119 – عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّى أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ . قَالَ: « ابْسُطْ رِدَاءَكَ » فَبَسَطْتُهُ . قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
« ضُمُّهُ » فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ .
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ بِهَذَا أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ .
أطرافه 118 ، 2047 ، 2350 ، 3648 ، 7354- تحفة 13015 — 41/1
«(Однажды) я сказал Посланнику Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует: “О Посланник Аллаха, поистине, я слышу от тебя многое, но забываю это!” Тогда он велел: “Распахни свою накидку”, и я распахнул её».
(Абу Хурайра, да будет доволен им Аллах,) сказал: «И он сделал своими руками такое движение, будто наполнил их чем-то, (а потом как будто бы положил что-то в мою накидку) и велел: “Запахнись!” Тогда я сдвинул края накидки и после этого уже ничего не забывал». См. также хадисы № 118, 2047, 2350, 3648 и 7354. Этот хадис передал аль-Бухари (119).
Также этот хадис передали Муслим (2492), ат-Тирмизи (3835).
__________________________________________
Пользы, извлекаемые из хадиса:
1. В хадисе указание на то, что мольба/ду’а/ является одной из самых полезных вещей, помогающей в заучивании.
2. В хадисе указание на одно из явных чудес Пророка, да благословит его Аллах и приветствует.
شرح الحديث
كان أبو هَرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه مِن أكثَرِ أصحابِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم روايةً لِلأحاديثِ، ولَمَّا شَعَرَ أبو هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه بِتعجُّبِ البعضِ وسؤالِهم عَن كثْرَةِ حديثِه عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكرَ الأسبابَ الَّتي جعلتْهُ يُحدِّثُ أكثرَ مِنْ غيرِه مِنَ المهاجرِينَ والأنصارِ، فقال: وإنَّ إخْوتي مِنَ المهاجِرِينَ كان يَشغَلُهم صفْقُ الأسواقِ، أي: البيعُ والشِّراءُ والتِّجارةُ، وكنتُ ألزَمُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مِلْءٍ بَطني، يعني: مُقتنِعًا بِالقُوتِ الَّذي يَسُدُّ جُوعي فَقط، فَأَشهَدُ إذا غابوا، وأَحفظُ إذا نَسُوا؛ لِكثرةِ مُلازمتِي لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ قال: وكان يَشغلُ إخوتي مِنَ الأنصارِ عَملُ أموالِهم في الزِّراعةِ وغيرِها، وكنتُ امرأً مِسكينًا مِن مساكينِ الصُّفَّةِ، والصُّفَّةُ مَوضعٌ مُظلَّلٌ في المسجدِ كان يأْوي إليه الغرباءُ وفقراءُ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم ومَن ليس له مِنزِلٌ منهم، «أَعِي حينَ يَنْسَونَ»، يعني: أَتذكَّرُ مِنَ الحديثِ ما يَنسَوْنَه هم، ثُمَّ أُخبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَنَّه قال: «لَنْ يَبسُطَ أحدٌ ثوبَه حتَّى أَقضِي مَقالتي هذه، ثُمَّ يَجمعُ إليه ثوبَه، إلَّا وَعَى ما أقولُ»، أي: إلَّا حَفِظَ ما أقولُه، فبَسَط َأبو هَرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه رِداءَه إلى أنْ قَضى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثَه، فمَا نَسِيَ بعدَ ذلك مَقالةً ولا حديثًا مِمَّا قالَه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلك الموضِعِ.
وفي الحديث: مُعجزةٌ ظاهرةٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفَضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي رضِي اللهُ عنه.
وفيه: الحِرْصُ على التَّعَلُّمِ.
وفيه: ذِكرُ الإنسانِ مَحاسِنَه ليردَّ الشُّبهةَ عن نفْسِه، وليس مِن باب التَّزكيةِ.
شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر
[ قــ :118 … غــ :119] .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ صَاحِبُ مَالِكٍ وَسَقَطَ .
