمان، لكنه في حديث أبي هريرة جعله بعد الإيمان، وجعل بعده الحج المبرور، فيحتمل أن يقال: كان ذلك في زمان كان الجهاد فيه فرض عين، فكان مقدماً على الحج، ويحتمل أن يقال: قد فهم دخول الحج من ذكر الإيمان بالله ورسوله؛ لأن ذلك يتبعه بقية مباني الإسلام، ومنها الحج، لا سيما وقد تقرر في أول الكتاب أن الإيمان قول وعمل ويكون المراد به جهاد المتطوع.
وهذا أشبه بقواعد الشريعة؛ فإن من معه مال، وعليه زكاة أو حج، وأراد التطوع بالجهاد، فإنه لا خلاف أنه يقدم الزكاة والحج على التطوع بالجهاد، كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص: حجة قبل الغزو أفضل من عشر غزوات، وغزوة بعد حجة أفضل من عشر حجات.
وروي — مرفوعا — من وجوه في أسانيدها مقال.
فتبين بهذا التقرير أن الأحاديث كلها دالة على أن أفضل الأعمال الشهادتان مع توابعهما، وهي بقية مباني الإسلام، أو الصلاة مع توابعها — أيضا — من فرائض الأعيان التي هي من حقوق الله عز وجل، ثم يلي ذلك في الفضل حقوق العباد التي هي من فروض الأعيان، كبر الوالدين، ثم بعد ذلك [أعمال] التطوع المقربة إلى الله، وأفضلها الجهاد.
وفي حديث أبي هريرة تأخير الحج عن الجهاد، ولعله إنما ذكره بعد الجهاد حيث كان الحج تطوعاً، فإن الصحيح أن فرضه تأخر إلى عام الوفود.
وقد يقال: حديث أبي هريرة دل على أن جنس الجهاد أشرف من جنس الحج، فإن عرض للحج وصف يمتاز به على الجهاد وهو كونه فرض عين، كان ذلك الحج المخصوص أفضل من الجهاد، وإلا فالجهاد أفضل منه.
فهذه الثلاثة المذكورة في هذا الحديث هي رأس الإسلام وعموده وذروة سنامه، كما في حديث معاذ: ( ( فرأسه الشهادتان، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد) ) .
والجهاد أفضل ما تطوع به من الأعمال، على ما دلت عليه النصوص الصحيحة الكثيرة، وهو مذهب الإمام أحمد.
وفي » الصحيحين» عن أبي سعيد، عن النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( أفضل الناس مؤمن آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره) ) .
فهذا نص في أن المجاهد أفضل من المتخلي لنوافل العبادات من الصلاة والذكر وغير ذلك، فأماالنصوص التي جاءت بتفضيل الذكر على الجهاد وغيره من الأعمال، وأن الذاكرين لله أفضل الناس عند الله مطلقاً فالمراد بذلك أهل الذكر الكثير المستدام في أغلب الأوقات.
وليس الذكر مما يقطع عن غيره من الأعمال كبقية الأعمال، بل يمكن اجتماع الذكر مع سائر الأعمال، فمن عمل عملاً صالحاً، وكان أكثر لله ذكراً فيه من غيره فهو أفضل ممن عمل مثل ذلك العمل من غير أن يذكر الله معه.
وقد ورد في نصوص متعددة أن أفضل المصلين والمتصدقين والمجاهدين والحاج وغيرهم من أهل العبادات أكثرهم لله ذكراً.
وقد خرجه الإمام أحمد متصلاً، وخرجه ابن المبارك وغيره مرسلاً.
فهؤلاء أفضل الناس عند الله، ثم يليهم الذين يذكرون الله كثيراً وليس لهم نوافل من غير الذكر كالجهاد وغيره، بل يقتصرون مع الذكر على فرائض الأعيان، فهؤلاء هم الذاكرون لله كثيراً، المفضلون على المجاهدين، ويليهم قوم يقومون بالفرائض وبالنوافل كالجهاد وغيره من غير ذكر كثير لهم.
وإنما قال النبي — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — لمن سأله عما يعدل الجهاد: ( ( هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر، وتقوم ولا تفتر؟) ) .
قال: لا.
قال: ( ( فذلك الذي يعدل الجهاد) ) ؛ لأنه سأله عن عمل ينشئه عند خروج المجاهد يعادل فضل جهاده.
وأماالذاكرون لله كثيراً، فإنما فضلوا على المجاهدين بغير ذكر؛ لأن لهم عملاً مستمراً دائماً قبل جهاد المجاهدين، ومعه وبعده، فبذلك فضلوا على المجاهدين بغير ذكر كثير.
