«Сахих аль-Бухари». Хадис № 219

57 — باب تَرْكِ النَّبِىِّ — صلى الله عليه وسلم — وَالنَّاسِ الأَعْرَابِىَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِى الْمَسْجِدِ .

57 – Глава: Об оставлении Пророком, да благословит его Аллах и приветствует, и людьми одного бедуина, который помочился в мечети, пока он не закончит

 

 

219 — عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ — صلى الله عليه وسلم — رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: « دَعُوهُ » . حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ .

أطرافه 221 ، 221 م ، 6025 — تحفة 216

219 – Передают со слов Анаса ибн Малика (да будет доволен им Аллах) о том, что однажды Пророк, да благословит его Аллах и приветствует, увидев, что один бедуин мочится в мечети, сказал: «Оставьте его». Когда он закончил, (Пророк, да благословит его Аллах и приветствует,) велел принести воды  и вылить на это место. См. также хадисы №№ 221 и 6025. Этот хадис передал аль-Бухари (219). 

Также этот хадис передали Ахмад (3/110-11, 191), Муслим (285), ат-Тирмизи (148), Ибн Хузайма (293), Ибн Хиббан (1401), Абу аш-Шейх в «Ахлякъу ан-набийй» (стр. 70-71), ат-Тахави в «Шарх Ма’ани аль-асар» (1/13), Абу ‘Авана (1/214), аль-Байхакъи (2/412-413, 413, 428, 10/103), аль-Багъави (500).

__________________________

В версии этого хадиса, которую приводит имам Муслим, сообщается, что Анас ибн Малик (да будет доволен им Аллах) сказал:

«(Однажды), когда мы вместе с Посланником Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, находились в мечети, (туда) явился какой-то бедуин и принялся мочиться. Сподвижники Посланника Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, стали кричать: “Прекрати, прекрати!” — однако Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, велел: “Не останавливайте его, оставьте его” и они дали тому закончить. Потом Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, подозвал (этого бедуина) и сказал ему: “Поистине, эти мечети не подходят ни (для того, чтобы в них) мочиться, ни (для того, чтобы) загрязнять (их как-нибудь иначе)! Они предназначены только для поминания Всемогущего и Великого Аллаха, совершения молитв и чтения Корана”, или же Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, сказал нечто подобное. А потом по его велению кто-то из людей принёс ведро воды и вылил её на (осквернённое место)»[1].


[1] См. «Мухтасар Сахих Муслим» (189).

 

 

 

 

شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر

 

 

( قَولُهُ بَابُ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ الْأَعْرَابِيَّ)
اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ وَاحِدُ الْأَعْرَابِ وَهُمْ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا وَإِنَّمَا تَرَكُوهُ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كَانَ شَرَعَ فِي الْمَفْسَدَةِ فَلَوْ مُنِعَ لَزَادَتْ إِذْ حَصَلَ تَلْوِيثُ جُزْءٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَوْ مُنِعَ لَدَارَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقْطَعَهُ فَيَتَضَرَّرُ وَإِمَّا أَنْ لَا يَقْطَعَهُ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ تَنْجِيسِ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَوَاضِعَ أُخْرَى من الْمَسْجِد

[ قــ :215 … غــ :219] قَوْله همام هُوَ بن يحيى وَإِسْحَاق هُوَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ وَلِمُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَنَسٌ .

     قَوْلُهُ  رَأَى أَعْرَابِيًّا حَكَى أَبُو بَكْرٍ التَّارِيخِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن نَافِع الْمُزنِيّ أَنَّهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَقِيلَ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  فِي الْمَسْجِدِ أَيْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ دَعُوهُ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ بِالتَّرْكِ عَقِبَ زَجْرِ النَّاسِ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَيْ فَتَرَكُوهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ أَيْ فِي دَلْوٍ كَبِيرٍ فَصَبَّهُ أَيْ فَأَمَرَ بِصَبِّهِ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ صَرِيحًا وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِسْحَاقَ فَسَاقَهُ مُطَوَّلًا بِنَحْوٍ مِمَّا شَرَحْنَاهُ وَزَادَ فِيهِ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَنَذْكُرُ فَوَائِدَهُ فِي الْبَابِ الْآتِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى

 

 

شرح الحديث من عمدة القاري

 

 