قَوْلُهُ أَبُو مُصْعَبٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ أَيْضًا وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ .
قَوْلُهُ كَثِيرًا هُوَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ حَدِيثًا لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ .
قَوْلُهُ فَغَرَفَ لَمْ يَذْكُرِ الْمَغْرُوفَ مِنْهُ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ إِشَارَةً مَحْضَةً .
قَوْلُهُ ضُمَّ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْبَاقِينَ ضُمَّهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِأَجْلِ ضَمَّةِ الْهَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا لَكِنْ مَعَ إِسْكَانِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا .
قَوْلُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بعد هُوَ مَقْطُوعُ الْإِضَافَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ وَتَنْكِيرُ شَيْئًا بَعْدَ النَّفْيِ ظَاهِرُ الْعُمُومِ فِي عَدَمِ النِّسْيَانِ مِنْهُ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَوَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فو الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ عَدَمِ النِّسْيَانِ بِالْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتَهُ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ النِّسْيَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ فَقَطْ لَكِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ يُونُسَ وَمَنْ وَافَقَهُ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ نَبَّهَ بِهِ عَلَى كَثْرَةِ مَحْفُوظِهِ مِنَ الْحَدِيثِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَحْدَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ لَهُ قَضِيَّتَانِ فَالَّتِي رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ مُخْتَصَّةٌ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ وَالْقَضِيَّةُ الَّتِي رَوَاهَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَامَّةٌ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ بن وَهْبٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ تَحَدَّثْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثٍ فَأَنْكَرَهُ فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ سَمِعْتَهُ مِنِّي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدِي فَقَدْ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي تَخْصِيصِ عَدَمِ النِّسْيَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ لَكِنَّ سَنَدَ هَذَا ضَعِيفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ نَادِرٌ وَيَلْتَحِقُ بِهِ حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ لَا عَدْوَى فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْكَرَهُ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ شَيْئًا غَيْرَهُ فَائِدَةٌ الْمَقَالَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أُبْهِمَتْ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ وَقَدْ وَجَدْتُهَا مُصَرَّحًا بِهَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَسْمَعُ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ فَيَتَعَلَّمُهُنَّ وَيُعَلِّمُهُنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعْجِزَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ وَقَدِ اعْتَرَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ مِنْهُ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَآخَرُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ادْعُوَا فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي وَأَمَّنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لَا يُنْسَى فَأَمَّنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا وَنَحْنُ كَذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ سَبَقَكُمَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ وَفِيهِ أَنَّ التَّقَلُّلَ مِنَ الدُّنْيَا أَمْكَنُ لِحِفْظِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ التَّكَسُّبِ لِمَنْ لَهُ عِيَالٌ وَفِيهِ جَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ من فَضِيلَة إِذا اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ وَأُمِنَ مِنَ الْإِعْجَابِ .
قَوْلُهُ بن أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا أَشْكَلَ .
قَوْلُهُ بِهَذَا عَلَى بعض الشَّارِحين لِأَن بن أَبِي فُدَيْكٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ الْمَذْكُورُ قَبْلُ فَيَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّ السِّيَاقَيْنِ مُتَّحِدَانِ إِلَّا فِي اللَّفْظَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِيهِ وَلَيْسَ كَمَا ظن لِأَن بن أَبِي فُدَيْكٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسلم وَهُوَ ليثي يكنى أَبَا إِسْمَاعِيل وبن دِينَارٍ جُهَنِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَكِنِ اشْتَركَا فِي الرِّوَايَة عَن بن أَبِي ذِئْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِغَيْرِهِ وَفِي كَوْنِهِمَا مَدَنِيَّيْنِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ المُصَنّف بِإِسْنَاد آخر عَن بن أَبِي ذِئْبٍ وَكُلُّ ذَلِكَ غَفْلَةٌ عَمَّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ سَاقَهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَالْمَتْنُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ إِلَّا فِي قَوْلِهِ بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا بِالْإِفْرَادِ.
وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا فَغَرَفَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ فَحَذَفَ بَدَلَ فَغَرَفَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِمَا وَضَحَ فِي سِيَاقه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَقد رَوَاهُ بن سعد فِي الطَّبَقَات عَن بن أَبِي فُدَيْكٍ فَقَالَ فَغَرَفَ .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ .
قَوْلُهُ حَفِظْتُ عَنْ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ بَدَلَ عَنْ وَهِيَ أَصْرَحُ فِي تَلَقِّيهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَاسِطَةٍ .
قَوْلُهُ وِعَاءَيْنِ أَيْ ظَرْفَيْنِ أَطْلَقَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ بِهِ الْحَالَّ أَيْ نَوْعَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي كُنْتُ لَا أَكْتُبُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ مَحْفُوظَهُ مِنَ الْحَدِيثِ لَوْ كُتِبَ لَمَلَأَ وِعَاءَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمْلَى حَدِيثَهُ عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ فَكَتَبَهُ لَهُ وَتَرَكَهُ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَوَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ حَفِظْتُ ثَلَاثَةَ أَجْرِبَةٍ بَثَثْتُ مِنْهَا جِرَابَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِحَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْوِعَاءَيْنِ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْآخَرِ بِحَيْثُ يَجِيءُ مَا فِي الْكَبِيرِ فِي جِرَابَيْنِ وَمَا فِي الصَّغِيرِ فِي وَاحِدٍ وَوَقَعَ فِي الْمُحَدِّثِ الْفَاضِلِ لِلرَّامَهُرْمُزِي مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ أَجْرِبَةٍ وَهُوَ إِنْ ثَبَتَ مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَشَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا لَمْ يَنْشُرْهُ
شرح الحديث من إرشاد الساري
[ قــ :118 … غــ : 119 ]
— حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ.
قَالَ: ابْسُطْ رِدَاءَكَ.
فَبَسَطْتُهُ.
قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمُّهُ، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ».
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا.
أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ.
وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن أبي بكر) زاد في رواية عن أبي ذر وابن عساكر والأصيلي ( أبو مصعب) وهو كنية أحمد وهو أشهر بها وسقطت في رواية أبي ذر والأصيلي، واسم أبي بكر القاسم بن الحرث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري العوفي قاضي المدينة وعالمها صاحب مالك، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين عن اثنتين وتسعين سنة ( قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن دينار) مفتي المدينة مع إمامها مالك بن أنس، المتوفى سنة اثنتين وثمانين ومائة ( عن ابن أبي ذئب) بكسر الذال المعجمة، وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب القرشي المدني العامري.
قال الإمام أحمد: كان ابن أبي ذئب أفضل من مالك إلا أن مالكًا أشد تنقية للرجال منه، المتوفى بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة ( عن سعيد) أي ابن أبي سعيد ( المقبري) بفتح الميم وضم
الموحدة المدني ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه ( قال: قلت يا رسول الله) وفي رواية ابن عساكر قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( إني أسمع منك حديثًا كثيرًا) صفة لقوله حديثًا لأنه اسم جنس يتناول القليل والكثير ( أنساه) صفة ثانية لحديثًا والنسيان زوال علم سابق عن الحافظة والمدركة والسهو زواله عن الحافظة فقط، ويفرق بينه وبين الخطأ بأن السهو ما ينتبه صاحبه بأدنى تنبيه بخلاف الخطأ.
( قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي هريرة وفي رواية فقال: ( ابسط رداءك فبسطته) أي لما قال ابسط امتثلت أمره فبسطته، وإلا فيلزم منه عطف الخبر على الإنشاء وهو مختلف فيه.