وبهذا تجتمع النصوص الواردة في ذلك.
وأماحديث: ( ( خير الإسلام إطعام الطعام وافشاء السلام) ) فقد سبق الكلام عليه في أول الكتاب، وأنه ليس المراد به تفضيل هاتين الخصلتين على سائر خصال الإسلام من الشهادتين والصلاة وغيرهما، بل المراد أن أفضل أهل الإسلام القائمين بخصاله المفروضة من الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج من قام بعد ذلك بإطعام الطعام وافشاء السلام.
فإن قيل: فيكون التطوع بذلك أفضل من التطوع بالجهاد والحج.
قيل: فيه تفصيل: فإن كان إطعام الطعام فرض عين كنفقة من تلزم نفقته من الأقارب فلا ريب أنه أفضل من التطوع بالنفقة في الجهاد والحج، فإن كان تطوعاً، فإن كان صلة رحم فهو أفضل من الجهاد والحج، نص عليه أحمد وكذا إن كان في عام مجاعة ونحوها، فهو أفضل من الحج عند الإمام أحمد، وقد يقال في الجهاد كذلك إذا لم يتعين.
وهذا الكلام كله في تفضيل بعض الأعمال على بعض لذاتها، فأماتفضيل بعض الأعمال على بعض لزمانها أو مكانها فإنه قد يقترن بالعمل المفضول من زمان أو مكان ما يصير به فاضلاً، فهذا فيه كلام آخر نذكره في موضع آخر — إن شاء الله سبحانه وتعالى.
(باب فضل الصلاة لوقتها) أي في وقتها أو على وقتها.[ قــ :513 … غــ : 527 ]
— حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ -وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا.
قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ.
قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي».
[الحديث 527 — أطرافه في: 2782، 5970، 7534] .وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي البصري، وسقط من رواية الأصيلي هشام بن عبد الملك (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: الوليد بن العيزار) بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فزاي فألف فراء ابن حريث بضم المهملة آخره مثلثة الكوفي (أخبرني) بالإفراد هو على التقديم والتأخير أي حدّثنا شعبة قال: أخبرني الوليد بن العيزار (قال: سمعت أبا عمرو) سعد بن إياس بسكون العين وبكسر الهمزة في إياس وتخفيف المثناة التحتية (الشيباني) المخضرم الكوفي، المتوفى سنة خمس أو ست وتسعين وله مائة وعشرون سنة (يقول: حدّثنا صاحب هذه الدار) هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما صرّح به مالك بن مغول عند المؤلّف في الجهاد، (وأشار) أبو عمرو الشيباني (بيده إلى دار عبد الله) بن مسعود اكتفاء بالإشارة المهمة عن التصريح (قال:
(سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-َ (الصلاة على وقتها) اتفق أصحاب
شعبة على هذا اللفظ، وخالفهم علي بن حفص وهو ممن احتج به مسلم فقال: (الصلاة في أول وقتها) رواه الحاكم والدارقطني واحترز بقوله على وقتها عما إذا وقعت الصلاة خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي، فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بتحريم ولا بأنه أفضل الأعمال مع أنه محجوب، لكن إيقاعها في الوقت أحب.ووجه المطابقة بين الترجمة باللام وبين الحديث بعلى أن اللام قد تأتي بمعنى على وحروف الخفض ينوب بعضها عن بعض عند الكوفيين كهي في قوله تعالى: { ويخرّون للأذقان} [الإسراء: 109] .
أي عليها { وتله للجبين} [الصافات: 103] .
أي عليه أو هي لام التأقيت والتأريخ كهي في قوله تعالى: { فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] أي وقتها وهو الطهر، فإن اللام في الأزمان وما أشبهها للتأقيت، ومن عدّ العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات قاله البيضاوي، فعلى قول الكوفيين إن حروف الجر تنوب بعضها عن بعض فهما متطابقان، وإلاّ فمتغايران لأن على للاستعلاء على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه واللام لاستقبال الوقت، أو اللام بمعنى في لأن الوقت ظرف لها.
قال تعالى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أي فيه.(قال) أي ابن مسعود قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سمعه أبو الفرج بن الجوزي من ابن الخشاب.