(بابُُ تَرْكِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالناس الاَعْرابيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِه فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس الْأَعرَابِي الَّذِي قدم الْمَدِينَة وَدخل مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبال فِيهِ، فَلم يتَعَرَّض إِلَيْهِ أحد بِإِشَارَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى فرغ من بَوْله، كَمَا يَأْتِي كل ذَلِك مُفَسرًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

فَقَوله: (وَالنَّاس) ، بِالْجَرِّ عطف على لفظ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ مجرور بِالْإِضَافَة، وَالتَّقْدِير: وتكر الناسِ، وَيجوز: النَّاس، بِالرَّفْع عطفا على الْمحل، لِأَن لفظ التّرْك مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، والأعرابي نِسْبَة إِلَى الْأَعْرَاب لِأَنَّهُ لَا وَاحِد لَهُم، وهم سكان الْبَادِيَة، والعربي نِسْبَة إِلَى الْعَرَب، وهم أهل الْأَمْصَار وَلَيْسَ الْأَعْرَاب جمعا للْعَرَب، وَقد ذكرنَا الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِيمَا تقدم، وَالْألف وَاللَّام فِي: الْأَعرَابِي، وَفِي: الْمَسْجِد، للْعهد الذهْنِي، وَعَن قريب يَأْتِي مَن الْأَعرَابِي مَعَ الْخلال فِيهِ.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبابُُ، وَالْبابُُ الَّذِي قبله هُوَ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على أَن حكم الْبَوْل إِزَالَته، فَذكر فِي الْبابُُ السَّابِق الْغسْل، وَفِي هَذَا الْبابُُ صب المَاء عَلَيْهِ، وَحكمه حكم الْغسْل.

قــ :215 … غــ :219 ]
— حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعيلَ قَالَ حَدثنَا هَمَّامٌ قَالَ أخبرنَا إسْحاقُ عنْ أنَسِ بن مالِكٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأى أعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ دَعُوهُ حَى إِذا فَرَغَ دَعا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة.
الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي الْبَصْرِيّ، مر فِي كتاب الْوَحْي.
الثَّانِي: همام بن يحيى بن دِينَار العوذي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالذال الْمُعْجَمَة: كَانَ ثِقَة ثبتاً فِي كل الْمَشَايِخ، مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة بن سهل الْأنْصَارِيّ، تقدم فِي بابُُ من قعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس.
الرَّابِع: أنس بن مَالك.

بَيَان لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاث مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن عَمْرو بن يُونُس عَن عِكْرِمَة بن عمار الْيَمَانِيّ عَن إِسْحَاق عَن أنس.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن يحيى بن سعيد، قَالَ: سَمِعت أنسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي مُوسَى عَن يحيى بن الْقطَّان، وَعَن يحيى بن يحيى وقتيبة، وَكِلَاهُمَا عَن عبد الْعَزِيز بن عمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سعيد ابْن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفَاتَ الْمزي هَذَا فِي الْأَطْرَاف.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن سُوَيْد بن نصر وَعَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن ابي هُرَيْرَة فِي الطَّهَارَة هَهُنَا، كَمَا يَأْتِي عَن قريب.
وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب عَن ابي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن دُحَيْم عَن عَمْرو بن عبد الْوَاحِد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِهِ نَحوه.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة: (أَن أَعْرَابِيًا دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس، فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمداً، وَلَا ترحم مَعنا أحدا.
فَقَالَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لقد تحجرت وَاسِعًا، ثمَّ لم يلبث أَن بَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فأسرع النَّاس إِلَيْهِ فنهاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ : إِنَّمَا بعثتم ميسرين وَلم تبعثوا معسرين، صبوا عَلَيْهِ سجلاً من مَاء، أَو قَالَ؛ ذنوباً من مَاء) .
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي آخر الطَّهَارَة، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة، وَلم يذكر قصَّة الْبَوْل.
وَأخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث ابي سَلمَة عَن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، وَمن حَدِيث عَليّ ابْن مسْهر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: (دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي ولمحمد) الحَدِيث.
وَأخرج أَبُو دَاوُد هَذِه الْقِصَّة أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن معقل بن المقرن قَالَ: (صلى أَعْرَابِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيهِ:.