( قال فغرف) عليه الصلاة والسلام ( بيديه) من فيض فضل الله فجعل الحفظ كالشيء الذي يغرف منه ورمى به في ردائه ومثل بذلك في عالم الحس.
( ثم قال) عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة: ( ضمه) بالهاء مع ضم الميم تبعًا للضاد وفتحها وهي رواية أبي ذرّ لأن الفتح أخف الحركات وكسرها لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر وفك الإدغام فيصير اضممه والهاء فيه ترجع إلى الحديث، كما يدل عليه قوله في غير الصحيح فغرف بيده ثم قال: ضم الحديث، وعند المصنف في بعض طرقه: لن يبسط أحدكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعها إلى صدره، وقد وقع في جامع الترمذي وحلية أبي نعيم التصريح بهذه المقالة المبهمة في حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله تعالى عليه فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة».
ووقع في رواية الكشميهني وعزاها في الفرع للحموي والمستملي ضم بغير هاء.
قال أبو هريرة: ( فضممته فما نسيت شيئًا بعده) أي بعد الضم وفي رواية الأكثر بعد مقطوع عن الإضافة مبني على الضم وتنكير شيئًا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شيء في الحديث وغيره لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه، لكن وقع في رواية ابن عيينة وغيره عن الزهري في الحديث السابق ما نسيت شيئًا سمعته منه وعند مسلم من رواية يونس فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدّثني به وهو يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث، وأخصُّ منه ما جاء في رواية شعيب حيث قال: فما نسيت من مقالته تلك شيئًا، فإنه يفهم تخصيص عدم النسيان بهذه المقالة فقط.
لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه لأن أبا هريرة نبّه به على كثرة محفوظه من الحديث فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، ويحتمل أن يكون وقعت له قضيتان، فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة، والتي رواها سعيد المقبري عامّة، هكذا قرره في فتح الباري وهذا من المعجزات الظاهرات حيث رفع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أبي هريرة النسيان الذي هو من لوازم الإنسان حتى قيل إنه مشتق منه، وحصول هذا في بسط الرداء الذي ليس للعقل فيه مجال.
وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بالذال المعجمة وسبق في أوّل كتاب العلم ( قال: أخبرنا ابن أبي فديك) بضم الفاء وفتح الدال المهملة وهو أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن أبي فديك واسم أبي فديك دينار المدني الليثي، المتوفى سنة مائتين، وابن أبي فديك يرويه عن ابن أبي ذئب كما
عند المؤلف في علامات النبوّة ( بهذا) أي بهذا الحديث ( أو قال) وفي رواية الكشميهني وقال: ( غرف بيده فيه) بالإفراد مع زيادة فيه والضمير للثوب، وللمستملي وحده يحذف فيه بالحاء المهملة والذال المعجمة والفاء من الحذف وهو الرمي، لكن حديث علامات النبوّة المنبّه عليه فيما سبق ليس فيه إلا الغرف، وبه استوضح الحافظ ابن حجر على أن يحذف تصحيف مع ما استشهد به مما في طبقات ابن سعد عن ابن أبي فديك حيث قال: فغرف.
وتعقبه العيني بأن ما قاله لا يكون دليلاً لما ادّعاه من التصحيف، ولو كان كذلك لنبّه عليه صاحب المطالع، وأجيب بأنه لا يلزم من كون صاحب المطالع لم ينبّه عليه أن لا يكون تصحيفًا انتهى.
لكن يبقى طلب الدليل على كونه تصحيفًا فافهم، وهذا المذكور من قوله: حدّثنا إبراهيم بن المنذر إلى آخر قوله فغرف أو يحذف بيده فيه ساقط في رواية أبي ذر والأصيلي والمستملي وابن عساكر.