وقال: يعني ابن الخشاب لا يجوز غيره لأنه اسم معرب غير مضاف، وأجاب الزركشي في تعليق العمدة بأنه مضاف تقديرًا والمضاف إليه محذوف لوقوعه في الاستفهام والتقدير، ثم أي العمل أفضل؟ قال: فالأولى أن يوقف عليه بإسكان الياء، وتعقبه في المصابيح فقال: كأنه فهم أن ابن الخشاب نفى كونه مضافًا مطلقًا حتى أورد عليه أنه مضاف تقديرًا، وليس هذا مراد ابن الخشاب قطعًا إذ هو بصدد تعليل إيجاب التنوين فيه وهو يثبت بكونه غير مضاف لفظًا وتقدير الإضافة لا يوجب عدم تنوينه، بل ولا يجوزه، وتوجيه الفاكهاني في شرح العمدة بأنه موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب منه عليه الصلاة والسلام، والتنوين لا يوقف عليه إجماعًا، وحينئذ فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه وقفة لطيفة ثم يؤتى بما بعده.
أجيب: عنه بأن الحاكي لا يجب عليه في حالة وصل الكلام بما قبله أو بما بعده أن يراعي حال المحكي عنه في الابتداء والوقف، بل يفعل هو ما تقتضيه حالته التي هو فيها والاستعمالات الفصيحة شاهدة بذلك.
قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فهذا كلام محكي بدئ بهمزة قطع وختم بتنوين ولم يقل أحد بوجوب الوقف على ما قالوا محافظة على الإتيان بهمزة القطع كما كانت في كلامهم المحكي ولا بوجوب الوقف على الميم بالسكون كما وقفوا عليه.
بل يجوز الوصل إجماعًا فتراعى حالته قاله الدماميني.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (بر الوالدين) بالإحسان إليهما والقيام بخدمتهما وترك عقوقهما وللمستملي ثم بر الوالدين (قال) أي ابن مسعود رضي الله عنه قلت: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سبق (قال) عليه الصلاة والسلام: (الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله عز وجل وإظهار شعائر الإسلام بالنفس والمال.
(قال) ابن مسعود رضي الله عنه: (حدّثني بهن) أي بالثلاثة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو استزدته) أي طلبت منه الزيادة في السؤال (لزادني) في الجواب.
فإن قلت: ما الجمع بين حديث الباب ونحو: إن إطعام الطعام خير أعمال الإسلام؟ أجيب: بأن الجواب اختلف باختلاف أحوال السائلين.
فأعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما هو لائق بهم، أو الاختلاف باختلاف الأوقات فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال، لأنه وسيلة إلى القيام بها.
ولا ريب أن الصلاة أفضل من الصدقة وقد تكون في وقت مؤاساة المضطر أفضل، أو أن أفعل ليست على بابها، بل المراد بها الفضل المطلق أو هو على حذف من وارداتها.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والإخبار والقول والسماع والسؤال، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد وفي الأدب والتوحيد، ومسلم في الإيمان، والترمذي في الصلاة وفي البر والصلة، والنسائي في الصلاة.
(بابُُ فَضْلِ الصَّلاَةِ لوَقْتِهَا)
أَي: هَذَا فِي بَيَان فضل الصَّلَاة لوَقْتهَا، وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال: فضل الصَّلَاة فِي وَقتهَا، لِأَن الْوَقْت ظرف لَهَا، ولذكره هَكَذَا وَجْهَان: الأول: أَن عِنْد الْكُوفِيّين أَن حُرُوف الْجَرّ يُقَام بَعْضهَا مقَام الْبَعْض.
وَالثَّانِي: اللَّام، هُنَا مثل اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: {فطلقوهن لعدتهن} (الطَّلَاق: 1) أَي: مستقبلات لعدتهن، وَمثل قَوْلهم: لَقيته لثلاث بَقينَ من الشَّهْر، وَتسَمى: بلام التَّأْقِيت، والتأريخ.
وَأما قيام: اللَّام، مقَام: فِي، فَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} (الْأَنْبِيَاء: 47) وَقَوله: لَا يجليها لوَقْتهَا إلاَّ هُوَ} (الْأَعْرَاف: 187) .
وَقَوْلهمْ: مضى لسبيله.
فَإِن قلت: فَفِي حَدِيث الْبابُُ: على وَقتهَا، فالترجمة لَا تطابقه؟ قلت: اللَّام تَأتي بِمَعْنى: على، أَيْضا نَحْو قَوْله تَعَالَى: {ويخرون للأذقان} (الْإِسْرَاء: 107، 109) ، {ودعانا لجنبه} (يُونُس: 12) ، {وتله للجبين} (الصافات: 103) .
