9 – باب مَا جَاءَ فِى تَأْخِيرِ صَلاَةِ الْعَصْرِ.
9 – Глава: Что сказано относительно откладывания послеполуденной молитвы/‘аср/
161 – حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَشَدَّ تَعْجِيلاً لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ أَشَدُّ تَعْجِيلاً لِلْعَصْرِ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَهُ.
قال الشيخ الألباني : صحيح
161 – Передают со слов Ибн Абу Мулейки, что Умм Саляма (да будет доволен ею Аллах) сказала:
«Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, усерднее вас спешил совершать полуденную молитву, а вы усерднее него спешите совершать послеполуденную молитву».
Абу ‘Иса (ат-Тирмизи) сказал:
– Похожий на этот хадис передаётся от Исма’иля ибн ‘Улеййа, (передавшего) от Ибн Джурейджа, (передавшего) от Ибн Абу Мулейки, (передавшего) от Умм Салямы (да будет доволен ею Аллах).
Этот хадис передал ат-Тирмизи (161).
Также этот хадис также передали Ахмад (6/289, 310), Ибн Аби Шейба (1/323), Абу Я’ля (6992).
Шейх аль-Албани назвал хадис достоверным. См. «Сахих ат-Тирмизи» (161), «Тахридж Мишкатуль-масабих» (590).
Также достоверность этого хадиса подтвердили имам Ибн аль-‘Араби и Шу’айб аль-Арнаут. См. «‘Аридатуль-ахвази» (1/231), «Тахридж Шарху-с-Сунна» (2/211).
شرح الحديث
حرَصَ الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم على تعلِيمِ التَّابعين أمُورَ الدِّينِ، وهدْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيها، وعلى الإنكارِ على مَن خالَفه.
وفي هذا الحَديثِ تقولُ أمُّ سلَمَةَ رَضِي اللهُ عَنها: «كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أشَدَّ تعجِيلًا للظُّهرِ منكم»، أي: إنَّهم كانوا يُؤخِّرون صلاةَ الظُّهرِ بالنِّسبةِ لِما كان يَفعَلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقيل: خِطابُ أمِّ سلَمَةَ هنا ليس للصَّحابةِ بل لجماعَةٍ مِن التَّابعين؛ وهذا كما في حَديثٍ آخَرَ أنَّ بعضَ التَّابعين كانوا يُؤخِّرُون الصَّلاةَ عن وقْتِها ولا يُقيمُونَها على وجْهِها؛ بل يُسرِعون فيها، فأنكَرَ عليهم أنَسٌ وأثْنَى على صلاةِ عمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ أنَّها كانتْ أقرَبَهم لصلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، «وأنتمُ أشدُّ تعجِيلًا للعصْرِ منه»، أي: أكثَرُ تعجِيلًا لصلاةِ العصْرِ بالنِّسبَةِ لِمَا كان يَفعَلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فيكونُ وقْتُ الصَّلاةِ قليلًا بينَ الأذانِ والإقامَةِ لا يُسعِفُ للاستِعدادِ للصَّلاةِ؛ مِن وُضوءٍ وغيرِه، أو صَلاةِ سُنَّةٍ ونحْوِها، أو انتِظارِ المصلِّين، وقيل: كان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُؤخِّرُ صلاةَ العصْرِ.
والمقصُودُ مِن قوْلِ أمِّ سلَمَةَ رضِيَ اللهُ عنها: أنَّهم يُخالِفون هدْيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
[عبد الرحمن المباركفوري]
(بَاب مَا جَاءَ فِي تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ)
[161] قَوْلُهُ (وَأَنْتُمْ أَشَدُّ تَعْجِيلًا لِلْعَصْرِ مِنْهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ بالمخالفة انتهى
قال القارىء إِنَّ الْخِطَابَ لِغَيْرِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَفِي الْجُمْلَةِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا انْتَهَى
قُلْتُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ نَعَمْ فِيهِ أَنَّ الَّذِينَ خَاطَبَتْهُمْ أُمُّ سَلَمَةَ كَانُوا أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلْعَصْرِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْجِيلَ فِي الظُّهْرِ أَشَدُّ مِنَ التَّعْجِيلِ فِي الْعَصْرِ لَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ
وَقَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ حَدِيثُ الباب ظاهره مبهم والتأخير ها هنا إِضَافِيٌّ وَإِطْلَاقُ الْأَلْفَاظِ الْإِضَافِيَّةِ لَيْسَتْ بِفَاصِلَةٍ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا الِاعْتِرَافِ نَعَمْ يَخْرُجُ شَيْءٌ لَنَا انْتَهَى
قُلْتُ لَا يَخْرُجُ لَكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَيُّهَا الْأَحْنَافُ كَيْفَ وَظَاهِرُهُ مُبْهَمٌ وَالتَّأْخِيرُ فِيهِ إِضَافِيٌّ وَأُطْلِقَ فِيهِ اللَّفْظُ الْإِضَافِيُّ وَهُوَ لَيْسَ بِفَاصِلٍ وَقَدْ ثَبَتَ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ اسْتِحْبَابُ التَّعْجِيلِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَحَادِيثَ أُخَرَى قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُمْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا عَرَفْتَ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ فِي
آخِرِ مُوَطَّئِهِ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْقِيرَاطِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِيمَا خَلَا مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ قَالَ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى إِلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ أَلَا فَأَنْتُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ فَغَضِبَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مَا لَفْظُهُ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ أَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ عَجَّلَ الْعَصْرَ كَانَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ فهذا يدل على تأخير العصر تأخير الْعَصْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهَا مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَاسْتَنْبَطَ أَصْحَابُنَا الْحَنَفِيَّةُ أَمْرَيْنِ
أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْرَارُ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى صَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَوَقْتَ الْعَصْرِ مِنْهُ إِلَى الْغُرُوبِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ إِمَامِنَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ بِوُجُوهٍ كُلُّهَا لَا تَخْلُو عَنْ شَيْءٍ أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إنما أجلكم فيما خلاكما بين الصلاة الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ يُفِيدُ قِلَّةَ زَمَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَانِ مَنْ خَلَا وَزَمَانُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ مُشَبَّهٌ بِمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الزَّمَانُ قَلِيلًا مِنْ زَمَانِ الْيَهُودِ أَيْ مِنَ الصُّبْحِ إِلَى الظُّهْرِ وَمِنْ زَمَانِ النَّصَارَى أَيْ مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ وَلَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَانِ النَّصَارَى إِلَّا إِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ وَقْتِ الْعَصْرِ مِنْ حِينِ صَيْرُورَةُ الظل مثليه فإنه حينئذ يريد وَقْتَ الظُّهْرِ أَيْ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْمِثْلَيْنِ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ مِنَ الْمِثْلَيْنِ إِلَى الْغُرُوبِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْعَصْرِ حِينَ الْمِثْلِ فَيَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ
وَفِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الباري وبستان المحدثين وشرح القارىء وغيرها
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ لُزُومِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمِثْلِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَوْ كَانَ بِمَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ يَكُونُ أَزْيَدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى الغروب على ماهو مُحَقَّقٌ عِنْدَ الرِّيَاضِيِّينَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّفَاوُتُ لَا يَظْهَرُ إِلَّا عِنْدَ الْحِسَابِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ تَفْهِيمُ كُلِّ أَحَدٍ
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ مُجَرَّدُ التَّمْثِيلِ وَلَا يَلْزَمُ فِي التَّمْثِيلِ التَّسْوِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قِلَّةَ مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إنما هي بالنسبة إلى مدتي مجموع الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ
وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِنِصْفِ النَّهَارِ فِي الْحَدِيثِ نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَالُ
وَأَمَّا خَامِسًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَصْرِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ غَالِبًا فَالْقِلَّةُ حَاصِلَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا يَتِمُّ مَرَامُ الْمُسْتَدِلِّ إِنْ تَمَّ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ وَقْتِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ وَإِذْ لَيْسَ فَلَيْسَ
وَثَانِيهَا أَنَّ قَوْلَ النَّصَارَى نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِقِلَّةِ زَمَانِهِمْ وَلَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ إِلَّا فِي صُورَةِ الْمِثْلَيْنِ
وَفِيهِ مَا مَرَّ سَابِقًا وَآنِفًا
وَثَالِثُهَا مَا نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ أَنَّهُ جَعَلَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمَانِ الدُّنْيَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا رُبُعُ الزَّمَانِ لِحَدِيثِ بُعِثْتُ أنا الساعة كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَنِسْبَةُ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ مَعَ مَا بعض مِقْدَارُ مَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى
قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَبَيْنَهُمَا نِصْفُ سُبْعٍ لِأَنَّ الْوُسْطَى ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ كُلُّ مَفْصِلٍ مِنْهَا سُبْعٌ وَزِيَادَتُهَا عَلَى السَّبَّابَةِ نِصْفُ سُبْعٍ انْتَهَى
وَفِيهِ أَيْضًا مَا مَرَّ سَالِفًا ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ لَيْسَ إِلَّا التَّمْثِيلَ وَالتَّفْهِيمَ فَالِاسْتِدْلَالُ لَوْ تَمَّ بِجَمِيعِ تَقَادِيرِهِ لَمْ يَخْرُجْ تَقْدِيرُ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْمِثْلَيْنِ إِلَّا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ
وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مُضِيِّ وَقْتِ الظُّهْرِ وَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْمِثْلِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعِبَارَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِشَارَةِ وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ
الْأَمْرُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ أَيْ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهَا قَالَ بَعْضُ أَعْيَانِ مُتَأَخِّرِي الْمُحَدِّثِينَ فِي بُسْتَانِ الْمُحَدِّثِينَ مَا مُعَرَّبُهُ مَا اسْتَنْبَطَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ مَدْلُولُ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلى العصر ليصح قلة العمل وكثرته وهذا لا يحصل إلا بتأخيرالعصر مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ انْتَهَى ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا مُطَوَّلًا مُحَصَّلُهُ الرَّدُّ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ فِي بَابِ الْمِثْلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا خُلَاصَتَهُ
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْضًا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الْأَكْثَرِيَّةُ لِكُلٍّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِلَّا فَلَا كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ أَنَّهُ إِنْ صَحَّ فَلَيْسَ هُوَ إِلَّا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ وَالْأَحَادِيثُ عَلَى التَّعْجِيلِ بِالْعِبَارَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَصِيرَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْفَاضِلِ اللَّكْنَوِيِّ