1661 ( صحيح )
إنّ الصّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى
( حم ق 4 ) عن أنس .
1661 — Сообщается, что Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, сказал:
«Поистине, терпение (больше всего необходимо) проявлять при первом потрясении». Этот хадис передали Ахмад (3/130, 143, 217), аль-Бухари (1283), Муслим (926), Абу Дауд (3124), ат-Тирмизи (987, 988), ан-Насаи (4/22) и Ибн Маджах (1596) со слов Анаса ибн Малика, да будет доволен им Аллах.
Шейх аль-Албани назвал хадис достоверным. См. «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (1661), «Ахкамуль-джанаиз» (22).
___________________________________________
В версии этого хадиса которую приводит имам аль-Бухари, сообщается, что Анас ибн Малик, да будет доволен им Аллах, сказал: «Однажды пророк, да благословит его Аллах и приветствует, проходивший мимо какой-то женщины, которая плакала у могилы, (остановился) и сказал (ей): “Бойся Аллаха и храни терпение”. Женщина, не знавшая его (в лицо), воскликнула: “Оставь меня, ведь тебя не постигло такое горе!” Потом ей сказали: “Это же был пророк, да благословит его Аллах и приветствует !” − и тогда она пришла к дверям (дома) пророка, да благословит его Аллах и приветствует, однако не обнаружила там привратников.[1] Она сказала ему: “Я не знала, что это ты!” − он же сказал ей: “Поистине, терпение (больше всего необходимо) проявлять при первом потрясении”». См. «Мухтасар Сахих аль-Бухари» (615).
[1] Имеется в виду, что это удивило женщину, считавшую, что Пророк, да благословит его Аллах и приветствует, должен жить подобно царям.
شرح الحديث
كتَبَ اللهُ سبحانه وتعالى على عِبادِه البَلاءَ في أنفسِهم وأموالِهم وأولادِهم، ووعَدَ الصَّابرينَ على هذا البَلاءِ الأجرَ العظيمَ، فقال تعالى: {إِنَّمَا يوُفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وفي هذا الحديثِ لَمَّا مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المرأةِ الَّتي وجَدَها تبْكي على القَبرِ؛ لِفقْدِ أحدِ أحبَّائِها، قال لها «اتَّقِي اللهَ واصْبِري»، أي: اتَّقي اللهَ ولا تَجزَعِي الجزعَ الذى يُحبِطُ الأجرَ، واسْتشعِري الصَّبْرَ على المصيبةِ بما وعَدَ اللهُ على ذلك، فلَمْ تَعرفْه المرأةُ فقالتْ له: إليكَ عنِّي؛ فإنَّك خِلْوٌ مِن مُصيبَتي، أي: لم تُصَبْ بما أُصِبْتُ به، فَجاوزَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومضَى في طريقِه، فعرَّفَها رجلٌ بأنَّ مَن مَرَّ بها وقال لها: اتَّقي اللهَ واصبِري؛ هو النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالتْ: ما عرفْتُه، ثُمَّ جاءتْ إلى بيتِه، فلم تَجِدْ عليه بوَّابًا، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرَ النَّاسِ تَواضعًا لا يقِفُ على بابِه بوَّابٌ أو حارسٌ أو حاجِبٌ، فأتتْهُ وقالتْ له: واللهِ ما عرفتُك، فقالَ لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ الصَّبرَ عندَ أوَّلِ صَدمةٍ»، يعني: أنَّ الصَّبرَ المحمودَ الذي يُؤجَر عليه يكونُ عندَ صَدمةِ المصيبةِ الأُولَى وبدايتِها؛ لأنَّه هو الذي يَشُقَّ ويَعظُم تحمُّلُه ومجاهدةُ النَّفسِ عليه، وأمَّا بعدَ الصَّدمةِ الأولى ومُرورِ الأيامِ فكلُّ أحدٍ يَصبِر ويَنسَى المُصيبةِ.
وفي الحديث: تَواضُع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: موعظةُ المرأةِ عِندَ البُكاءِ على الميِّت.
وفيه: رِفقُه صلَّى الله عليه وسلَّم وكريمُ خُلقِه؛ حيثُ لم يَنتهِرْ المرأةَ لَمّا ردَّتْ عليه قولَه، بل عذَرَها بمُصيبتِها.
وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُثْبِتْ عَلَى شَرْطِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُصَرِّحَةَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَفِيهِ نَسْخُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِهِ فِيهِ وَتُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ فَلَا تَقُولُوا هُجْرًا أَيْ كَلَامًا فَاحِشًا وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُون الْجِيم وَله من حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تذكر الْمَوْت قَالَ النَّوَوِيّ تبعا للعبدري وَالْحَازِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ كَذَا أَطْلَقُوا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بن أبي شيبَة وَغَيره روى عَن بن سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا حَتَّى قَالَ الشَّعْبِيُّ لَوْلَا نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزُرْتُ قَبْرَ ابْنَتِي فَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ وَالله أعلم وَمُقَابل هَذَا قَول بن حَزْمٍ إِنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمُرِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ فَقِيلَ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَتَقْرِيرُهُ حجَّة وَمِمَّنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى عُمُومِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَائِشَة فروى الْحَاكِم من طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ رَآهَا زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقِيلَ لَهَا أَلَيْسَ قَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ كَانَ نَهَى ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا وَقِيلَ الْإِذْنُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ وَلَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ وَبِحَدِيثِ لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَة وَله شَاهد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ فِي حَقِّهِنَّ هَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا اللَّعْنُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُكْثِرَاتِ مِنَ الزِّيَارَةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الصِّفَةُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالتَّبَرُّجِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُنَّ مِنَ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ إِذَا أُمِنَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِذْنِ لِأَنَّ تَذَكُّرَ الْمَوْتِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ .
قَوْلُهُ بِامْرَأَةٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَلَا اسْمِ صَاحِبِ الْقَبْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ وَلَدُهَا وَلَفْظُهُ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا وَصُرِّحَ بِهِ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ قَدْ أُصِيبَتْ بِوَلَدِهَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ أَنَّ أَنَسًا قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ تَعْرِفِينَ فُلَانَةً قَالَتْ نَعَمْ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهَا فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
[ قــ :1236 … غــ :1283] .
قَوْلُهُ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَقَالَ يَا أَمَةَ اللَّهِ اتَّقِي اللَّهَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي بُكَائِهَا قَدْرٌ زَائِدٌ مِنْ نَوْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِهَذَا أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى.
قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَذْكُورِ فَسَمِعَ مِنْهَا مَا يُكْرَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهَا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ .
قَوْلُهُ اتَّقِي اللَّهَ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَاصْبِرِي كَأَنَّهُ قِيلَ لَهَا خَافِي غَضَبَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَصْبِرِي وَلَا تَجْزَعِي لِيَحْصُلَ لَكِ الثَّوَابُ .
قَوْلُهُ إِلَيْكَ عَنِّي هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَمَعْنَاهَا تَنَحَّ وَابْعُدْ .
قَوْلُهُ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَلِمُسْلِمٍ مَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي أَنَا الْحَرَّى الثَّكْلَى وَلَوْ كُنْتَ مُصَابًا عَذَرْتَنِي .
قَوْلُهُ وَلَمْ تَعْرِفْهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ خَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تَعْرِفْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ .
قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهَا فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ لَهَا إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَتْ مَا عَرَفْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَذْكُورَةِ قَالَ فَهَلْ تَعْرِفِينَهُ قَالَتْ لَا وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهَا هُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ أَيْ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ الَّذِي أَصَابَهَا لَمَّا عَرَفَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَجَلًا مِنْهُ وَمَهَابَةً .
قَوْلُهُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ بَوَّابًا بِالْإِفْرَادِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَائِدَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ عُذْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فِي كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَتَّخِذَ بَوَّابًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَكَانَ من شَأْنه أَنه لَا يَسْتَتْبِعُ النَّاسَ وَرَاءَهُ إِذَا مَشَى كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرُ فَلِذَلِكَ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَمْ تَعْرِفْهُ مَعَ مَا كَانَتْ فِيهِ مِنْ شَاغِلِ الْوَجْدِ وَالْبُكَاءِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَائِدَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشْعَرَتْ خَوْفًا وَهَيْبَةً فِي نَفْسِهَا فَتَصَوَّرَتْ أَنَّهُ مِثْلُ الْمُلُوكِ لَهُ حَاجِبٌ وَبَوَّابٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا تَصَوَّرَتْهُ .
قَوْلُهُ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُكَ .
قَوْلُهُ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ وَالْمَعْنَى إِذَا وَقَعَ الثَّبَاتُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْجَزَعِ فَذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَأَصْلُ الصَّدْمِ ضَرْبُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِمِثْلِهِ فَاسْتُعِيرَ لِلْمُصِيبَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقَلْبِ قَالَ الْخطابِيّ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّبْرَ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَا كَانَ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْأَيَّامِ يَسْلُو وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُؤْجَرْ عَلَى الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِهِ وَإِنَّمَا يُؤْجَرْ عَلَى حُسْنِ تَثَبُّتِهِ وَجَمِيلِ صَبْرِهِ.
وَقَالَ بن بَطَّالٍ أَرَادَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهَا مُصِيبَةُ الْهَلَاكِ وَفَقْدُ الْأَجْرِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ صَدَرَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهَا لَمْ أَعْرِفْكَ عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا دَعِي الِاعْتِذَارَ فَإِنِّي لَا أَغْضَبُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَانْظُرِي لِنَفْسِكِ.
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَائِدَةُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ طَائِعَةً لِمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنَ التَّقْوَى وَالصَّبْرِ مُعْتَذِرَةً عَنْ قَوْلِهَا الصَّادِرِ عَنِ الْحُزْنِ بَيَّنَ لَهَا أَنَّ حَقَّ هَذَا الصَّبْرِ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَتْ أَنَا أَصْبِرُ أَنَا أَصْبِرُ وَفِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَذْكُورِ فَقَالَ اذْهَبِي إِلَيْكِ فَإِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِيهِ مِنْ مُرْسل الْحسن وَالْعبْرَة لَا يملكهَا بن آدَمَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ تَأَخَّرَتْ بَعْدَ الدَّفْنِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَالزِّيَارَةُ إِنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ إِلَى الْقَبْرِ قَصْدًا مِنْ جِهَةِ اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهَا حَيْثُ أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى وَالصَّبْرِ لِمَا رَأَى مِنْ جَزَعهَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا لِتَشْيِيعِ مَيِّتِهَا فَأَقَامَتْ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْ أَنْشَأَتْ قَصْدَ زِيَارَتِهِ بِالْخُرُوجِ بِسَبَبِ الْمَيِّتِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مَا كَانَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ وَمُسَامَحَةُ الْمُصَابِ وَقَبُولُ اعْتِذَارِهِ وَمُلَازَمَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَحْجُبُهُ عَنْ حَوَائِجِ النَّاسِ وَأَنَّ مَنْ أُمِرَ بِمَعْرُوفٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفِ الْآمِرَ وَفِيهِ أَنَّ الْجَزَعَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ لِأَمْرِهِ لَهَا بِالتَّقْوَى مَقْرُونًا بِالصَّبْرِ وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي احْتِمَالِ الْأَذَى عِنْدَ بَذْلِ النَّصِيحَةِ وَنَشْرِ الْمَوْعِظَةِ وَأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ بِالْخِطَابِ إِذَا لَمْ تُصَادِفِ الْمَنْوِيَّ لَا أَثَرَ لَهَا وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَا إِذَا قَالَ يَا هِنْدُ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَادَفَ عَمْرَةَ أَنَّ عَمْرَةَ لَا تُطَلَّقُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِرُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَزُورُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ فِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِالْجَوَازِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا تَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ وَهُوَ غَلَطٌ انْتَهَى وَحُجَّةُ الْمَاوَرْدِيِّ .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبره وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَرْجَمَةَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَدَّمُ الزِّيَارَةَ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهَا فَجَعَلَهَا أَصْلًا وَمِفْتَاحًا لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَأَشَارَ أَيْضًا إِلَى أَنَّ مُنَاسَبَةَ تَرْجَمَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ تُنَاسِبُ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ حَصْرَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِخُرُوج النِّسَاء مُتَوَالِيَة وَالله أعلم
( باب) مشروعية ( زيارة القبور) وسقط الباب والترجمة لابن عساكر.
[ قــ :1236 … غــ : 1283 ]
— حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي.
قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ.
فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَتْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».
وبالسند قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس، قال ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا ثابت) البناني ( عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال) :
( مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بامرأة تبكي عند قبر) زاد في رواية يحيى بن أبي كثير، عند عبد الرزاق: فسمع منها ما يكره، أي: من نوح أو غيره، ولم تعرف المرأة ولا صاحب القبر، لكن في رواية
لمسلم ما يشعر بأنه ولدها، ولفظه تبكي على صبي لها، وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور، ولفظه قد أصيبت بولدها.
( فقال) لها يا أمة الله.
( اتقي الله واصبري) قال الطيبي: أي: خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي، ليحصل لك الثواب.