     وَقَالَ ، يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فألقوه وأهريقوا على مَكَانَهُ مَاء) .
ثمَّ قَالَ ابو دَاوُد: وَهُوَ مُرْسل ابْن معقل لم يدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد وَضَعفه،.

     وَقَالَ : مُرْسل.
قلت: لم يقل أَبُو دَاوُد: هَذَا ضَعِيف، وَإِنَّمَا قَالَ: مُرْسل، وَهُوَ مُرْسل من طَرِيقين: أَحدهمَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْآخر مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين مسندين أَيْضا: أَحدهمَا: عَن سمْعَان بن مَالك عَن أبي وَائِل عَن عبد الله، قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِي فَبَال فِي الْمَسْجِد، فَأمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بمكانه فاحتفر وصب عَلَيْهِ دلو من مَاء) ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) .
.
وَالثَّانِي: أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء عَن ابْن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد عَن أنس: (أَن أَعْرَابِيًا بَال فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: احفروا مَكَانَهُ ثمَّ صبوا عَلَيْهِ ذنوباً من مَاء) .

بَيَان لغته قَوْله: (فَصَبَّهُ) الصب: السكب، يُقَال: صببت المَاء فانصب أَي سكبته فانسكب وَالْمَاء ينصب من الْجَبَل أَي يتخذر وَيُقَال ماصب وَهُوَ كَقَوْلِك مَا سكب ويروى فصب، بِدُونِ الضَّمِير الْمَفْعُول، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ، على مَا يَأْتِي: (فَلَمَّا قضى بَوْله أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذنوب من مَاء فأهريق عَلَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَأمر رجلا من الْقَوْم فجَاء بِدَلْو فسنه عَلَيْهِ) ، بِالسِّين الْمُهْملَة، ويروى بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ رِوَايَة الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَالْفرق بَينهمَا أَن: السِّين، بِالْمُهْمَلَةِ: الصب الْمُتَّصِل، وبالمعجمة: الصب الْمُنْقَطع.
قَالَه ابْن الاثير: والذنُوب، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة: الدَّلْو الْعَظِيمَة، وَقيل: لَا يُسمى ذنوباً إلاَّ إِذا كَانَ فِيهَا مَاء.
قَوْله: (اهريقوا) أَصله: (أريقوا) من الإراقة، فالهاء زَائِدَة، ويروى: (هريقوا) ، فَتكون الْهَاء بَدَلا من الْهمزَة.

بَيَان إعرابه قَوْله: (رأى) بِمَعْنى: أبْصر، و (أَعْرَابِيًا) مَفْعُوله، وَقَوله: (يَبُول) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة: لأعرابياً، وَالتَّقْدِير: أبْصر أَعْرَابِيًا بائلاً.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي؛ و: يَبُول، إِمَّا صفة وَإِمَّا حَال.
قلت: لَا يَقع الْحَال عَن النكرَة إلاَّ إِذا كَانَ مقدما على ذِي الْحَال، كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.

بَيَان مَعْنَاهُ قَوْله: (دَعوه) اي: اتركوه، وَهُوَ أَمر بِصِيغَة الْجمع من: يدع، تَقول: دع دَعَا دعوا بِضَم الْعين، وَالْعرب أماتت ماضيه إلاَّ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَة شَاذَّة فِي قَوْله تَعَالَى { مَا وَدعك رَبك} (الضُّحَى: 3) بِالتَّخْفِيفِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (لَا تزرموه وَدعوهُ) ، وَهُوَ بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء الْمُهْملَة، يَعْنِي: لَا تقطعوا عَلَيْهِ بَوْله.
يُقَال: أزرم الدمع وَالدَّم: انقطعا، وأزرمته أَنا؛ وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْأَعرَابِي، وَعَن عبد الله بن نَافِع الْمدنِي أَن هَذَا الْأَعرَابِي كَانَ: الْأَقْرَع بن حَابِس، حَكَاهُ أَبُو بكر التاريخي.
وَأخرج أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحَابَة من طَرِيق مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن سُلَيْمَان بن يسَار، قَالَ: اطلع ذُو الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ، وَكَانَ رجلا جَافيا، فَذكر الحَدِيث تَاما بِمَعْنَاهُ وَزِيَادَة، وَلكنه مُرْسل، وَفِي إِسْنَاده أَيْضا مُبْهَم، وَلَكِن فهم مِنْهُ أَن الْأَعرَابِي الْمَذْكُور هُوَ: ذُو الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ، وَلَا يبعد ذَلِك مِنْهُ بجلافته وَقلة أدبه.
قَوْله: (حَتَّى إِذا فرغ من كَلَام أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) اي: حَتَّى إِذا فرغ من بَوْله، وَكلمَة: حَتَّى، للغاية، وَالْمعْنَى: فَتَرَكُوهُ إِلَى أَن فرغ من بَوْله.
قَوْله: (دُعَاء بِمَاء) أَي: دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: طلب مَاء.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ، الْآتِيَة عَن قريب: (فَلَمَّا قضى بَوْله أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذنوب من مَاء فهريق عَلَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَأمر رجلا من الْقَوْم فجَاء بِدَلْو فسنه عَلَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (فَلَمَّا فرغ دَعَا بِدَلْو فصب عَلَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (دَعَا بِدَلْو مَاء فصب عَلَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: (ثمَّ أَمر بسجل من مَاء فأفرغ على بَوْله) .
وَفِي رِوَايَة ابْن صاعد، عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء عَن ابْن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد عَن أنس، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أحفروا مَكَانَهُ ثمَّ صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من مَاء) .
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد عَن عبد الله بن معقل بن مقرن: (خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فالقوه وأهريقوا على مَكَانَهُ مَاء) .

