Хадис:
«Тот, кто обучает людей благому, забывая о себе…»
Передают со слов Абу Барзы и Джундуба, да будет доволен Аллах ими обоими, что Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, сказал:
«Тот, кто обучает людей благому, забывая о себе, подобен фитилю лампы, который дает людям свет, сжигая себя».
Этот хадис передал ат-Табарани в «аль-Му’джам аль-Кабир» (1685).
Хадис достоверный. См. «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (5837).
شرح الحديث
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدَ النَّاسَ إلى ما فيه خَيرُهم في الدُّنيا والآخرةِ، ويُحذِّرُهم مِن كلِّ ما يَضُرُّهم ويُؤدِّي بهم إلى النَّارِ.
وهذا المتْنُ جُزْءٌ مِن حديثٍ له قِصَّةٌ؛ فيُخبِرُ التَّابعيُّ أبو تَميمةَ طَريفُ بنُ مُجالِدٍ عن جُنْدبِ بْنِ عبدِ اللهِ الأزديِّ صاحبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «انطلقْتُ أنا وهو» مُتوجِّهينِ ومُسافرينِ، «إلى البصرةِ»، وهي مَدينةٌ في جَنوبِ العِراقِ، أسَّسها عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه على الضِّفَّةِ الغَربيَّةِ لِشَطِّ العَرَبِ، «حتى أتَيْنا مَكانًا يُقالُ له: بَيتُ المسكينِ»، وهو مَكانٌ يأْوي إليه الفُقراءُ والمُحتاجون، «وهو مِن البَصرةِ»، أي: إنَّ بيتَ المسْكينِ يقَعُ خارجَ البصرةِ، «مِثلُ الثَّوِيةِ مِن الكوفةِ»، وكانتِ الثَّوِيةُ تَلَّةً يَدفِنُ فيها أهلُ الكوفةِ، وهي على بُعدِ مِيلينِ منها، وتقَعُ الآنَ في مَدينةِ النَّجَفِ بالعراقِ، «فقال: هل كنتَ تُدارِسُ أحدًا القُرآنَ؟» تَقْرؤونه وتَتدبَّرونه معًا، «قلتُ: نعمْ، قال: فإذا أتَينا البصرةَ فأْتِني بهمْ، فأتَيْتُه بصالحِ بنِ مُسَرَّحٍ وبأبي بلالٍ ونَجْدةَ، ونافعَ بنَ الأزرقِ، وهمْ في نَفْسي يَومئذٍ مِن أفاضِلِ أهْلِ البصرةِ» عِلْمًا ووَرَعًا، «فأنْشَأَ»، أي: فبَدَأَ جُندبُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه، «يُحدِّثني عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال جُندبٌ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَثَلُ العالِمِ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ»، أي: يَهْدِيهم في دِينِهم ودُنْياهم بتَعليمِهم الشَّريعةَ، وهو عِلْمُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، «ويَنْسى نَفْسَه» يُهْمِلُها ولا يَحمِلُها على العَمَلِ بِما عَلِمَت، «كمَثَلِ السِّراجِ»، أي: المصباحِ، «يُضِيءُ لِلنَّاسِ» فيَنتفِعُ الناسُ بضَوءِ هذا المصباحِ في اللَّيلِ والظَّلامِ، وهو حالُ مَن يَهْتدي النَّاسُ بعِلْمِه عن الضَّلالِ والانحرافِ، «ويُحرِقُ نَفْسَه»، والمعنى: أنَّ هذا السِّراجَ والمصباحَ لا يَنتفِعُ بشَيءٍ ممَّا يُفِيدُ به الناسَ، بلْ إنَّ الضَّررَ الواقعَ عليه أشدُّ، وهو تَصويرٌ لِمَن يَأمُرُ ويُوجِّهُ الناسَ بعِلمٍ لا يَعمَلُ هو به؛ فالجزاءُ والوعيدُ واقعٌ عليه، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا يَحُولَنَّ بيْن أحَدِكم وبيْن الجنَّةِ» فيُحْرَمَ مِن دُخولِها، «وهو يَنظُرُ إلى أبْوابِها»، أي: مع شِدَّةِ قُرْبِه منها، «مِلْءُ كَفِّ دَمِ مُسلمٍ أهْراقَهُ ظُلْمًا»، بقَتْلِه نفْسًا مُسلمةً مَعصومةً، وبدونِ وَجهِ حَقٍّ، قال أبو تَميمةَ: «فتَكلَّمَ القومُ فذَكَروا الأمْرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكَرِ»، والمعنى: أنَّ مِن الأشياءِ التي تَكلَّموا فيها أهمِّيَّةَ العمَلِ بالأمْرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ، «وهو ساكتٌ يَستمِعُ منهم، ثمَّ قال: لمْ أَرَ كاليومِ قطُّ قَومًا أحقَّ بالنَّجاةِ إنْ كانوا صادِقينَ»، بمعنى: أنَّهم لو صَدَقوا في حِرْصِهم على عَمَلِ الطَّاعاتِ والنَّهيِ عن المنكَرِ، لَكانوا أَولى الناسِ بالبُعدِ عن النارِ يومَ القيامةِ، وكأنَّ جُندبَ بنَ عبدِ الله رضِيَ اللهُ عنه استَشْعَرَ ما عِندَهم مِن الجهلِ والكذِبِ، وما سيَفْعَلونه في مُستقبَلِ أيَّامِهم، وقد صدَقَ حَدْسُه؛ فقد كان هؤلاء مِن رُؤوسِ الخوارجِ .