( قالت: إليك عني) أي: تنح وابعد، فهو من أسماء الأفعال: ( فإنك لم تصب بمصيبتي) بضم المثناة الفوقية، وفتح الصاد في تصب مبنيًّا للمفعول، وعند المصنف في الأحكام، من وجه آخر عن شعبة: فإنك خلو من مصيبتي، بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام، خاطبته بذلك ( و) الحال أنها ( لم تعرفه) إذ لو عرفته لم تخاطبه بهذا الخطاب.
( فقيل لها:) وللحموي، وللمستملي: لم تصب بمصيبتي فقيل لها ( إنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند المؤلّف في الأحكام: فأمر بها رجل، فقال لها: إنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية أبي يعلى، من حديث أبي هريرة قال: فهل تعرفينه، قالت له: لا.
وللطبراني في الأوسط، من طريق عطية، عن أنس: إن الذي سألها هو الفضل بن العباس، وزاد مسلم في رواية له: فأخذها مثل الموت، أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما اشتبه عليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه من تواضعه لم يكن يستتبع الناس وراءه إذا مشى كعادة الملوك والكبراء، مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء.
( فأتت) باب ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم تجد عنده بوابين) يمنعون الناس من الدخول عليه، وفي رواية الأحكام بوابًا بالإفراد.
فإن قلت: ما فائدة هذه الجملة؟ أجاب شارح المسماة.
بأنه لما قيل لها إنه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها، فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب أو بوّاب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته.
( فقالت) معتذرة عما سبق منها، حيث قالت: إليك عني: ( لم أعرفك) فاعذرني من تلك الردة وخشونتها ( فقال) لها عليه الصلاة والسلام:
( إنما الصبر) الكامل ( عند الصدمة الأولى) الواردة على القلب، أي: دعي الاعتذار فإن من شيمتي أن لا أغضب إلا لله، وانظري، إلى تفويتك من نفسك الجزيل من الثواب بالجزع، وعدم الصبر أوّل فجأة المصيبة، فاغتفر لها عليه الصلاة والسلام تلك الجفوة لصدورها منها في حال مصيبتها، وعدم معرفتها به، وبين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على طول الأيام يسلو.
كما يقع لكثير من أهل المصائب، بخلاف أوّل وقوع المصيبة، فإنه يصدم القلب بغتة
وقد قيل: إن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن نيته، وجميل صبره.
ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى، في موضعه.
فإن قلت: من أين تؤخذ مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من حيث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم ينه المرأة المذكورة عن زيارة قبر ميتها، وإنما أمرها بالصبر والتقوى، لما رأى من جزعها، فدلّ على الجواز، واستدلّ به على زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلاً أو امرأة، وسواء كان المزور مسلمًا أو كافرًا لعدم الاستفصال في ذلك.
قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي، أي: الماوردي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط.
اهـ.
وحجة الماوردي قوله تعالى: { وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وفي الاستدلال بذلك نظر لا يخفى.
وبالجملة: فتستحب زيارة قبور المسلمين للرجال، لحديث مسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة».
وسئل مالك عن زيارة القبور فقال: قد كان نهى عنه، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرًا لم أبي بذلك بأسًا.
وعن طاوس: كانوا يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام، لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم، سبعة أيام.
وتكره للنساء لجزعهن، وأما حديث أبي هريرة المروي عند الترمذي، وقال حسن صحيح: «لعن الله زوّارات القبور»، فمحمول على ما إذا كانت زيارتهن للتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن، قال القرطبي: وحمل بعضهم حديث الترمذي في المنع على من تكثر الزيارة لأن زوارات للمبالغة.
اهـ.
ولو قيل بالحرمة في حقهن، في هذا الزمان، لا سيما نساء مصر، لما بعد لما في خروجهن من الفساد، ولا يكره لهن زيارة قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل تندب وينبغي كما قال ابن الرفعة، والقمولي، أن تكون قبور سائر الأنبياء والأولياء كذلك.
وفي الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه في: الجنائز، والأحكام ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والترمذي والنسائي.
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم زِيَارَة الْقُبُور، وَلم يُصَرح بالحكم لما فِيهِ من الْخلاف بَين الْعلمَاء، وَيَأْتِي بَيَانه عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
[ قــ :1236 … غــ :1283 ]
— حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا ثابِتٌ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مرَّ النبيُّ بامْرَأةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فقالَ اتَّقِي الله واصْبِرِي قالَتْ إلَيْكَ عَنِّي فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إنَّهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتَتْ بابَُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فقَالَتْ لَمْ أعْرِفْكَ فَقَالَ إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأوُلَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينْه الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة عَن زيارتها قبر ميتها، وَإِنَّمَا أمرهَا بِالصبرِ، فَدلَّ على الْجَوَاز من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فلعدم التَّصْرِيح بِهِ لم يُصَرح البُخَارِيّ أَيْضا بالحكم.