وعَلى الأَصْل جَاءَ أَيْضا فِي الحَدِيث أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن بنْدَار، قَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر حَدثنَا مَالك بن مغول عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار عَن أبي عَمْرو عَن عبد الله، قَالَ: (سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: الصَّلَاة فِي وَقتهَا) .
وَأخرجه ابْن حبَان أَيْضا فِي (صَحِيحه) ، وَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد بِلَفْظ التَّرْجَمَة.
وَأخرجه مُسلم بِالْوَجْهَيْنِ.
[ قــ :513 … غــ :527]
— حدَّثنا أَبُو الوَلِيدِ هشَاُم بُن عَبْدِ المَلِكِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ الوَلِيدُ بنُ العَيْزَارِ أَخْبرنِي قالَ سَمِعْتُ أبَا عَمْرٍ والشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ حدَّثنا صاحِبُ هَذِه الدَّارِ وأشَارَ إلَى دَارِ عَبْدِ الله قالَ سَأَلْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى الله قالَ الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ ثُمَّ أيّ قَالَ ثُمَّ بِر الوَالِدَيْنِ قالَ ثُمَّ أيّ قَالَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله قَالَ حَدثنِي بهنَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.
.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَتقدم الْكَلَام فِي: على وَاللَّام.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: الْوَلِيد بن الْعيزَار، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالزاي قبل الْألف وبالراء بعْدهَا: ابْن حُرَيْث، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: الْكُوفِي.
الرَّابِع: أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَهُوَ سعيد بن إِيَاس، بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: المخضرم، أدْرك أهل الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة قَالَ: أذكر أَنِّي سَمِعت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أرعى إبِلا لأهلي بكاظمة، بالظاء الْمُعْجَمَة، وتكامل شَبابُُِي يَوْم الْقَادِسِيَّة فَكنت ابْن أَرْبَعِينَ سنة يَوْمئِذٍ، وَكَانَ من أَصْحَاب عبد الله بن مَسْعُود.
الْخَامِس: هُوَ عبد الله.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه السماع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِلَفْظ الْإِفْرَاد فِي الْمَاضِي.
وَفِيه: القَوْل وَالسَّمَاع وَالسُّؤَال.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
وَفِيه: قَوْله: قَالَ الْوَلِيد بن الْعيزَار: أَخْبرنِي، تَقْدِيم وَتَأْخِير تَقْدِيره: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: أَخْبرنِي الْوَلِيد بن الْعيزَار، قَالَ: سَمِعت أَبَا عَمْرو.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي التَّوْحِيد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي الْجِهَاد عَن الْحسن بن الصَّباح، وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن عباد بن الْعَوام.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عبيد الله بن معَاذ، وَعَن مُحَمَّد بن يحيى، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْبر والصلة عَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمروزِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (حَدثنَا صَاحب هَذِه الدَّار) ، لم يُصَرح فِيهِ شُعْبَة باسم عبد الله، بل رَوَاهُ مُبْهما.
وَرَوَاهُ مَالك بن مغول عَن البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد، وَأَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ فِي التَّوْحِيد عَن الْوَلِيد، وصرحا باسم عبد الله، وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَأحمد من طَرِيق أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه، وَمَعَ هَذَا فِي قَوْله: (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى دَار عبد الله) اكْتِفَاء عَن التَّصْرِيح، لِأَن المُرَاد من: عبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
قَوْله: (أَي الْعَمَل أحب إِلَى الله؟) .
وَفِي رِوَايَة مَالك بن مغول: (أَي الْعَمَل أفضل؟) وَكَذَا الْأَكْثَر الروَاة.
قَوْله: (على وَقتهَا) اسْتِعْمَال لَفْظَة: على، هَهُنَا بِالنّظرِ إِلَى إِرَادَة الإستعلاء على الْوَقْت، والتمكن على أَدَائِهَا فِي أَي جُزْء من أَجْزَائِهَا، وَاتفقَ أَصْحَاب شُعْبَة على اللَّفْظ الْمَذْكُور، وَخَالفهُم عَليّ بن حَفْص، فَقَالَ: (الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا) .
.
وَقَالَ الْحَاكِم: روى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن شُعْبَة، وَلم يذكر هَذِه اللَّفْظَة غير حجاج عَن عَليّ بن حَفْص، وحجاج حَافظ ثِقَة، وَقد احْتج مُسلم بعلي بن حَفْص.