بَيَان استنباط الاحكام من هَذَا الحَدِيث، من جَمِيع أَلْفَاظه وَالرِّوَايَات الْمُخْتَلفَة فِيهِ، وَهُوَ على وُجُوه.
الأول: استنبط الشَّافِعِي مِنْهُ على أَن الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة وصب عَلَيْهَا المَاء تطهر.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَلَا يشْتَرط حفرهَا.
.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ: إِذا أَصَابَت الأَرْض نَجَاسَة فصب عَلَيْهَا من المَاء مَا يغمرها، وتستهلك فِيهَا النَّجَاسَة طهرت بعد نضوب المَاء وَقَبله، فِيهِ وَجْهَان: إِن قُلْنَا: إِن الغسالة طَاهِرَة وَالْعصر لَا يجب فَنعم، وَإِن قُلْنَا: إِنَّهَا نَجِسَة وَالْعصر وَاجِب فَلَا، وعَلى هَذَا فَلَا يتَوَقَّف الحكم بِالطَّهَارَةِ على الْجَفَاف، بل يَكْفِي أَن يفاض المَاء كَالثَّوْبِ المعصر فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْجَفَاف والتصوب كالعصر، وَفِيه وَجه: أَن يكون المَاء المصبوب سَبْعَة أَضْعَاف الْبَوْل، وَوجه آخر: يجب أَن يصب على بَوْل الْوَاحِد ذنُوب، وعَلى بَوْل الْإِثْنَيْنِ ذنوبان، وعَلى هَذَا أبدا.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: إِذا أَصَابَت الأَرْض نَجَاسَة رطبَة.
فَإِن كَانَت الأَرْض رخوة صب عَلَيْهَا المَاء حَتَّى يتسفل فِيهَا، وَإِذا لم يبْق على وَجههَا شَيْء من النَّجَاسَة، وتسفل المَاء، يحكم بطهارتها، وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْعدَد، وَإِنَّمَا هُوَ على اجْتِهَاده.
وَمَا هُوَ فِي غَالب ظَنّه أَنَّهَا طهرت، وَيقوم التسفل فِي الأَرْض مقَام الْعَصْر فِيمَا لَا يحْتَمل الْعَصْر، وعَلى قِيَاس ظَاهر الرِّوَايَة يصب عَلَيْهِ المَاء ثَلَاث مَرَّات، ويتسفل فِي كل مرّة، وَإِن كَانَت الأَرْض صلبة، فَإِن كَانَت صعُودًا يحْفر فِي أَسْفَلهَا حفيرة وَيصب المَاء عَلَيْهَا ثَلَاث مَرَّات، ويتسفل إِلَى الحفيرة، ثمَّ تكبس الحفيرة.
وَإِن كَانَت مستوية بِحَيْثُ لَا يَزُول عَنْهَا المَاء لَا يغسل لعدم الْفَائِدَة فِي الْغسْل، بل تحفر، وَعَن أبي حنيفَة: لَا تطهر الأَرْض حَتَّى تحفر إِلَى الْموضع الَّذِي وصلت إِلَيْهِ النداوة وينقل التُّرَاب، وَدَلِيلنَا على الْحفر الحديثان اللذآن أخرجهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ: أَحدهمَا: عَن عبد الله، وَالْآخر: عَن أنس.
وَقد ذكرناهما عَن قريب.
وَقد ذكرنَا أَيْضا مَا قَالَه الْخطابِيّ، وَذكرنَا جَوَابه أَيْضا.
وروى عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو ابْن دِينَار عَن طَاوس قَالَ: (بَال أَعْرَابِي فِي الْمَسْجِد، فأرادوا أَن يضربوه فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحفروا مَكَانَهُ واطرحوا عَلَيْهِ دلواً من مَاء، علِّموا ويسِّروا وَلَا تعسِّروا) .
وَالْقِيَاس أَيْضا يَقْتَضِي هَذَا الحكم، لِأَن الغسالة نَجِسَة فَلَا يطهر الأَرْض مَا لم تحفر وينقل التُّرَاب.
فَإِن قلت: قد تركْتُم الحَدِيث الصَّحِيح، واستدللتم بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف وبالمرسل.
قلت: قد عَملنَا بِالصَّحِيحِ فِيمَا إِذا كَانَت الأَرْض صلبة، وعملنا بالضعيف على زعمكم لَا على زَعمنَا فِيمَا إِذا كَانَت الأَرْض رخوة، وَالْعَمَل بِالْكُلِّ أولى من الْعَمَل بالبغض وإهمال الْبَعْض.
وَأما الْمُرْسل فَهُوَ مَعْمُول بِهِ عندنَا، وَالَّذِي يتْرك الْعَمَل بالمرسلات يتْرك الْعَمَل باكثر الاحاديث وَفِي اصْطِلَاح الْمُحدثين ان مرسلين صَحِيحَيْنِ اذا عارضا حَدِيثا صَحِيحا مُسْندًا كَانَ الْعَمَل بِالْمُرْسَلين أولى، فَكيف مَعَ عدم الْمُعَارضَة؟
الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ بعض الشَّافِعِيَّة على أَن المَاء مُتَعَيّن فِي إِزَالَة النَّجَاسَة، وَمنعُوا غَيره من الْمَائِعَات المزيلة، وَهَذَا اسْتِدْلَال فَاسد، لِأَن ذكر المَاء هُنَا لَا يدل على نفي غَيره، لِأَن الْوَاجِب هُوَ الْإِزَالَة، وَالْمَاء مزيل بطبعه، فيقاس عَلَيْهِ كل مَا كَانَ مزيلاً لوُجُود الْجَامِع، على أَن هَذَا الِاسْتِدْلَال يشبه مَفْهُوم مُخَالفَة وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة.