وَقد مر هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد فِي: بابُُ قَول الرجل للْمَرْأَة عِنْد الْقَبْر: (اصْبِرِي) ، غير أَن هُنَا زِيَادَة من قَوْله: (قَالَت إِلَيْك عني.
.
) إِلَى آخِره.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار عَن غنْدر وَفِي الْأَحْكَام عَن إِسْحَاق ابْن مَنْصُور.
وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن بنْدَار عَن غنْدر وَعَن أبي مُوسَى وَعَن عقبَة بن مكرم وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم وَزُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ مُخْتَصرا.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن غنْدر بِهِ وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي دَاوُد عَنهُ بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بِامْرَأَة) ، لم يُوقف على اسْمهَا.
قَوْله: (عِنْد قبر) ، وَلَفظ مُسلم: (أَتَى على امْرَأَة تبْكي على صبي لَهَا فَقَالَ لَهَا: اتقِي الله واصبري، فَقَالَت: وَمَا تبالي؟ مصيبتي.
فَلَمَّا ذهب قيل لَهَا: إِنَّه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخذهَا مثل الْمَوْت فَأَتَت بابُُه فَلم تَجِد على بابُُه بوابين، فَقَالَت: يَا رَسُول الله لم أعرفك، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد أول صدمة.
أَو قَالَ: عِنْد أول الصدمة) .
وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق: (قد أُصِيبَت بِوَلَدِهَا) .
قَوْله: اتقِي الله) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الظَّاهِر أَنَّهَا كَانَت تنوح وَهِي تبْكي، فَلهَذَا أمرهَا بالتقوى، وَهُوَ الْخَوْف من الله تَعَالَى،.
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: (اتقِي الله) تَوْطِئَة لقَوْله: (واصبري) كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: خافي غضب الله إِن لم تصبري وَلَا تجزعي ليحصل لَك الثَّوَاب، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : (فَقَالَ: يَا أمة الله اتقِي الله) .
قَوْله: (إِلَيْك) من أَسمَاء الْأَفْعَال وَمَعْنَاهَا: تَنَح عني وَأبْعد.
قَوْله: (فَإنَّك لم تصب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام من وَجه آخر عَن شُعْبَة: (فَإنَّك خلو من مصيبتي) ، والخلو بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام.
وَفِي لفظ لمُسلم: (مَا تبالي مصيبتي) .
وَفِي رِوَايَة أبي يعلى الْموصِلِي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنَّهَا قَالَت: (يَا عبد الله أَنا الحراء الثكلاء، وَلَو كنت مصابا عذرتني) ، وَفِي بعض النّسخ بعد قَوْله: (فَإنَّك لم تصب بمصيبتي، وَلم تعرفه) .
الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا القَوْل وَالْحَال أَنَّهَا لم تعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لَو عَرفته لما خاطبته بِهَذَا الْخطاب.
قَوْله: (فَقيل لَهَا) أَي: للْمَرْأَة الْمَذْكُورَة، فَكَأَن الْقَائِل لَهَا وَاحِد مِمَّن كَانَ هُنَاكَ، وَفِي رِوَايَة الْأَحْكَام: (فَمر بهَا رجل فَقَالَ لَهَا: إِنَّه رَسُول الله) .
وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: (قَالَ: فَهَل تعرفينه؟ قَالَت: لَا) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من طَرِيق عَطِيَّة عَن أنس أَن الَّذِي سَأَلَهَا هُوَ الْفضل بن عَبَّاس، وَقد مر فِي رِوَايَة مُسلم: (فَأَخذهَا مثل الْمَوْت) أَي: من شدَّة الكرب الَّذِي أَصَابَهَا لما عرفت أَنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خجلاً مِنْهُ ومهابة.
قَوْله: (فَلم تَجِد عِنْده) أَي: لم تَجِد هَذِه الْمَرْأَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بوابين) يمْنَعُونَ النَّاس، وَفِي رِوَايَة الْأَحْكَام: (بوابا) بِالْإِفْرَادِ.
قَالَ الطَّيِّبِيّ: فَائِدَة هَذِه الْجُمْلَة أَنه لما قيل لَهَا: إِنَّه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استشعرت خوفًا وهيبة فِي نَفسهَا، فتصورت أَنه مثل الْمُلُوك لَهُ صَاحب أَو بواب يمْنَع النَّاس من الْوُصُول إِلَيْهِ، فَوجدت الْأَمر بِخِلَاف مَا تصورته.