شرح الحديث من عمدة القاري
[ قــ :118 … غــ :119 ]
— حدّثنا أحْمَدُ بْنُ أبِي بَكْرٍ أبُو مُصْعَبٍ قالَ: حدّثنا مَحَمَّدُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ دِينَارٍ عَنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّهِ! إنِّي أسْمعُ مِنْكَ حَدِيثا كَثِيرا أنُسَاهُ، قالَ: ( ابْسُطْ رِدَاءَكَ) فَبَسَطْتُهُ، قالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قالَ: ( ضمَّهُ) ، فَضَممْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئا بَعْدَهُ.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة بطرِيق الِالْتِزَام، والْحَدِيث الْمَاضِي بطرِيق الْمُطَابقَة، وَأَحَادِيث الْبابُُ ثَلَاثَة كلهَا عَن أبي هُرَيْرَة، والْحَدِيث الثَّالِث يدل على أَنه لم يحدث بِجَمِيعِ محفوظه.
ودلالته على التَّرْجَمَة بالمطابقة.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة.
الأول: أَحْمد بن أبي بكر، وَاسم أبي بكر: الْقَاسِم، وَقيل: زُرَارَة بن الْحَارِث بن زُرَارَة بن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ الْعَوْفِيّ، قَاضِي الْمَدِينَة وعالمها، وَهُوَ أحد من حمل ( الْمُوَطَّأ) عَن مَالك، روى عَنهُ السِّتَّة، لَكِن النَّسَائِيّ بِوَاسِطَة.
وَأخرج لَهُ مُسلم حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ( السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب) فَقَط، قَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: صَدُوق، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة.
الثَّانِي: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار الْمدنِي، وَيُقَال: الْأنْصَارِيّ، كَانَ مفتي أهل الْمَدِينَة مَعَ مَالك وَعبد الْعَزِيز بن يزِيد بن سَلمَة، فَقِيها فَاضلا لَهُ بِالْعلمِ عناية.
قَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مَعْرُوف بِالْحَدِيثِ.
.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة، الْقرشِي العامري الْمدنِي الثِّقَة.
كَبِير الشان.
.
وَقَالَ أَحْمد: كَانَ ابْن أبي ذِئْب أفضل من مَالك إِلَّا أَن مَالِكًا كَانَ أَشد تنقية للرِّجَال مِنْهُ، وأقدمه الْمهْدي بَغْدَاد حَتَّى حدث بهَا، ثمَّ رَجَعَ يُرِيد الْمَدِينَة فَمَاتَ بِالْكُوفَةِ سنة تسع وَخمسين وَمِائَة.
ولد سنة ثَمَانِينَ.
الرَّابِع: سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري الْمدنِي.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِي التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَمِنْهَا: أَن كلهم أَئِمَّة أجلاء.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن ابْن أبي فديك.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عُثْمَان بن عمر، كِلَاهُمَا عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة،.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح، قد رُوِيَ من غير وَجه عَن أبي هُرَيْرَة.
بَيَان الْإِعْرَاب والمعاني: قَوْله: ( قلت: يَا رَسُول الله) ويروى: ( قلت: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
قَوْله: ( كثيرا) صفة لقَوْله: حَدِيثا، لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار كَونه اسْم جنس يُطلق على الْكثير والقليل.
قَوْله: ( انساه) جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة أُخْرَى لقَوْله: ( حَدِيثا) ، وَالنِّسْيَان جهل بعد الْعلم.
وَالْفرق بَينه وَبَين السَّهْو أَن النسْيَان زَوَال عَن الحافظة والمدركة، والسهو زَوَال عَن الحافظة فَقَط.
وَالْفرق بَين السَّهْو وَالْخَطَأ أَن السَّهْو مَا يتَنَبَّه صَاحبه بِأَدْنَى تَنْبِيه، وَالْخَطَأ مَا لَا يتَنَبَّه بِهِ.