قَوْله: (قَالَ: ثمَّ أَي؟) قَالَ الْفَاكِهَانِيّ: إِنَّه غير منون لِأَنَّهُ غير مَوْقُوف عَلَيْهِ فِي الْكَلَام، والسائل ينْتَظر الْجَواب، والتنوين لَا يُوقف عَلَيْهِ، فتنوينه وَوَصله بِمَا بعده خطأ، فَيُوقف عَلَيْهِ وَقْفَة لَطِيفَة ثمَّ يُؤْتى بِمَا بعده.
.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: أَي، مشدد منون، كَذَلِك سَمِعت من ابْن الخشاب.
.
وَقَالَ : لَا يجوز إلاَّ تنوينه لِأَنَّهُ مُعرب غير مُضَاف.
.
وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَنَّهُ مُضَاف تَقْديرا، والمضاف إِلَيْهِ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: ثمَّ أَي الْعَمَل أحب؟ فَيُوقف عَلَيْهِ بِلَا تَنْوِين.
قلت: قَالَ النُّحَاة: إِن أيا الموصولة والشرطية والاستفهامية معربة دَائِما فَإِذا كَانَت: أَي هَذِه معربة عِنْد الْإِفْرَاد، فَكيف يُقَال: إِنَّهَا مَبْنِيَّة عِنْد الْإِضَافَة؟ وَلما نقل عَن سِيبَوَيْهٍ هَذَا هَكَذَا أنكر عَلَيْهِ الزّجاج، فَقَالَ: مَا تبين لي أَن سِيبَوَيْهٍ غلط إلاَّ فِي موضِعين: هَذَا أَحدهمَا، فَإِنَّهُ يسلم أَنَّهَا تعرب إِذا أفردت، فَكيف يَقُول ببنائها إِذا أضيفت؟ قَوْله: (قَالَ: بر الْوَالِدين) ، هَكَذَا هُوَ عِنْد أَكثر الروَاة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (قَالَ: ثمَّ بر الْوَالِدين)) ، بِزِيَادَة كلمة: ثمَّ، و: الْبر، بِكَسْر الْبَاء: الْإِحْسَان، وبر الْوَالِدين: الْإِحْسَان إِلَيْهِمَا وَالْقِيَام بخدمتهما وَترك العقوق والإساءة إِلَيْهِمَا من: بر يبر فَهُوَ بار، وَجمعه: بررة.
قَوْله: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله) وَهُوَ: الْمُحَاربَة مَعَ الْكفَّار لإعلاء كلمة الله وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام بِالنَّفسِ وَالْمَال.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الذّكر بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة؟ قلت: هَذِه الثَّلَاثَة أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان، من ضيع الصَّلَاة الَّتِي هِيَ عماد الدّين مَعَ الْعلم بفضيلتها كَانَ لغَيْرهَا من أَمر الدّين أَشد تضييعا، وَأَشد تهاونا واستخفافا، وَكَذَا من ترك بر وَالِديهِ فَهُوَ لغير ذَلِك من حُقُوق الله أَشد تركا، وَكَذَا الْجِهَاد: من تَركه مَعَ قدرته عَلَيْهِ عِنْد تعينه، فَهُوَ لغير ذَلِك من الْأَعْمَال الَّتِي يتَقرَّب بهَا إِلَى الله تَعَالَى أَشد تركا، فالمحافظ على هَذِه الثَّلَاثَة حَافظ على مَا سواهَا، والمضيع لَهَا كَانَ لما سواهَا أضيع.
قَوْله: (حَدثنِي بِهن) مقول عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة، وَأَنه تَأْكِيد وَتَقْرِير لما تقدم، إِذْ لَا ريب أَن اللَّفْظ صَرِيح فِي ذَلِك، وَهُوَ أرفع دَرَجَات التَّحَمُّل.
قَوْله: (وَلَو استزدته) أَي: وَلَو طلبت مِنْهُ الزِّيَادَة فِي السُّؤَال لزادني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَواب، ثمَّ طلبه الزِّيَادَة يحْتَمل أَن يكون أرادها من هَذَا النَّوْع، وَهِي مَرَاتِب أفضل الْأَعْمَال، وَيحْتَمل أَن يكون أرادها من مُطلق الْمسَائِل الْمُحْتَاج إِلَيْهَا.
وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: من طَرِيق المَسْعُودِيّ عَن الْوَلِيد: (فَسكت عني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو استزدته لزادني) ، فَكَأَنَّهُ فهم مِنْهُ السَّآمَة، فَلذَلِك قَالَ مَا قَالَه، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة مُسلم: (فَمَا تركت أَن أستزيده إلاَّ إرعاء عَلَيْهِ) ، أَي: شَفَقَة عَلَيْهِ لِئَلَّا يسأم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن أَعمال الْبر تفضل بَعْضهَا على بعض عِنْد الله تَعَالَى.