قَوْله: (فَقَالَت: لم أعرفك) ، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة (فَقَالَت: وَالله مَا عرفتك) .
قَوْله: (إِنَّمَا الصَّبْر) أَي: إِنَّمَا الصَّبْر الْكَامِل، ليَصِح معنى الْحصْر على الصدمة الأولى، وَفِي رِوَايَة الْأَحْكَام: (عِنْد أول صدمة) .
وأصل الصدم لُغَة: الضَّرْب فِي الشَّيْء الصلب، ثمَّ استعير لكل أَمر مَكْرُوه، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن الصَّبْر الَّذِي يكون عِنْد الصدمة الأولى هُوَ الَّذِي يكون صبرا على الْحَقِيقَة، وَأما السّكُون بعد فَوَات الْمُصِيبَة رُبمَا لَا يكون صبرا، بل قد يكون سلواه، كَمَا يَقع لكثير من أهل المصائب، بِخِلَاف أول وُقُوع الْمُصِيبَة، فَإِنَّهُ يصدم الْقلب بَغْتَة فَلَا يكون السّكُون عِنْد ذَلِك، والرضى بالمقدور إلاَّ صبرا على الْحَقِيقَة.
.
وَقَالَ الْخطابِيّ: الْمَعْنى أَن الصَّبْر الَّذِي يحمد عَلَيْهِ صَاحبه مَا كَانَ عِنْد مفاجأة الْمُصِيبَة، بِخِلَاف مَا بعد ذَلِك، فَإِنَّهُ على الْأَيَّام يسلو.
وَقيل: إِن الْمَرْء لَا يُؤجر على الْمُصِيبَة لِأَنَّهَا لَيست من صنعه، وَإِنَّمَا يُؤجر على حسن نِيَّته وَجَمِيل صبره،.
وَقَالَ ابْن بطال: أَرَادَ أَن لَا يجْتَمع عَلَيْهَا مُصِيبَة الْهَلَاك وفقد الْأجر.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: مَا كَانَ عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من التَّوَاضُع والرفق بالجاهل، وَترك مُؤَاخذَة الْمُصَاب وَقبُول اعتذاره.
وَفِيه: إِن الْحَاكِم لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَّخذ من يَحْجُبهُ عَن حوائج النَّاس.
وَفِيه: أَن من أَمر بِمَعْرُوف يَنْبَغِي لَهُ أَن يقبل وَإِن لم يعرف الْآمِر.
وَفِيه: أَن الْجزع من المنهيات لأَمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهَا بالتقوى مَقْرُونا بِالصبرِ.
وَفِيه: التَّرْغِيب فِي احْتِمَال الْأَذَى عِنْد بذل النَّصِيحَة وَنشر الموعظة.
وَفِيه: أَن المواجهة بِالْخِطَابِ إِذا لم تصادف الْمَنوِي لَا أثر لَهَا.
وَبنى عَلَيْهِ بَعضهم مَا إِذا قَالَ: يَا هِنْد أَنْت طَالِق، فصادف عمْرَة أَن عمْرَة لَا تطلق.
وَفِيه: جَوَاز زِيَارَة الْقُبُور مُطلقًا، سَوَاء كَانَ الزائر رجلا أَو امْرَأَة، وَسَوَاء كَانَ المزور مُسلما أَو كَافِرًا لعدم الْفَصْل فِي ذَلِك.
.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: وبالجواز قطع الْجُمْهُور،.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَا يجوز زِيَارَة قبر الْكَافِر، مستدلاً بقوله تَعَالَى: وَلَا تقم على قَبره} (التَّوْبَة: 48) .
وَهَذَا غلط.
وَفِي الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة نظر لَا يخفى.
وَاعْلَم أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي زِيَارَة الْقُبُور، فَقَالَ الْحَازِمِي: أهل الْعلم قاطبة على الْإِذْن فِي ذَلِك للرِّجَال.
.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: الْإِبَاحَة فِي زِيَارَة الْقُبُور إِبَاحَة عُمُوم، كَمَا كَانَ النَّهْي عَن زيارتها نهي عُمُوم، ثمَّ ورد النّسخ فِي الْإِبَاحَة على الْعُمُوم، فَجَائِز للرِّجَال وَالنِّسَاء زِيَارَة الْقُبُور، وروى فِي الْإِبَاحَة أَحَادِيث كَثِيرَة.
مِنْهَا: حَدِيث بُرَيْدَة أخرجه مُسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها.
.
