144 — وعن ابن مسعود — رضي الله عنه — : أنّ النَّبيّ — صلى الله عليه وسلم — ، قَالَ :
(( هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ )) قالها ثَلاثاً . رواه مسلم .
144 — Передают со слов Ибн Мас’уда, да будет доволен им Аллах, что (однажды) пророк, да благословит его Аллах и приветствует, сказал:
«Погибнут проявляющие чрезмерную строгость!», — повторив это трижды. Этот хадис передали Ахмад (1/386), Муслим (2670), Абу Дауд (4608). См. «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (7039), «Гъаятуль-марам» (7).
«Аль-мутанатти’уна» — углубляющиеся и строго подходящие к чему-либо в тех случаях, когда это неуместно.
شرح الحديث
في هذا الحديثِ يُحذِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ التَّنطُّعِ: وهوَ التَّقعُّرُ في الكَلامِ، والَّذي يَتنطَّعُ بكَلامِه أو بقَولِه أو بفِعلِه أو برَأيِه أو بغَيرِ ذلكَ ممَّا يَعُدُّه النَّاسُ خُروجًا عنِ المَألوفِ، وأَيضًا مِنَ التَّنطُّعِ التَّشدُّدُ في الأُمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، وذلك فكُلُّ مَن شَدَّد على نَفسِه في أَمرٍ قد وَسَّعَ اللهُ لَه فيهِ؛ فإنَّه يَدخُلُ في هَذا الحديثِ، وتَرْكُ كُلِّ مظاهر التَّنطُّعِ مِنَ الآدابِ الحَسنةِ الَّتي جاءَ بِها الإِسلامُ. وقد كرَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولَه: (هلك المتنطعون) ثَلاثًا؛ تَهويلًا وتَنبيهًا عَلى ما فيهِ مِن الغائلَةِ، وتَحريضًا عَلى التَّيقُّظِ والتَّبصُّر دونَه.
في الحديثِ: النَّهيُ عنِ التَّنطُّعِ.
( المتنطعون) جمع متنطع اسم فاعل من التنطع بتقديم الفوقية على النون ( المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد) وقال الحطابي: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.
وقال في «النهاية» : المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل تعمق قولاً وفعلاً.
قال العاقولي: يدخل في هذا الذم ما يكون القصد فيه مقصوراً على اللفظ ويجيء المعنى تابعاً للفظ، أما بالعكس فهو الممدوح، وهو أن يدع الرجل نفسه تجري على سجيتها فيما يروم التعبير عنه من المعاني كما قال: أرسلت نفسي على سجيتها وقلت ما قلت غير محتشم
شرح الحديث من شرح النووى على مسلم
باب هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ
[ سـ :4952 … بـ :2670]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ ) أَيِ الْمُتَعَمِّقُونَ الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ .
شرح الحديث من فـــتح المــــنعم
المعنى العام
اختلاف القلوب ليس من الإسلام في شيء بل الإسلام في ائتلافها كما يقول جل شأنه { { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } } [آل عمران 103] وكم حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاختلاف ولو كان في مسائل العلم إذا أدى إلى تباعد القلوب والضغائن أو إذا أدى إلى التشكك فيما يجب الإيمان به ومن هنا يقول إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ويثيرون حوله الجدل ويتشدقون بأنهم عالمون فاحذروهم ولا تجالسوهم وابتعدوا عن لقائهم ويقول عنهم هلك المتنطعون هلكوا لأن تنطعهم فرق بين قلوبهم وقلوب المؤمنين وأهلكوا بتنطعهم من يلوذ بهم ويقتدي بهم من المقلدين
ويحذر صلى الله عليه وسلم من زمن يصبح فيه المسلمون أتباعا لأعدائهم مقلدين لهم في شعائرهم وحياتهم والتابع مغرم بتقليد المتبوع يحذر من اتباعهم يحذر من هذا الزمن الذي نعيش فيه نحتفل فيه بأعيادهم ونلبس ملابسهم ونحلق لحانا لتكون كلحاهم ونسمح لنسائنا أن يقلدن نساءهم في الاختلاط واللباس والعلاقات الجنسية والاجتماعية وحتى في أخلاقهم الفاسدة وجحورهم الخربة ندخلها اليوم كما يدخلون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
المباحث العربية
تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب } }
عنى علماء التفسير بموضوع المحكم والمتشابه وقد بسطت القول فيه في كتاب اللآلئ الحسان في علوم القرآن ونوجز القول هنا بما يحقق الهدف من الحديث
وقد اختلف المفسرون والأصوليون وغيرهم فيه اختلافا كثيرا وهذا موجز لأهم أقوالهم
1- المتشابه أمر مدة هذه الأمة فإن علمه خفي عن العباد
2- المحكم من القرآن ما وضح معناه لوضوح المفردات والتراكيب والمتشابه نقيضه
3- المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المتقطعة في أوائل السور
4- المحكم ما يعرفه الراسخون في العلم والمتشابه ما لم يعلموه وهو قريب من سابقه
5- المحكم الوعد والوعيد والحلال والحرام والمتشابه القصص والأمثال
والزيغ عدم الاستقامة ويقابل الرسوخ في العلم الذي لا يحصل إلا بعد التتبع التام الاجتهاد البليغ فإذا استقام القلب على طريق الرشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وفي هذا ميل إلى أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه والوقف في الآية على { { في العلم } } و { { الراسخون } } معطوف على لفظ الجلالة ويحتمل أن يكون الوقف على { { وما يعلم تأويله إلا الله } } ثم يبتدئ قوله تعالى { { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } }
قال النووي وكل واحد من القولين محتمل واختاره طوائف والأصح الأول وأن الراسخين يعلمونه لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته وقد اتفق أصحابنا وغيرهم من المحققين على أنه يستحيل أن يتكلم الله تعالى بما لا يفيد اهـ