فَإِن قلت: ورد أَن إطْعَام الطَّعَام خير أَعمال الْإِسْلَام، وَورد: (إِن أحب الْأَعْمَال إِلَى الله أَدْوَمه) ، وَغير ذَلِك، فَمَا وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: أجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل من سَأَلَ بِمَا يُوَافق غَرَضه، أَو بِمَا يَلِيق بِهِ، أَو بِحَسب الْوَقْت، فَإِن الْجِهَاد كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام أفضل الْأَعْمَال، لِأَنَّهُ كَانَ كالوسيلة إِلَى الْقيام بهَا.
والتمكن من أَدَائِهَا، أَو بِحَسب الْحَال، فَإِن النُّصُوص تعاضدت على فضل الصَّلَاة على الصَّدَقَة، وَرُبمَا تجدّد حَال يَقْتَضِي مواساة مُضْطَر فَتكون الصَّدَقَة حِينَئِذٍ أفضل، وَيُقَال: إِن أفعل، فِي: أفضل الْأَعْمَال، لَيْسَ على بابُُه، بل المُرَاد بِهِ الْفضل الْمُطلق.
وَيُقَال: التَّقْدِير أَن من أفضل الْأَعْمَال، فحذفت كلمة: من، وَهِي مُرَادة قلت: وَفِيه نظر.
وَفِيه: مَا قَالَ ابْن بطال: إِن البدار إِلَى الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا أفضل من التَّرَاخِي فِيهَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَرط فِيهَا أَن تكون أحب من الْأَعْمَال إِذا أُقِيمَت لوَقْتهَا الْمُسْتَحبّ.
قلت: لفظ الحَدِيث لَا يدل على مَا ذكره على مَا لَا يخفى،.
وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظ مَا يَقْتَضِي أَولا وَلَا آخرا، فَكَانَ الْمَقْصُود بِهِ الِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا وَقعت قَضَاء.
.
وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن إخْرَاجهَا عَن وَقتهَا محرم، وَلَفظ: أحب، يَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الِاسْتِحْبابُُ، فَيكون المُرَاد الِاحْتِرَاز عَن إيقاعها آخر الْوَقْت.
قلت: الَّذِي يدل ظَاهر اللَّفْظ أَن الصَّلَاة مُشَاركَة لغَيْرهَا من الْأَعْمَال فِي الْمحبَّة، فَإِذا وَقعت الصَّلَاة فِي وَقتهَا كَانَت أحب إِلَى الله تَعَالَى من غَيرهَا، فَيكون الِاحْتِرَاز عَن وُقُوعهَا خَارج الْوَقْت.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْوَقْت الأول من الصَّلَاة رضوَان الله، وَالْوَقْت الآخر عَفْو الله) .
وَالْعَفو لَا يكون إلاَّ عِنْد التَّقْصِير.
.
قلت: قَالَ ابْن حبَان، لما رَوَاهُ فِي (كتاب الضُّعَفَاء) : وَتفرد بِهِ يَعْقُوب بن الْوَلِيد، وَكَانَ يضع الحَدِيث.
.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُوَ مَوْضُوع.
.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ: سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول: لَا أعرف شَيْئا يثبت فِي أَوْقَات الصَّلَاة أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا (هَكَذَا، يَعْنِي: مغْفرَة ورضوانا.
وَفِيه: تَعْظِيم الْوَالِدين وَبَيَان فَضله وَيجب الْإِحْسَان إِلَيْهِمَا وَلَو كَانَا كَافِرين.
وَفِيه: السُّؤَال عَن مسَائِل شَتَّى فِي وَقت وَاحِد، وَجَوَاز تَكْرِير السُّؤَال.
وَفِيه: الرِّفْق بالعالم والتوقف عَن الْإِكْثَار عَلَيْهِ خشيَة ملاله.
وَفِيه: أَن الْإِشَارَة تنزل منزلَة التَّصْرِيح إِذا كَانَت مُعينَة للمشار إِلَيْهِ، مُمَيزَة عَن غَيره.
أَلا ترى أَن الْأَخْرَس إِذا طلق امْرَأَته بِالْإِشَارَةِ المفهمة، يَقع طَلَاقه بِحَسب الْإِشَارَة، وَكَذَا سَائِر تَصَرُّفَاته.