) الحَدِيث، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَلَفظه: (قد كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فقد أذن لمُحَمد فِي زِيَارَة قبر أمه فزوروها فَإِنَّهَا تذكر بِالآخِرَة) .
وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن مَسْعُود أخرجه ابْن مَاجَه عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروا الْقُبُور، فَإِنَّهَا تذكر فِي الدُّنْيَا وتذكر الْآخِرَة) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أنس أخرجه ابْن أبي شيبَة عَنهُ، قَالَ: (نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن زِيَارَة الْقُبُور، ثمَّ قَالَ: زوروها وَلَا تَقولُوا هجرا) يَعْنِي سوأً.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه أَبُو دَاوُد عَنهُ، قَالَ: (زار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبر أمه فَبكى وأبكى من حوله، فَقَالَ: اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي أَن اسْتغْفر لَهَا فَلم يَأْذَن لي واستأذنته فِي أَن أزورها فَأذن لي، فزوروا الْقُبُور فَإِنَّهَا تذكر الْمَوْت) .
وَرَوَاهُ أَيْضا مُخْتَصرا.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه ابْن مَاجَه عَنْهَا: (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص فِي زِيَارَة الْقُبُور) .
وَمِنْهَا: حَدِيث حَيَّان الْأنْصَارِيّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: (خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَر.
.
) الحَدِيث، وَفِيه: (وَأحل لَهُم ثَلَاثَة أَشْيَاء كَانَ ينهاهم عَنْهَا: أحل لَهُم لُحُوم الْأَضَاحِي وزيارة الْقُبُور والأوعية) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي ذَر، أخرجه الْحَاكِم عَنهُ قَالَ: (قَالَ لي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زر الْقُبُور تذكر بهَا الْآخِرَة) .
وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه أَحْمد عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها فَإِنَّهَا تذكركم الْآخِرَة) .
وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه أَحْمد عَنهُ: (مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبور فَأقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم) .
وَمِنْهَا: حَدِيث مجمع بن جَارِيَة، أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى إِلَى الْمقْبرَة، فَقَالَ: السَّلَام على أهل الْقُبُور.
.
) الحَدِيث، وَفِيه: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.
وَعَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَنه أَتَى الْمقْبرَة فَسلم عَلَيْهِم،.
وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَلَيْهِم) وَعند ابْن عبد الْبر، بِسَنَد صَحِيح: (مَا من أحد يمر بِقَبْر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إلاَّ عرفه ورد عَلَيْهِ السَّلَام) .
وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث بُرَيْدَة، قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم: لَا يرَوْنَ بزيارة الْقُبُور بَأْسا.
وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
وَلما روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لعن الله زوارات الْقُبُور) ، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، ثمَّ قَالَ: وَقد رأى بعض أهل الْعلم أَن هَذَا كَانَ قبل أَن يرخص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زِيَارَة الْقُبُور، فَلَمَّا رخص دخل فِي رخصته الرِّجَال وَالنِّسَاء،.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا تكره زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء لقلَّة صبرهن وَكَثْرَة جزعهن.
وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زائرات الْقُبُور والمتخذين عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج) ، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث قوم، فَقَالُوا: إِنَّمَا اقْتَضَت الْإِبَاحَة فِي زِيَارَة الْقُبُور للرِّجَال دون النِّسَاء،.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: يُمكن أَن يكون هَذَا قبل الْإِبَاحَة.
قَالَ: وتوقي ذَلِك للنِّسَاء المتجملات أحب إِلَيّ، وَإِمَّا الشواب فَلَا يُؤمن من الْفِتْنَة عَلَيْهِنَّ وبهن حَيْثُ خرجن، وَلَا شَيْء للْمَرْأَة أحسن من لُزُوم قَعْر بَيتهَا.
وَلَقَد كره أَكثر الْعلمَاء خروجهن إِلَى الصَّلَوَات فَكيف إِلَى الْمَقَابِر؟ وَمَا أَظن سُقُوط فرض الْجُمُعَة عَلَيْهِنَّ إلاَّ دَلِيلا على إمساكهن عَن الْخُرُوج فِيمَا عَداهَا.