ويقول الآخرون لا مانع أن يكون في القرآن الكريم ما لا يدركه عقول البشر وما استأثر الله بعلمه كالحكيم إذا صنف كتابا أجمل فيه أحيانا ليكون موضع خضوع المتعلم لأستاذه وكالملك يتخذ علامة يمتاز بها من يطلعه على سر ولو لم يخضع العقل الذي هو أشف البدن لاستمر العالم في أبهة العلم ووصل إلى حد التمرد فخضوعه يدفعه إلى التذلل لعز الربوبية والمتشابه هو موضع خضوع العقول لباريها استسلاما واعترافا بقصورها
ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى { { كتاب أحكمت آياته } } [هود 1] ولا قوله تعالى { { كتابا متشابها مثاني } } [الزمر 23] حتى زعم بعضهم أن كله محكم وعكس آخرون لا تعارض لأن المراد بالإحكام في قوله أحكمت الإتقان في النظم وأن كلها حق من عند الله والمراد من المتشابه كونه يشبه بعضه بعضا في حسن السياق والنظم وليس المراد اشتباه معناه على سامعه فللمحكم معنيان وللمتشابه معنيان
( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) وفي رواية فاحذرهم بالإفراد والخطاب لكل من يتأتى خطابه
أي إذا رأيتم الذين يتتبعون المشكلات لإثارة الفتنة وبلبلة العقول فاحذروا مخالطتهم والاستماع لقولهم
( هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما) بتشديد الجيم المفتوحة أي سرت في الهاجرة والهاجرة نصف النهار والمراد هنا بكرت وبادرت ولم أنتظر للمساء كما هو الكثير والغالب
( فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية) أي في قراءة آية وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها قال فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلاكما محسن لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم قال الحافظ ابن حجر هذا الرجل يحتمل أن يكون هو أبي بن كعب
( فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) الظاهر أن عبد الله بن عمرو وقف معهما حتى خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
( فقال إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب) قال النووي المراد بهلاك من قبلنا هنا هلاكهم في الدين بكفرهم وابتداعهم فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل فعلهم وفي الرواية الثالثة اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا أي إذا اختلفتم في فهم معانيه فقوموا عنه وتفرقوا لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر قال القاضي عياض يحتمل أن يكون النهي خاصا بزمنه صلى الله عليه وسلم لئلا يكون ذلك سببا لنزول ما يسوؤهم ويحتمل أن يكون المعنى اقرءوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة ويحتمل أنه ينهى عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء بأن يتفرقوا عند الاختلاف ويستمر كل منهم على قراءته
( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) الألد بفتح اللام وتشديد الدال شديد الخصومة مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر وأما الخصم فهو بفتح الخاء وكسر الصاد وهو الحاذق بالخصومة قال النووي والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق أو إثبات باطل
( لتتبعن سنن الذين قبلكم) بفتح السين والنون وهو الطريق والمراد اتباع طريقهم في المعاصي والسيئات لا في الكفر
( شبرا بشبر وذراعا بذراع) كناية عن تمام الموافقة لهم
( حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم) جحر الضب مثل في الضيق والتعاريج وهو كناية عن تمام المتابعة وفيه تمثيل بالمستحيل
( قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن) مبتدأ حذف خبره أي فمن غيرهما؟ والاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أحد غيرهما
( هلك المتنطعون) أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم يقال نطع اللقمة إذا أكل منها ثم ردها إلى الخوان وتنطع في الشيء غالى فيه وتكلف وتنطع في كلامه إذا تفصح وتعمق وتشدق
فقه الحديث
1- قال النووي في هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطف في ذلك فلا بأس عليه وجوابه واجب وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عذر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضبيع بن عسل حين كان يتتبع المتشابه اهـ
2- وفيه الحض على الجماعة والألفة والتحذير من الفرقة والاختلاف
3- والنهي عن المراء في القرآن بغير حق والنهي عن الخلاف فيه
4- وفي الرواية الثانية غضب الرسول صلى الله عليه وسلم وانفعاله حتى يرى في وجهه
5- وفيها التنظير بالأمم السابقة
6- وفي الرواية الرابعة الحث على القيام والتفرق وتغيير الأوضاع إذا حصل الاختلاف
قال النووي والأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز كاختلاف في نفس القرآن أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة وخصومة وشجار ونحو ذلك قال وأما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق واختلافهم في ذلك فليس منهيا عنه بل هو مأمور به وهو فضيلة ظاهرة وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن
7- وفي الرواية الخامسة ذم اللجاج والمخاصمة في المناقشة والجدال
8- وفي الرواية السادسة التحذير من التقليد في الأعمال السيئة
9- وفيها معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أنذر به وحذر منه
10- وفي الرواية السابعة التحذير من التنطع والتشدق والتقعر في النقاش
والله أعلم.