وَيُقَال المأتي بِهِ إِن كَانَ على جِهَة مَا يَنْبَغِي فَهُوَ الصَّوَاب، وَإِن كَانَ لَا على مَا يَنْبَغِي ينظر، فَإِن كَانَ مَعَ قصد من الْآتِي بِهِ يُسمى الْغَلَط، وَإِن كَانَ من غير قصد مِنْهُ فَإِن كَانَ يتَنَبَّه بأيسر تَنْبِيه فَهُوَ السَّهْو، وإلاَّ فَهُوَ الْخَطَأ.
وَالنِّسْيَان حَالَة تعتري الْإِنْسَان من غير اخْتِيَاره توجب غفلته عَن الْحِفْظ.
والغفلة ترك الِالْتِفَات بِسَبَب أَمر عَارض.
قَوْله: ( قَالَ) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي هُرَيْرَة: ( ابْسُطْ رداءك) .
قَوْله: ( فبسطته) عطف على: ( ابْسُطْ) .
وَعطف الْخَبَر على الْإِنْشَاء فِيهِ خلاف، وَالَّذِي يمنعهُ يقدر شَيْئا، وَالتَّقْدِير: لما قَالَ: ابْسُطْ رداءك امتثلت أمره فبسطته.
( فغرف) أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( بِيَدِهِ) ، وَلم يذكر المغروف وَلَا المغروف مِنْهُ، لِأَنَّهُ لم يكن إِلَّا إِشَارَة مَحْضَة.
قَوْله: ( ضمه) بِالْهَاءِ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ضم، بِلَا هَاء.
وَالضَّمِير يرجع إِلَى الحَدِيث يدل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي غير الصَّحِيح: ( فغرف بيدَيْهِ، ثمَّ قَالَ: ضم) الحَدِيث، وَفِي بعض طرقه عِنْد البُخَارِيّ: ( لن يبسط أحد مِنْكُم ثَوْبه حَتَّى أَقْْضِي مَقَالَتي هَذِه، ثمَّ يجمعها إِلَى صَدره فينسى من مَقَالَتي شَيْئا أبدا.
فبسطت نمرة لَيْسَ عَليّ ثوب غَيرهَا حَتَّى قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَالَته، ثمَّ جمعتها إِلَى صَدْرِي، فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا نسيب من مقَالَته تِلْكَ إِلَى يومي هَذَا) .
وَفِي مُسلم: ( أَيّكُم يبسط ثَوْبه فَيَأْخُذ) فَذكره بِمَعْنَاهُ، ثمَّ قَالَ: ( فَمَا نسيت بعد ذَلِك الْيَوْم شَيْئا حَدثنِي بِهِ) .
فَفِي قَوْله: بعد ذَلِك الْيَوْم دَلِيل على الْعُمُوم، وعَلى أَنه بعد ذَلِك لم ينس شَيْئا سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا أَن ذَلِك خَاص بِتِلْكَ الْمقَالة، كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهر قَوْله: ( من مقَالَته تِلْكَ) ، ويعضد الْعُمُوم مَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ( إِنَّه شكى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ينسى) .
فَفعل مَا فعل ليزول عَنهُ النسْيَان.
قلت: تنكير: شَيْئا، بعد النَّفْي يدل على الْعُمُوم، لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تدل عَلَيْهِ، فَدلَّ على الْعُمُوم فِي عدم النسْيَان لكل شَيْء من الحَدِيث وَغَيره.
فَإِن قلت: قَوْله: ( فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا نسيت من مقَالَته تِلْكَ إِلَى يومي هَذَا) ، يدل على تَخْصِيص عدم النسْيَان بِتِلْكَ الْمقَالة فَقَط.
وَقَوله: ( فَمَا نسيت بعد ذَلِك الْيَوْم شَيْئا حَدثنِي بِهِ) ، يدل على تَخْصِيص عدم النسْيَان بِالْحَدِيثِ فَقَط.