قَالَ: وَاحْتج من أَبَاحَ زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء، بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رَوَاهُ فِي (التَّمْهِيد) من رِوَايَة بسطَام بن مُسلم عَن أبي التياح (عَن عبد الله بن أبي مليكَة: أَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَقبلت ذَات يَوْم من الْمَقَابِر، فَقلت لَهَا: يَا أم الْمُؤمنِينَ، من أَيْن أَقبلت؟ قَالَت: من قبر أخي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقلت لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْهَى عَن زِيَارَة الْقُبُور؟ قَالَت: نعم، كَانَ ينْهَى عَن زيارتها ثمَّ أَمر بزيارتها) ، وَفرق قوم بَين قَوَاعِد النِّسَاء وَبَين شبابُهن، وَبَين أَن ينفردن بالزيارة أَو يخالطن الرِّجَال، فَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أما الشواب فَحَرَام عَلَيْهِنَّ الْخُرُوج، وَأما الْقَوَاعِد فمباح لَهُنَّ ذَلِك، قَالَ: وَجَائِز ذَلِك لجميعهن إِذا انفردن بِالْخرُوجِ عَن الرِّجَال.
قَالَ: وَلَا يخْتَلف فِي هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ أَيْضا: حمل بَعضهم حَدِيث التِّرْمِذِيّ فِي الْمَنْع على من يكثر الزِّيَارَة لِأَن زوارات للْمُبَالَغَة، وَيُمكن أَن يُقَال: إِن النِّسَاء إِنَّمَا يمنعن من إكثار الزِّيَارَة لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْإِكْثَار من تَضْييع حُقُوق الزَّوْج والتبرج والشهرة والتشبه بِمن يلازم الْقُبُور لتعظيمها، وَلما يخَاف عَلَيْهَا من الصُّرَاخ وَغير ذَلِك من الْمَفَاسِد، وعَلى هَذَا يفرق بَين الزائرات والزوارات.
وَفِي (التَّوْضِيح) : وَحَدِيث بُرَيْدَة صَرِيح فِي نسخ نهي زِيَارَة الْقُبُور، وَالظَّاهِر أَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ لم يبلغهما أَحَادِيث الْإِبَاحَة.
وَكَانَ الشَّارِع يَأْتِي قُبُور الشُّهَدَاء عِنْد رَأس الْحول فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ، فَنعم عُقبى الدَّار، وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يَفْعَلُونَ ذَلِك، وزار الشَّارِع قبر أمه، يَوْم الْفَتْح فِي ألف مقنع ذكره ابْن أبي الدُّنْيَا، وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إجَازَة الزِّيَارَة، وَكَانَت فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تزور قبر حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كل جُمُعَة.
وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يزور قبر أَبِيه فيقف عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُ، وَكَانَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تزور قبر أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن وقبره بِمَكَّة، ذكره أجمع عبد الرَّزَّاق.
.
وَقَالَ ابْن حبيب: لَا بَأْس بزيارة الْقُبُور وَالْجُلُوس إِلَيْهَا وَالسَّلَام عَلَيْهَا عِنْد الْمُرُور بهَا، وَقد فعل ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسُئِلَ مَالك عَن زِيَارَة الْقُبُور؟ فَقَالَ: قد كَانَ نهى عَنهُ ثمَّ أذن فِيهِ، فَلَو فعل ذَلِك إِنْسَان وَلم يقل إلاَّ خيرا لم أر بذلك بَأْسا.
وَفِي (التَّوْضِيح) أَيْضا: وَالْأمة مجمعة على زِيَارَة قبر نَبينَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَكَانَ ابْن عمر إِذا قدم من سفر أُتِي قَبره المكرم فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر، السَّلَام عَلَيْك يَا أبتاه.
وَمعنى النَّهْي عَن زِيَارَة الْقُبُور إِنَّمَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام عِنْد قربهم بِعبَادة الْأَوْثَان واتخاذ الْقُبُور مَسَاجِد، فَلَمَّا استحكم الْإِسْلَام وَقَوي فِي قُلُوب النَّاس وَأمنت عبَادَة الْقُبُور وَالصَّلَاة إِلَيْهَا نسخ النَّهْي عَن زيارتها لِأَنَّهَا تذكر الْآخِرَة وتزهد فِي الدُّنْيَا وَعَن طَاوُوس: كَانُوا يستحبون أَن لَا يتفرقوا عَن الْمَيِّت سَبْعَة أَيَّام لأَنهم يفتنون ويحاسبون فِي قُبُورهم سَبْعَة أَيَّام، وَحَاصِل الْكَلَام من هَذَا كُله أَن زِيَارَة الْقُبُور مَكْرُوهَة للنِّسَاء، بل حرَام فِي هَذَا الزَّمَان، وَلَا سِيمَا نسَاء مصر لِأَن خروجهن على وَجه فِيهِ الْفساد والفتنة، وَإِنَّمَا رخصت الزِّيَارَة لتذكر أَمر الْآخِرَة وللاعتبار بِمن مضى وللتزهد فِي الدُّنْيَا.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.