الثَّالِث: استدلت بِهِ جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم أَن غسالة النَّجَاسَة الْوَاقِعَة على الأَرْض طَاهِرَة، وَذَلِكَ لِأَن المَاء المصبوب لَا بُد أَن يتدافع عِنْد وُقُوعه على الأَرْض ويصل إِلَى مَحل لم يصبهُ الْبَوْل مِمَّا يجاوره، فلولا أَن الغسالة طَاهِرَة لَكَانَ الصب ناشراً للنَّجَاسَة، وَذَلِكَ خلاف مَقْصُود التَّطْهِير، وَسَوَاء كَانَت النَّجَاسَة على الأَرْض أَو غَيرهَا، لَكِن الْحَنَابِلَة فرقوا بَين الأَرْض وَغَيرهَا، وَيُقَال: إِنَّه رِوَايَة وَاحِدَة عِنْد الشَّافِعِيَّة.
إِن كَانَت على الأَرْض، وَإِن كَانَت غَيرهَا فَوَجْهَانِ.
قلت: رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا بعد صب المَاء عَلَيْهَا لَا تطهر حَتَّى تدلك وتنشف بصوف أَو خرقَة، وَفعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، وَإِن لم يفعل ذَلِك لَكِن صب عَلَيْهَا مَاء كثيرا حَتَّى عرف أَنه أَزَال النَّجَاسَة، وَلم يُوجد فِيهِ لون وَلَا ريح، ثمَّ ترك حَتَّى نشفت كَانَت طَاهِرَة.

الرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ بعض الشَّافِعِيَّة أَن الْعَصْر فِي الثَّوْب المغسول من النَّجَاسَة لَا يجب، وَهَذَا اسْتِدْلَال فَاسد وَقِيَاس بالفارق، لِأَن الثَّوْب ينعصر بالعصر بِخِلَاف الأَرْض.

الْخَامِس: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض أَن الأَرْض إِذا اصابتها نَجَاسَة فجفت بالشمس أَو بالهواء لَا تطهر، وَهِي محكي عَن أبي قلَابَة أَيْضا، وَهَذَا أَيْضا فَاسد، لِأَن ذكر المَاء فِي الحَدِيث لوُجُوب الْمُبَادرَة إِلَى تَطْهِير الْمَسْجِد وَتَركه إِلَى الْجَفَاف تَأْخِير لهَذَا الْوَاجِب، وَإِذا تردد الْحَال بَين الْأَمريْنِ لَا يكون دَلِيلا على أَحدهمَا بِعَيْنِه.

السَّادِس: فِيهِ دَلِيل على وجوب صِيَانة الْمَسَاجِد وتنزيهها عَن الأقذار والنجاسات، أَلاَ ترى إِلَى تَمام الحَدِيث فِي رِوَايَة مُسلم: (ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَاهُ) أَي: الْأَعرَابِي، (فَقَالَ لَهُ: إِن هَذِه الْمَسَاجِد لَا تصلح لشَيْء من هَذَا الْبَوْل، وَلَا القذر، وَإِنَّمَا هِيَ لذكر الله وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن) ؟
السَّابِع: فِيهِ دَلِيل على أَن الْمَسَاجِد لَا يجوز فِيهَا إلاَّ ذكر الله وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن بقوله: (وَإِنَّمَا هِيَ لذكر الله) ، من قصر الْمَوْصُوف على الصّفة، وَلَفظ الذّكر عَام يتَنَاوَل قِرَاءَة الْقُرْآن وَقِرَاءَة الْعلم، وَوعظ النَّاس وَالصَّلَاة أَيْضا عَام، فَيتَنَاوَل الْمَكْتُوبَة والنافلة، وَلَكِن النَّافِلَة فِي الْمنزل أفضل، ثمَّ غير هَذِه الْأَشْيَاء: ككلام الدُّنْيَا والضحك واللبث فِيهِ بِغَيْر نِيَّة الِاعْتِكَاف مشتغلاً بِأَمْر من أُمُور الدُّنْيَا يَنْبَغِي أَن لَا يُبَاح، وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة، وَالصَّحِيح أَن الْجُلُوس فِيهِ لعبادة أَو قِرَاءَة علم أَو درس أَو سَماع موعظة أَو انْتِظَار صَلَاة أَو نَحْو ذَلِك مُسْتَحبّ، ويثاب على ذَلِك، وَإِن لم يكن لشَيْء من ذَلِك كَانَ مُبَاحا، وَتَركه أولى.
واما النّوم فِيهِ فقد نَص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) أَنه يجوز،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: رخص فِي النّوم فِي الْمَسْجِد ابْن المسيت وَالْحسن وَعَطَاء وَالشَّافِعِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: لَا تتخذوه مرقداً.
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: إِن كَانَ ينَام فِيهِ لصَلَاة فَلَا بَأْس.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: يكره النّوم فِي الْمَسْجِد.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَا بَأْس بذلك للغرباء، وَلَا أرى ذَلِك للحاضر.
.