قلت: الْجَواب يفهم مِمَّا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَكَيف لَا وَأَبُو هُرَيْرَة اسْتدلَّ بذلك على كَثْرَة محفوظه من الحَدِيث، فَلَا يَصح حمله على تِلْكَ الْمقَالة وَحدهَا، أَو نقُول: وَيحْتَمل أَن يكون قد وَقعت لَهُ قضيتان: إِحْدَاهمَا خَاصَّة.
وَالْأُخْرَى: عَامَّة.
فَإِن قلت: مَا هَذِه الْمقَالة؟ قلت: هِيَ مُبْهمَة فِي جَمِيع طرق الحَدِيث من رِوَايَة الزُّهْرِيّ، غير أَنه صرح بهَا فِي طَرِيق أُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة، أخرجهَا أَبُو نعيم فِي ( الْحِلْية) قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَا من رجل يسمع كلمة أَو كَلِمَتَيْنِ مِمَّا فرض الله تَعَالَى فيتعلمهن ويعلمهن إلاَّ دخل الْجنَّة) .
.
وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: وَقَوله: ( وضمه) فِيهِ ثَلَاث لُغَات فِي الْمِيم: الْفَتْح وَالْكَسْر وَالضَّم،.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يجوز إلاَّ الضَّم لأجل الْهَاء المضمومة بعده، وَاخْتَارَهُ الْفَارِسِي، وَجوزهُ صَاحب ( الفصيح) وَغَيره: قلت: مثل هَذِه الْكَلِمَة يجوز فِيهِ أَرْبَعَة أوجه من حَيْثُ قَوَاعِد الصرفيين: الأول: ضم الْمِيم تبعا للضاد.
وَالثَّانِي: فتحهَا لِأَن الفتحة أخف الحركات.
وَالثَّالِث: كسرهَا لِأَن السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ.
وَالرَّابِع: فك الْإِدْغَام، أَعنِي: أضمم.
.
وَقَالَ بَعضهم: وَيجوز ضمهَا.
وَقيل: يتَعَيَّن لأجل ضمة الْهَاء.
قلت: دَعْوَى التَّعْيِين غير صَحِيحَة، وَلَا كَون الضمة لأجل الْهَاء، وَإِنَّمَا هُوَ لأجل ضمة الضَّاد، كَمَا ذكرنَا.
.
وَقَالَ : وَيجوز كسرهَا لَكِن مَعَ إسكان الْهَاء.
قلت: إِن أَرَادَ بالإسكان فِي حَالَة الْوَقْف فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ مُطلقًا فَمَمْنُوع، فَافْهَم، فَإِن مثل هَذَا لَا يحققه إلاَّ من أمعن فِي النّظر فِي الْعُلُوم الآلية.
قَوْله: ( بعد) بِضَم الدَّال لِأَنَّهُ قطع من الْإِضَافَة فيبنى على الضَّم، وَفِي بعض النّسخ: ( بعده) ، أَي بعد هَذَا الضَّم.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: معْجزَة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، حَيْثُ رفع من أبي هُرَيْرَة النسْيَان الَّذِي هُوَ من لَوَازِم الْإِنْسَان حَتَّى قيل: إِنَّه مُشْتَقّ مِنْهُ، وَحُصُول هَذَا من بسط الرِّدَاء وضمه أَيْضا معْجزَة، حَيْثُ جعل الْحِفْظ كالشيء الَّذِي يغْرف مِنْهُ، فَأخذ غرفَة مِنْهُ ورماها فِي رِدَائه، وَمثل بذلك فِي عَالم الْحس.
حدّثنا إبراهيمُ بنُ المُنْذِرِ قالَ: حدّثنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ بِهَذَا، أَو قالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيه.
سَاق البُخَارِيّ الحَدِيث الْمَذْكُور بِهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، فَقَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ( قلت: يَا رَسُول الله! إِنِّي سَمِعت مِنْك حَدِيثا كثيرا فأنساه.
