4 — باب التَّوْبَةِ .
قَالَ قَتَادَةُ: ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ .
4 — Глава: Покаяние/тауба/
Къатада (относительно слов Всевышнего Аллаха): «Раскаивайтесь перед Аллахом искренне!» (ат-Тахрим, 66:8), сказал: «Правдиво и проявляя искренность».
6308 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِىِّ — صلى الله عليه وسلم — وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ:
« إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » . فَقَالَ بِهِ هَكَذَا . قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ . ثُمَّ قَالَ: « لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً ، وَبِهِ مَهْلَكَةٌ ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِى . فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ » . تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَجَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ . وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ سَمِعْتُ الْحَارِثَ . وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبُو مُسْلِمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ . وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ .
تحفة 9190 ، 9178 — 84/8
6308 – (Имам аль-Бухари сказал):
– Рассказал нам Ахмад ибн Юнус, (который сказал):
– Рассказал нам Абу Шихаб от аль-А’маша, (передавшего) от ‘Умары ибн ‘Умайра, (передавшего) от аль-Хариса ибн Сувайда, (который сказал):
– Рассказал нам ‘Абдуллах (ибн Мас’уд, да будет доволен им Аллах,) два хадиса, в одном из которых были слова Пророка, да благословит его Аллах и приветствует, а в другом – его собственные слова. Он сказал:
«Поистине, верующий смотрит на свои грехи так, будто он сидит у подножия горы и боится, что она обрушится на него, а нечестивый считает свои грехи чем-то вроде мухи, пролетающей у его носа». И он показал вот так. Абу Шихаб сказал: «Своей рукой над носом».
Затем (Ибн Мас’уд, да будет доволен им Аллах, передал, что Пророк, да благословит его Аллах и приветствует,) сказал:
«Поистине, Аллах радуется покаянию (Своего) раба больше, чем человек, останавливающийся в каком-нибудь опасном месте и имеющий верблюдицу, которая везёт на себе его съестные припасы и воду. Он преклоняет свою голову и засыпает (на какое-то время), а когда просыпается, (видит, что) его верблюдица убежала, (и начинает её искать) до тех пор, пока не начинает страдать от сильной жары, жажды или того, что угодно Аллаху, (а через некоторое время) говорит: “Я вернусь на своё место”, возвращается и (снова ненадолго) засыпает, (а потом просыпается,) поднимает голову (и видит, что) его верблюдица стоит рядом с ним». Этот хадис передал аль-Бухари (6308).
Также этот хадис передали Ахмад (1/383), Муслим (2744), ат-Тирмизи (2497-2498). См. «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (5033).
إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه، وإنَّ الفاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ علَى أنْفِهِ فقالَ به هَكَذا، قالَ أبو شِهابٍ: بيَدِهِ فَوْقَ أنْفِهِ ثُمَّ قالَ: لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6308 | خلاصة حكم المحدث : [أورده في صحيحه وذكر له متابعة وعلق عليه]
وصَف ابنُ مَسعود رَضِيَ الله عنه حالَ المؤمنِ مع ذُنوبِه، وشبَّهه برجلٍ قاعدٍ تحتَ جبلٍ يَخاف أن يَقَعَ عليه؛ ومَن وقَع عليه الجبلُ فلا يُظَنُّ له نجاةٌ، بينما يَنظُر المنافقُ لذنوبه باستخفافٍ، فكأنَّها ذُبابٌ مرَّ على أنفِه فأشار بيدِه فذَهَب الذبابُ ولم يؤثِّرْ عليه، فهو يَرى ذُنوبَه لا تُؤثِّرُ عليه ولا يَقْلَقُ لها.
ثُمَّ ذَكَر رَضِيَ الله عنه ما يُخفِّف على المؤمِنِ خَوْفَه من ذُنوبه، فذَكَر حديثَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «لَلَّهُ» بلام التوكيدِ «أَفْرَحُ» بصِيغة التفضيل «بتوبةِ العبدِ» من مَعصِيَتِه «مِن رَجُلٍ نَزَل منزِلًا»، أي: مكانًا «وبه مَهْلَكَةٌ»، أي: مَظِنَّة الهلاك، وفي روايةٍ: «بِدَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ»، والدَّوِّيَّةُ: هي الأرضُ القَفْرُ والفَلَاةُ الخالِيَة، أي: البَرِّيَّةُ والصَّحْراء الَّتِي لا نباتَ فيها، «ومعه راحِلَتُه»، أي: ما يَركَبُه من الدَّوَابِّ «عليها طعامُه وشرابُه، فوَضَع رأسَه فنام نَوْمةً، فاستَيقظ وقدْ ذهبَتْ راحلتُه، حتَّى اشتدَّ عليه الحرُّ والعَطَش أو ما شاء اللهُ» مِن أنواع البلاءِ الأُخرَى «قال» لنَفسِه بعدَ مُحاولةِ البَحثِ عن الرَّاحلةِ: «أَرجِع إلى مكاني» يعني: الَّذِي نام فيه؛ ينتظِر الموتَ «فرَجَع فنام نَوْمةً، ثُمَّ رفَع رأسَه، فإذا راحلتُه عندَه»، وفي روايةٍ: «فاللهُ أشدُّ فَرَحًا بتوبةِ العَبدِ المؤمنِ من هذا»، أي: مِن فَرَحِ هذا الرجلِ «بِرَاحِلَتِه وزادِه»، وفي روايةٍ أنَّه قال: «اللَّهُمَّ أنت عبدِي وأنا ربُّك، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ، فاللهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من ذلك الرجل».
فمِن رحمةِ الله تعالى أنْ يُيَسِّرَ التوبةَ لِمَن خاف الذُّنوبَ على نفسِه فبادَرَ بالتوبةِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ الفَرحِ للهِ عزَّ وجلَّ، على ما يَليقُ بكمالِه وجلالِه؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
كتاب فتح الباري لابن حجر
(قَوْلُهُ بَابُ التَّوْبَةِ)
أَشَارَ
الْمُصَنِّفُ بِإِيرَادِ هَذَيْنَ الْبَابَيْنِ وَهُمَا الِاسْتِغْفَارُ ثُمَّ التَّوْبَةُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدُّعَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِجَابَةَ تُسْرِعُ إِلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا قَدَّمَ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ قَبْلَ الدُّعَاءِ كَانَ أَمْكَنَ لِإِجَابَتِهِ
وَمَا الطف قَول بن الْجَوْزِيِّ إِذْ سُئِلَ أَأُسَبِّحُ أَوْ أَسْتَغْفِرُ فَقَالَ الثَّوْبُ الْوَسِخُ أَحْوَجُ إِلَى الصَّابُونِ مِنَ الْبَخُورِ وَالِاسْتِغْفَارُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْغُفْرَانِ وَأَصْلُهُ الْغَفْرُ وَهُوَ إِلْبَاسُ الشَّيْءِ مَا يَصُونُهُ عَمَّا يُدَنِّسُهُ وَتَدْنِيسُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَالْغُفْرَانُ مِنَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَنْ يَصُونَهُ عَنِ الْعَذَابِ وَالتَّوْبَةُ تَرْكُ الذَّنْبِ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ وَفِي الشَّرْعِ تَرْكُ الذَّنْبِ لِقُبْحِهِ وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهِ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ وَرَدُّ الْمَظْلِمَةِ إِنْ كَانَتْ أَوْ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مِنْ صَاحِبِهَا وَهِيَ أَبْلَغُ ضُرُوبِ الِاعْتِذَارِ لِأَنَّ الْمُعْتَذِرَ إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَفْعَلُ فَلَا يَقَعُ الْمَوْقِعُ عِنْدَ مَنِ اعْتَذَرَ لَهُ لِقِيَامِ احْتِمَالِ أَنَّهُ فَعَلَ لَا سِيَّمَا إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَنْهُ أَوْ يَقُولَ فَعَلْتُ لِأَجْلِ كَذَا وَيَذْكُرُ شَيْئًا يُقِيمُ عُذْرَهُ وَهُوَ فَوْقَ الْأَوَّلِ أَوْ يَقُولَ فَعَلْتُ وَلَكِنْ أَسَأْتُ وَقَدْ أَقْلَعْتُ وَهَذَا أَعْلَاهُ انْتَهَى مِنْ كَلَامِ الرَّاغِبِ مُلَخَّصًا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِيهَا فَقَائِلٌ يَقُولُ إِنَّهَا النَّدَمُ وَآخَرُ يَقُولُ إِنَّهَا الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَآخَرُ يَقُولُ الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَكْمَلُهَا غَيْرَ أَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ غَيْرُ مَانِعٍ وَلَا جَامِعٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ يَجْمَعُ الثَّلَاثَةَ وَلَا يَكُونُ تَائِبًا شَرْعًا إِذْ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ شُحًّا عَلَى مَالِهِ أَوْ لِئَلَّا يُعَيِّرَهُ النَّاسُ بِهِ وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ وَمَنْ تَرَكَ الذَّنْبَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَكُونُ تَائِبًا اتِّفَاقًا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ زَنَى مَثَلًا ثُمَّ جُبَّ ذَكَرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ غَيْرُ النَّدَمِ عَلَى مَا مَضَى وَأَمَّا الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ قَالَ وَبِهَذَا اغْتَرَّ مَنْ قَالَ إِنَّ النَّدَمَ يَكْفِي فِي حَدِّ التَّوْبَةِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ نَدِمَ وَلَمْ يُقْلِعْ وَعَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ تَائِبًا اتِّفَاقًا قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ هِيَ اخْتِيَارُ تَرْكِ ذَنْبٍ سَبَقَ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا لِأَجْلِ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا أَسَدُّ الْعِبَارَاتِ وَأَجْمَعُهَا لِأَنَّ التَّائِبَ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلذَّنْبِ الَّذِي فَرَغَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ عَيْنِهِ لَا تَرْكًا وَلَا فِعْلًا وَإِنَّمَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مِثْلِهِ حَقِيقَةً وَكَذَا مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَنْبٌ إِنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُ اتِّقَاءُ مَا يُمْكِنُ ان يَقع لاترك مِثْلِ مَا وَقَعَ فَيَكُونُ مُتَّقِيًا لَا تَائِبًا قَالَ وَالْبَاعِثُ عَلَى هَذَا تَنْبِيهٌ إِلَهِيٌّ لِمَنْ أَرَادَ سَعَادَتَهُ لِقُبْحِ الذَّنْبِ وَضَرَرِهِ لِأَنَّهُ سُمٌّ مُهْلِكٌ يُفَوِّتُ عَلَى الْإِنْسَانِ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَحْجُبُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَعَنْ تَقْرِيبِهِ فِي الْآخِرَةِ قَالَ وَمَنْ تَفَقَّدَ نَفْسَهُ وَجَدَهَا مَشْحُونَةً بِهَذَا السُّمِّ فَإِذَا وُفِّقَ انْبَعَثَ مِنْهُ خَوْفُ هُجُومِ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ فَيُبَادِرُ بِطَلَبِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَنْبَعِثُ مِنْهُ النَّدَمُ عَلَى مَا سَبَقَ وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ إِمَّا مِنَ الْكُفْرِ وَإِمَّا مِنَ الذَّنْبِ فَتَوْبَةُ الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَتَوْبَةُ الْعَاصِي مَقْبُولَةٌ بِالْوَعْدِ الصَّادِقِ وَمَعْنَى الْقَبُولِ الْخَلَاصُ مِنْ ضَرَرِ الذُّنُوبِ حَتَّى يَرْجِعَ كَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ ثُمَّ تَوْبَةُ الْعَاصِي إِمَّا مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَإِمَّا مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ مِنْهُ التَّرْكُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ مِنْهُ مَا لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِيهِ بِالتَّرْكِ فَقَطْ بَلْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْقَضَاءَ أَوِ الْكَفَّارَةَ وَحَقُّ غَيْرِ اللَّهِ يَحْتَاجُ إِلَى إِيصَالِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلِ الْخَلَاصُ مِنْ ضَرَرِ ذَلِكَ الذَّنْبِ لَكِنْ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيصَالِ بَعْدَ بَذْلِهِ الْوُسْعَ فِي ذَلِكَ فَعَفْوُ اللَّهِ مَأْمُولٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ التَّبِعَاتِ وَيُبَدِّلُ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ حَكَى غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فِي شُرُوطِ التَّوْبَةِ زِيَادَةٌ فَقَالَ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ وَرَدُّ الْمَظْلِمَةِ وَأَدَاءُ مَا ضَيَّعَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَأَنْ يَعْمِدَ إِلَى الْبَدَنِ الَّذِي رَبَّاهُ بِالسُّحْتِ فَيُذِيبُهُ بِالْهَمِّ وَالْحَزَنِ حَتَّى يَنْشَأَ لَهُ لَحْمٌ طَيِّبٌ وَأَنْ يُذِيقَ نَفْسَهُ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَاقَهَا لَذَّةَ الْمَعْصِيَةِ قُلْتُ وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُكَمِّلَاتٌ وَقَدْ تَمَسَّكَ مَنْ فَسَّرَ التَّوْبَةَ بِالنَّدَمِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجة وَغَيرهمَا من حَدِيث بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَضُّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ فِي التَّوْبَةِ لَا أَنَّهُ التَّوْبَةُ نَفْسُهَا وَمَا يُؤَيّد
اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا لِلَّهِ تَعَالَى وُجُودُ النَّدَمِ عَلَى الْفِعْلِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْإِقْلَاعَ عَنْ أَصْلِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ كَمَنْ قَتَلَ وَلَدَهُ مَثَلًا وَنَدِمَ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ وَكَمَنَ بَذَلَ مَالًا فِي مَعْصِيَةٍ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى نَقْصِ ذَلِكَ الْمَالِ مِمَّا عِنْدَهُ وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَنْ يَرُدَّ تِلْكَ الْمَظْلِمَةَ بِأَنَّ مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَزَنَى بِهَا لَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ إِلَّا بِرَدِّهَا لِمَالِكِهَا وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا لَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ إِلَّا بِتَمْكِينِ نَفْسِهِ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ قُلْتُ وَهَذَا مِنْ جِهَةِ التَّوْبَةِ مِنَ الْغَصْبِ وَمِنْ حَقِّ الْمَقْتُولِ وَاضِحٌ وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَصِحَّ التَّوْبَةُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الزِّنَا وَإِنِ اسْتَمَرَّتِ الْأَمَةُ فِي يَدِهِ وَمِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهِ وَزَادَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ فِي شُرُوطِ التَّوْبَةِ أُمُورًا أُخْرَى مِنْهَا أَنْ يُفَارِقَ مَوْضِعَ الْمَعْصِيَةِ وَأَنْ لَا يَصِلَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَأَنْ لَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَنْ لَا يَعُودَ إِلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَانَ أَنَّ تَوْبَتَهُ بَاطِلَةٌ قُلْتُ وَالْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ دَاخِلَانِ فِي حَدِّ التَّكْلِيفِ وَالرَّابِعُ الْأَخِيرُ عُزِيَ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْآتِي بَعْدَ عِشْرِينَ بَابًا وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي بَابِ فَضْلِ الِاسْتِغْفَارِ وَقَدْ قَالَ الخليمي فِي تَفْسِيرِ التَّوَّابِ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى أَنَّهُ الْعَائِدُ عَلَى عَبْدِهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ كُلَّمَا رَجَعَ لِطَاعَتِهِ وَنَدِمَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَلَا يُحْبِطُ عَنْهُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ خَيْرٍ وَلَا يَحْرِمُهُ مَا وَعَدَ بِهِ الطَّائِعَ مِنَ الْإِحْسَانِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ التَّوَّابُ الَّذِي يَعُودُ إِلَى الْقَبُولِ كُلَّمَا عَادَ الْعَبْدُ إِلَى الذَّنْبِ وَتَابَ قَوْلُهُ وَقَالَ قَتَادَةُ تَوْبَةً نَصُوحًا الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَقِيلَ سُمِّيَتْ نَاصِحَةً لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْصَحُ نَفْسَهُ فِيهَا فَذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْمُبَالَغَةِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ نُصُوحًا بِضَمِّ النُّونِ أَيْ ذَاتَ نُصْحٍ وَقَالَ الرَّاغِبُ النُّصْحُ تَحَرِّي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِيهِ صَلَاحٌ تَقُولُ نَصَحْتُ لَكَ الْوُدَّ أَيْ أَخْلَصْتُهُ وَنَصَحْتُ الْجِلْدَ أَيْ خِطْتُهُ وَالنَّاصِحُ الْخَيَّاطُ وَالنِّصَاحُ الْخَيْطُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَوْبَةً نَصُوحًا مَأْخُوذًا مِنَ الْإِخْلَاصِ أَوْ مِنَ الْإِحْكَامِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْمُفَسِّرُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ قَوْلًا الْأَوَّلُ قَوْلُ عُمَرَ أَنْ يُذْنِبَ الذَّنْبَ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ وَفِي لَفْظٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ أخرجه الطَّبَرِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن بن مَسْعُود مثله وَأخرجه احْمَد مَرْفُوعا واخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ يَنْدَمَ إِذَا أَذْنَبَ فَيَسْتَغْفِرَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا الثَّانِي أَنْ يُبْغِضَ الذَّنْبَ ويستغفر مِنْهُ كلما ذكره أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الثَّالِثُ قَوْلُ قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ قَبْلُ الرَّابِعُ أَنْ يُخْلِصَ فِيهَا الْخَامِسُ أَنْ يَصِيرَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِهَا عَلَى وَجَلٍ السَّادِسُ أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَعَهَا إِلَى تَوْبَةٍ أُخْرَى السَّابِعُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى خَوْفٍ وَرَجَاءٍ وَيُدْمِنَ الطَّاعَةَ الثَّامِنُ مِثْلُهُ وَزَادَ وَأَنْ يُهَاجِرَ مَنْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ التَّاسِعُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ الْعَاشِرُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا بلاقفا كَمَا كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ قَفًا بِلَا وَجْهٍ ثُمَّ سَرَدَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ مِنْ كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَعَانٍ مُجْتَمِعَةٍ تَرْجِعُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ لَا مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[6308] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ هُوَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَاشْتُهِرَ بِذَلِكَ وَأَبُو شِهَابٍ شَيْخُهُ اسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ الْحَنَّاطُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ الصَّغِيرُ وَأَمَّا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ الْكَبِيرُ فَهُوَ فِي طَبَقَةِ شُيُوخِ هَذَا وَاسْمُهُ مُوسَى بْنُ نَافِعٍ وَلَيْسَا أَخَوَيْنِ وَهُمَا كُوفِيَّانِ وَكَذَا بَقِيَّةُ رِجَالِ هَذَا السَّنَدِ قَوْلُهُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَصْرِيحَ الْأَعْمَشِ بِالتَّحْدِيثِ وَتَصْرِيحَ شَيْخِهِ عُمَارَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ الْمُعَلَّقَةِ بَعْدَ هَذَا وَعُمَارَةُ تيمى من بني تيم اللات بن ثَعْلَبَةَ كُوفِيٌّ مِنْ طَبَقَةِ الْأَعْمَشِ وَشَيْخُهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ تَيْمِيٌّ أَيْضًا وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ
أَوَّلُهُمُ الْأَعْمَشُ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَعُمَارَةُ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ وَالْحَارِثُ مِنْ كِبَارِهِمْ قَوْلُهُ حَدِيثَيْنِ أَحَدَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ فَذَكَرَهُ إِلَى قَوْلِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِرَفْعِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالُوا الْمَرْفُوعُ لَلَّهُ أَفْرَحُ إِلَخْ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ بن مَسْعُود وَكَذَا جزم بن بَطَّالٍ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَوْقُوفُ وَالثَّانِيَ هُوَ الْمَرْفُوع وَهُوَ كَذَلِك وَلم يقف بن التِّينِ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَقَالَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَن بن مَسْعُودٍ وَالْآخَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزِدْ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْأَصْلِ شَيْئًا وَأَغْرَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ فَأَفْرَدَ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ مِنَ الْآخَرِ وَعَبَّرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ عَنِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَلَا التَّصْرِيحُ بِرَفْعِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا قَرَأْتُ فِي شَرْحِ مُغْلَطَايْ أَنَّهُ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيق وهاها أَبُو احْمَد الْجِرْجَانِيّ يَعْنِي بن عَدِيٍّ وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَكَذَا وَقَعَ الْبَيَانُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَعَ كَونه لم يسق حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَوْقُوفَ وَلَفْظُهُ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الْحَارِثِ قَالَ دَخَلْتُ على بن مَسْعُودٍ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ مُنَوَّرٌ فَإِذَا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ مَا يُخَالِفُ مَا يُنَوِّرُ بِهِ قَلْبَهُ عَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْجَبَلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ قَدْ يَحْصُلُ التَّسَبُّبُ إِلَى النَّجَاةِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَبَلِ إِذَا سَقَطَ عَلَى الشَّخْصِ لَا يَنْجُو مِنْهُ عَادَةً وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ لِقُوَّةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِهَا وَهَذَا شَأْنُ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ دَائِمُ الْخَوْفِ وَالْمُرَاقَبَةِ يَسْتَصْغِرُ عَمَلَهُ الصَّالح ويخشى من صَغِير عمله السيء قَوْلُهُ وَإنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ عَنْ أَبِي شِهَابٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهَا ذُبَابٌ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ أَيْ ذَنْبُهُ سَهْلٌ عِنْدَهُ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ كَمَا أَنَّ ضَرَرَ الذُّبَابِ عِنْدَهُ سَهْلٌ وَكَذَا دَفْعُهُ عَنْهُ وَالذُّبَابُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ جَمْعُ ذُبَابَةٍ وَهِيَ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ قَوْلُهُ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا أَيْ نَحَّاهُ بِيَدِهِ أَوْ دَفَعَهُ هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ قَالُوا وَهُوَ أَبْلَغُ قَوْلُهُ قَالَ أَبُو شِهَابٍ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ هُوَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِقَوْلِهِ فَقَالَ بِهِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ عُقُوبَتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٌ مِنَ الذَّنْبِ وَلَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْفَاجِرُ قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ فَلِذَلِكَ قَلَّ خَوْفُهُ وَاسْتَهَانَ بِالْمَعْصِيَةِ وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَلْبَ الْفَاجِرِ مُظْلِمٌ فَوُقُوعُ الذَّنْبُ خَفِيفٌ عِنْدَهُ وَلِهَذَا تَجِدُ مَنْ يَقَعُ فِي الْمَعْصِيَةِ إِذَا وُعِظَ يَقُولُ هَذَا سَهْلٌ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ قِلَّةَ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ ذُنُوبَهُ وَخِفَّتَهُ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى فُجُورِهِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَشْبِيهِ ذُنُوبِ الْفَاجِرِ بِالذُّبَابِ كَوْنُ الذُّبَابِ أَخَفَّ الطَّيْرِ وَأَحْقَرَهُ وَهُوَ مِمَّا يُعَايَنُ وَيُدْفَعُ بِأَقَلِّ الْأَشْيَاءِ قَالَ وَفِي ذِكْرِ الْأَنْفِ مُبَالَغَةٌ فِي اعْتِقَادِهِ خِفَّةَ الذَّنْبِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الذُّبَابَ قَلَّمَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْفِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ غَالِبًا الْعَيْنَ قَالَ وَفِي إِشَارَتِهِ بِيَدِهِ تَأْكِيدٌ لِلْخِفَّةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْيَسِيرِ يُدْفَعُ ضَرَرَهُ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ الْمِثْلِ بِمَا يُمْكِنُ وَإِرْشَادٌ إِلَى الحض على محاسبة النَّفس وَاعْتِبَار العلامات الدَّالَّة عَلَى بَقَاءِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ أَنَّ الْفُجُورَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ كَالْإِيمَانِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ وَرَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ وَغَيرهم مِمَّن يكفر بِالذنُوبِ
وَقَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ عَظِيمَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُعَذِّبُ عَلَى الْقَلِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا فِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبِيعِ الْمَذْكُورَةِ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَكَذَا عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِطْلَاقُ الْفَرَحِ فِي حَقِّ اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ رِضَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ أَرْضَى بِالتَّوْبَةِ وَأَقْبَلُ لَهَا وَالْفَرَحُ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ أَي راضون وَقَالَ بن فُورَكَ الْفَرَحُ فِي اللُّغَةِ السُّرُورُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْبَطَرِ وَمِنْهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَعَلَى الرِّضَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يُسَرُّ بِشَيْءٍ وَيَرْضَى بِهِ يُقَالُ فِي حَقِّهِ فَرِحَ بِهِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ كُلُّ صِفَةٍ تَقْتَضِي التَّغَيُّرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِحَقِيقَتِهَا فَإِنْ وَرَدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى مَعْنًى يَلِيقُ بِهِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الشَّيْءِ بِسَبَبِهِ أَوْ ثَمَرَتِهِ الْحَاصِلَةِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ فَرِحَ بِشَيْءٍ جَادَ لِفَاعِلِهِ بِمَا سَأَلَ وَبَذَلَ لَهُ مَا طَلَبَ فَعَبَّرَ عَنْ عَطَاءِ الْبَارِي وَوَاسِعِ كَرَمِهِ بِالْفَرَحِ وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ كَنَّى عَنْ إِحْسَانِ اللَّهِ لِلتَّائِبِ وَتَجَاوُزِهِ عَنْهُ بِالْفَرَحِ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَلِكِ إِذَا فَرِحَ بِفِعْلِ أَحَدٍ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ هَذَا مَثَلٌ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ سُرْعَةِ قَبُولِ اللَّهِ تَوْبَةَ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَأَنَّهُ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِمَغْفِرَتِهِ وَيُعَامِلُهُ مُعَامَلَةَ مَنْ يَفْرَحُ بِعَمَلِهِ وَوَجْهُ هَذَا الْمَثَلِ أَنَّ الْعَاصِيَ حَصَلَ بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ فِي قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ وَأَسْرِهِ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِذَا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَوَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ خَرَجَ مِنْ شُؤْمِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ وَتَخَلَّصَ مِنْ أَسْرِ الشَّيْطَانِ وَمَنَ الْمَهْلَكَةِ الَّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا فَأَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَغْفِرَتِهِ وَبِرَحْمَتِهِ وَإِلَّا فَالْفَرَحُ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ اهْتِزَازٌ وَطَرَبٌ يَجِدُهُ الشَّخْصُ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ ظَفَرِهِ بِغَرَضٍ يَسْتَكْمِلُ بِهِ نُقْصَانَهُ وَيَسُدُّ بِهِ خُلَّتَهُ أَوْ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا أَوْ نَقْصًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْكَامِلُ بِذَاتِهِ الْغَنِيُّ بِوُجُودِهِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ وَلَا قُصُورٌ لَكِنَّ هَذَا الْفَرَحَ لَهُ عِنْدَنَا ثَمَرَةٌ وَفَائِدَةٌ وَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَفْرُوحِ بِهِ وَإِحْلَالُهُ الْمَحَلَّ الْأَعْلَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَعَبَّرَ عَنْ ثَمَرَةِ الْفَرَحِ بِالْفَرَحِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَوْ كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ وَهَذَا الْقَانُونُ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ وَكَذَا مَا ثَبَتَ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ وَبِهِ مَهْلَكَةٌ كَذَا فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ خَفِيفَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَاءِ ضَمِيرٍ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي شِهَابٍ بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِدَوِّيَةٍ بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَدَالٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ ثَقِيلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءِ تَأْنِيثٍ وَكَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ خَارِجَ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْبُخَارِيِّ وَبِيئَةٍ وَزْنَ فَعِيلَةٍ مِنَ الْوَبَاءِ وَلَمْ أَقِفْ أَنَا عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ الْمُذَكَّرِ وَهُوَ الْمَنْزِلُ بِصِفَةِ الْمُؤَنَّثِ فِي قَوْلِهِ وَبِيئَةٍ مَهْلَكَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى إِرَادَةِ الْبُقْعَةِ وَالدَّوِّيَّةُ هِيَ الْقَفْرُ وَالْمَفَازَةُ وَهِيَ الدَّاوِيَّةُ بِإِشْبَاعِ الدَّالِ وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَجَمْعُهَا دَاوِيٌّ قَالَ الشَّاعِرُ أَرْوَعُ خَرَاجٍ مِنَ الدَّاوِيِّ قَوْلُهُ مَهْلَكَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ يَهْلِكُ مَنْ حَصَلَ بِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ أَيْ تُهْلِكُ هِيَ مَنْ يَحْصُلُ بِهَا قَوْلُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَا يُصْلِحُهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ وَقَدْ ذَهَبَتْ
رَاحِلَتُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَطَلَبَهَا قَوْلُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ شَكٌّ مِنْ أَبِي شِهَابٍ وَاقْتَصَرَ جَرِيرٌ عَلَى ذِكْرِ الْعَطَشِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَوْلُهُ قَالَ أَرْجِعُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ بِلَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ قَوْلُهُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ وَفِي رِوَايَةِ أبي مُعَاوِيَة ارْجع إِلَى مَكَاني الَّذِي اضللنها فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ قَوْلُهُ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ قَوْلُهُ تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ هُوَ الْوَضَّاحُ وَجَرِيرٌ هُوَ بن عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَأَمَّا مُتَابَعَةُ أَبِي عَوَانَةَ فَوَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْهُ وَأَمَّا مُتَابَعَةُ جَرِيرٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ لَفْظِهَا قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدثنَا عمَارَة حَدثنَا الْحَارِث يَعْنِي عَن بن مَسْعُودٍ بِالْحَدِيثَيْنِ وَمُرَادُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ وَافَقُوا أَبَا شِهَابٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ عَنْعَنَاهُ وَصَرَّحَ فِيهِ أَبُو أُسَامَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي أُسَامَةَ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا وَقَالَ مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ قَوْلُهُ وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبُو مُسْلِمٍ زَادَ الْمُسْتَمْلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنَ الْفَرَبْرِيِّ اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ أَيْ بِالتَّصْغِيرِ كُوفِيٌّ قَائِدٌ الْأَعْمَشُ قُلْتُ وَاسْمُ أَبِيهِ سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ كُوفِيٌّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمَّا وَافَقَهُ شُعْبَةُ تَرَخَّصَ الْبُخَارِيُّ فِي ذِكْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَيُنْظَرُ فِيهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ شُعْبَةَ وَأَبَا مُسْلِمٍ خَالَفَا أَبَا شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَسْمِيَةِ شَيْخِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ الْأَوَّلُونَ عُمَارَةُ وَقَالَ هَذَانِ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ وَشُجَاعَ بْنَ الْوَلِيدِ وَقُطْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَافَقُوا أَبَا شِهَابٍ عَلَى قَوْلِهِ عُمَارَةُ عَنِ الْحَارِثِ ثُمَّ سَاقَ رِوَايَاتِهِمْ وَطَرِيقُ قُطْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ خَالَفَ الْجَمِيعَ فَجَعَلَ الْحَدِيثَ عِنْدَ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ جَمِيعًا لَكِنَّهُ عِنْدَ عُمَارَةَ عَن الْأسود وَهُوَ بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ وَعِنْدَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَأَبُو شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ جَعَلُوهُ عِنْدَ عُمَارَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَرِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هَمَّامٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَمَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ وَلَمْ أَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَإِنَّمَا وَجَدْتُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ وَفِي الْجُمْلَةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُمَارَةَ فِي شَيْخِهِ هَلْ هُوَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ أَوِ الْأَسْوَدُ وَتَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَاخْتُلِفَ عَلَى الْأَعْمَشِ فِي شَيْخِهِ هَلْ هُوَ عُمَارَةُ أَوْ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَالرَّاجِحُ مِنَ الِاخْتِلَافِ كُلِّهِ مَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ وَصَدَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ كَلَامَهُ فَأَخْرَجَهُ مَوْصُولًا وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ مُعَلَّقًا كَعَادَتِهِ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْخِلَافِ لَيْسَ بِقَادِحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيه ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ لِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ سَبَبًا وَأَوَّلُهُ كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ بِأَرْضٍ
قَفْرٍ لَيْسَ بِهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَعَلَيْهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ فَذكر مَعْنَاهُ وَأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا ذَكَرُوا الْفَرَحَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرَّجُلُ يَجِدُ ضَالَّتَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا الْحَدِيثَ