     وَقَالَ  احْمَد: إِن كَانَ مُسَافِرًا أَو شبهه فَلَا بَأْس، وَإِن اتَّخذهُ مقيلاً أَو مبيتاً فَلَا، وَهُوَ قَول إِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  الْيَعْمرِي، وَحجَّة من أجَاز نوم عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَأهل الصّفة، وَالْمَرْأَة صَاحِبَة الوشاح، والعرنية، وثمامة بن أَثَال، وَصَفوَان بن أُميَّة، وَهِي أَخْبَار صِحَاح مَشْهُورَة.
واما الْوضُوء فِيهِ فَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَبَاحَ كل من يحفظ عَنهُ الْعلم الْوضُوء فِي الْمَسْجِد إلاَّ أَن يتَوَضَّأ فِي مَكَان يبله ويتأذى النَّاس بِهِ، فَإِنَّهُ مَكْرُوه.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: هَذَا مَنْقُول عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وطاووس وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك، وَذكر عَن ابْن سِيرِين وَسَحْنُون أَنَّهُمَا كرهاه تَنْزِيها لِلْمَسْجِدِ،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: إِن كَانَ فِيهِ مَوضِع معد للْوُضُوء فَلَا بَأْس، وإلاَّ فَلَا.
وَفِي شرح التِّرْمِذِيّ لليعمري: إِذا اقتصد فِي الْمَسْجِد، فان كَانَ فِي غير الْإِنَاء فَحَرَام، وَإِن كَانَ فِي الْإِنَاء فمكروه، وَإِن بَال فِي الْمَسْجِد فِي إِنَاء فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه حرَام، وَالثَّانِي أَنه مَكْرُوه.
وَيجوز الاستلقاء فِي الْمَسْجِد، وَمد الرجل، وتشبيك الْأَصَابِع للأحاديث الثَّابِتَة فِي ذَلِك.

الثَّامِن: فِيهِ الْمُبَادرَة لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.

التَّاسِع: فِيهِ مبادرة الصَّحَابَة إِلَى الْإِنْكَار بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير مُرَاجعَة لَهُ.
فَإِن قلت: أَلَيْسَ هَذَا من بابُُ التَّقَدُّم بَين يَدي الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: لَا، لِأَن ذَلِك مُقَرر عِنْدهم فِي الشَّرْع من مُقْتَضى الْإِنْكَار، فَأمر الشَّارِع مُتَقَدم على مَا وَقع مِنْهُم فِي ذَلِك، وَإِن لم يكن فِي هَذِه الْوَاقِعَة الْخَاصَّة إِذن فَدلَّ على أَنه لَا يشْتَرط الْإِذْن الْخَاص، ويكتفي بِالْإِذْنِ الْعَام.

الْعَاشِر: فِيهِ دفع أعظم المفسدتين بِاحْتِمَال أيسرهما، وَتَحْصِيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، فَإِن الْبَوْل فِيهِ مفْسدَة، وقطعه على البائل مفْسدَة أعظم مِنْهَا، فَدفع أعظمها بأيسر المفسدتين، وتنزيه الْمَسْجِد عَنهُ مصلحَة وَترك البائل إِلَى الْفَرَاغ مصلحَة أعظم مِنْهَا، فَحصل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما.

الْحَادِي عشر: فِيهِ مُرَاعَاة التَّيْسِير على الْجَاهِل والتألف للقلوب.

الثَّانِي عشر: فِيهِ الْمُبَادرَة إِلَى إِزَالَة الْمَفَاسِد عِنْد زَوَال الْمَانِع، لَان الْأَعرَابِي حِين فرغ أَمر بصب المَاء.

الثَّالِث عشر: فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (أهريقوا عَلَيْهِ سجلاً من مَاء، أَو دلواً من مَاء) اعْتِبَار الْأَدَاء بِاللَّفْظِ، وَإِن كَانَ الْجُمْهُور على عدم اشْتِرَاطه، وَأَن الْمَعْنى كافٍ، وَيحمل: أَو، هَهُنَا على الشَّك، وَلَا معنى للتنويع وَلَا للتَّخْيِير وَلَا للْعَطْف، فَلَو كَانَ الرَّاوِي يرى جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لاقتصر على أَحدهمَا، فَلَمَّا تردد فِي التَّفْرِقَة بَين الدَّلْو والسجل، وهما بِمَعْنى، علم أَن ذَلِك التَّرَدُّد لموافقة اللَّفْظ، قَالَه الْحَافِظ الْقشيرِي، وَلقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا يتم هَذَا أَن لَو اتَّحد الْمَعْنى فِي السّجل والدلو لُغَة، لكنه غير مُتحد، فالسجل: الدَّلْو الضخمة المملوءة، وَلَا يُقَال لَهَا فارغة: سجل.

 

 

 

شرح الحديث من إرشاد الساري

 

 

باب تَرْكِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسِ الأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ
( باب ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) بالجر عطفًا على المضاف إليه أي وترك الناس ( الأعراب) الذي
قدم المدينة ودخل المسجد النبوي وبال فيه فلم يتعرّض له أحد بإشارته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حتى فرغ من بوله في المسجد) النبوي واللام في الأعراب للعهد الذهني والأعرابيّ واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربًا كانوا أو عجمًا.

قــ :215 … غــ : 219 ]
— حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: دَعُوهُ.
حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.
[الحديث 219 — أطرافه في: 221، 6025] .

وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري ولابن عساكر بإسقاط لفظ ابن إسماعيل ( قال حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة المتوفى سنة ثلاث وستين ومائة ( قال: أخبرنا) ولابن عساكر والأصيلي حدّثنا ( إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ( عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه.

( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى) أي أبصر ( أعرابيًا يبول) أي بائلاً ( في المسجد) فزجره الناس ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( دعوه) أي اتركوا الأعرابيّ وهو الأقرع بن حابس فيما حكاه أبو بكر التاريخي أو ذو الخويصرة اليماني فيما نقل عن أبي الحسن بن فارس فتركوه خوفًا من مفسدة تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد أو يقطعه فيتضرر به ( حتى إذا فرغ) أي من بوله كما للأصيلي وهذا كلام أنس وحتى للغاية أي فتركوه إلى أن فرغ منه فلما فرغ ( دعا) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بماء) أي طلبه ( فصبّه عليه) أي أمر بصبه عليه، وللأصيلي فصبّ بحذف ضمير المفعول، واستدل به على أن الأرض إذا تنجست تطهر بصب الماء عليها أي قدر ما يغمرها حتى تستهلك فيه، وقيل إن كانت صلبة بضم الصاد وإسكان اللام يصب عليها من الماء سبعة أمثاله.
ونقل ذلك عن الشافعي رضي الله عنه من غير تقييد بصلابة، قيل: ولعله أخذ من نسبة بول الأعرابيّ في الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى إلى الذنوب المصبوب عليه، وإن كانت الأرض رخوة تحفر إلى ما وصلت إليه النداوة وينقل التراب بناء على أن الغسالة نجسة لحديث أبي داود عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء، وهذا قوله أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم وعن أبي حنيفة رضي الله عنه لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب، وقيل يشترط في تطهير الأرض أن يصب علي بول الواحد ذنوب وعلى بول الاثنين ذنوبان وهكذا، والأظهر هو الأوّل لحديث الباب ولاحقه إذ لم يأمر عليه الصلاة والسلام فيهما بقلع التراب.
وأما الحديث السابق الدال على قلعه فضعيف لأن إسناده غير متصل لأن ابن معقل لم يدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الحديث أيضًا من الفقه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادًا، ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه وبقية ما يستفاد من الحديث تأتي قريبًا إن شاء الله سبحانه وتعالى، ورواته الأربعة ما بين بصري ومدني وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الباب التالي، وفي الأدب ومسلم في الطهارة والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة، والله أعلم.

 

 

 

 

2 Replies to “«Сахих аль-Бухари». Хадис № 219”

  1. snow_998 :

    В сборниках этот хадис находится под 161 (220), объясните (без претензии), пожалуйста, как классифицируются хадисы «Сахих аль-Бухари»? если брать повторяющиеся и неповторяющиеся, то все равно появляются не стыковки. То есть все сортируют как хотят?
    Спасибо за внимание!

    Что касается двух номеров, как в данном случае, то первый номер из Мухтасар Сахих аль-Бухраи, составленный аз-Зубайди. Второй номер, который в скобках, является основным номером Сахиха аль-Бухари. Дело в том, что имамы составители этих сборников не ставили номера перед хадисами и это сделали те, кто жил позже, поэтому и нумерация отличается. И номера в Сахихе аль-Бухари не имеют отношения к повторяющимся хадисам, насколько мне известно.
    ВаЛлаху а’лям!

  2. В сборниках этот хадис находится под 161 (220), объясните (без претензии), пожалуйста, как классифицируются хадисы «Сахих аль-Бухари»? если брать повторяющиеся и неповторяющиеся, то все равно появляются не стыковки. То есть все сортируют как хотят?
    Спасибо за внимание!

Добавить комментарий

Ваш адрес email не будет опубликован. Обязательные поля помечены *

Ваше сообщение в комментах

Давайте проверим, что вы не спамбот *Достигнут лимит времени. Пожалуйста, введите CAPTCHA снова.

Этот сайт использует Akismet для борьбы со спамом. Узнайте, как обрабатываются ваши данные комментариев.