قَالَ: ابْسُطْ رداءك، فبسطت، فغرف بِيَدِهِ فِيهِ، ثمَّ قَالَ: ضمه، فضممته فَمَا نسيت حَدِيثا بعد) .
وَالِاخْتِلَاف بَين الْحَدِيثين فِي بعض الْأَلْفَاظ.
فَفِي الأول: ( إِنِّي أسمع مِنْك) ، وَفِي هَذَا: ( سَمِعت مِنْك) .
وَهُنَاكَ: ( انساه) ، وَهَهُنَا: ( فأنساه) ، بِالْفَاءِ.
وَهُنَاكَ: ( فبسطته) ، وَهنا: ( فبسطت) بِدُونِ ضمير الْمَفْعُول.
وَهُنَاكَ: ( فغرف بيدَيْهِ) ، وَهَهُنَا: ( بِيَدِهِ) ، وَهُنَاكَ: ( فَمَا نسيت شَيْئا) ، وَهنا: ( فَمَا نسيت حَدِيثا) .
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين فِي حَدِيث الْبابُُ: ( فغرف) وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده: يحذف.
.
وَقَالَ صَاحب ( الْمطَالع) فِي بابُُ حفظ الْعلم، فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي قَوْله: ( ابْسُطْ رداءك) قَول ابْن أبي فديك.
.
وَقَالَ : يحذف فِيهِ، أَي: كَأَنَّهُ يَرْمِي بِيَدِهِ فِي رِدَاء أبي هُرَيْرَة شَيْئا لما كَانَ قبل ذَلِك، فغرف بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: ضمه.
انْتهى كَلَامه.
وَادّعى بَعضهم أَن هَذَا تَصْحِيف، وَلم يُقِم عَلَيْهِ برهانا، غير أَنه قَالَ: لما وضح من سِيَاقه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وَقد رَوَاهُ ابْن سعد فِي ( الطَّبَقَات) عَن ابْن أبي فديك، فَقَالَ: فغرف، وَهَذَا لَيْسَ يقوم بِهِ دَلِيل على مَا لَا يخفى، وَلَو كَانَ تصحيفا لنبه عَلَيْهِ صَاحب ( الْمطَالع)
وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر مر فِي أول كتاب الْعلم، وَابْن أبي فديك هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك الْمدنِي، وَأَبُو فديك، بِضَم الْفَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة اسْمه: دِينَار، مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ.
قَوْله: ( بِهَذَا) أَي: بِهَذَا الحَدِيث.
قَوْله: ( قَالَ) أَي ابْن أبي فديك يحذف بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، من الْحَذف بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة وبالفاء.
وَفِي ( الْعبابُ) فِي فصل الْحَاء الْمُهْملَة: حذفته بالعصا أَي: رميته.
وَهُوَ بَين كل حاذف وقاذف: فالحاذف بالعصا، والقاذف بِالْحجرِ.
.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَذف الرَّمْي عَن جَانب وَالضَّرْب عَن جَانب.
.
وَقَالَ فِي فصل الْخَاء الْمُعْجَمَة.
الْخذف، رميك بحصاة أَو نواة أَو نَحْوهمَا تَأْخُذهُ بَين سبابُتيك تخذف بِهِ.
قلت: وَمن هَذَا قَالَ بَعضهم: الْحَذف، بِالْمُهْمَلَةِ بالعصا، والخذف بِالْمُعْجَمَةِ بالحصى.
.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد وجد فِي بعض النّسخ هَهُنَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر … الخ، ثمَّ قَالَ: وَالظَّاهِر أَن ابْن أبي فديك يرويهِ أَيْضا عَن ابْن أبي ذِئْب، فيتفق مَعَه إِلَى آخر الْإِسْنَاد الأول مَعَ احْتِمَال رِوَايَته عَن غَيره.
قلت: هَذَا غَفلَة مِنْهُ، وَلَو اطلع على مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة لما تردد هَهُنَا، ولجزم بِرِوَايَة ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب.