8 – باب مَا جَاءَ فِى صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ .
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : مُطَهَّرَةٌ مِنَ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُزَاقِ . ( كُلَّمَا رُزِقُوا ) أُتُوا بِشَىْءٍ ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ ( قَالُوا هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ) أُتِينَا مِنْ قَبْلُ ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَيَخْتَلِفُ فِى الطُّعُومِ ( قُطُوفُهَا ) يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا دَانِيَةٌ قَرِيبَةٌ . الأَرَائِكُ السُّرُرُ . وَقَالَ الْحَسَنُ النَّضْرَةُ فِى الْوُجُوهِ وَالسُّرُورُ فِى الْقَلْبِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ ( سَلْسَبِيلاً ) حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ . ( غَوْلٌ ) وَجَعُ الْبَطْنِ ( يُنْزَفُونَ ) لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( دِهَاقًا ) مُمْتَلِئًا ( كَوَاعِبَ ) نَوَاهِدَ . الرَّحِيقُ الْخَمْرُ . التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ( خِتَامُهُ ) طِينُهُ ( مِسْكٌ ) ( نَضَّاخَتَانِ ) فَيَّاضَتَانِ . يُقَالُ مَوْضُونَةٌ مَنْسُوجَةٌ ، مِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ . وَالْكُوبُ مَا لاَ أُذُنَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ . وَالأَبَارِيقُ ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَا . ( عُرُبًا ) مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا عَرُوبٌ ، مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ الْعَرِبَةَ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الْغَنِجَةَ ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ
( رَوْحٌ ) جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ ، ( وَالرَّيْحَانُ ) الرِّزْقُ ، وَالْمَنْضُودُ الْمَوْزُ ، وَالْمَخْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلاً وَيُقَالُ أَيْضًا لاَ شَوْكَ لَهُ ، وَالْعُرُبُ الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ . وَيُقَالُ مَسْكُوبٌ جَارٍ ، وَ ( فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ . ( لَغْوًا ) بَاطِلاً .
( تَأْثِيمًا ) كَذِبًا . أَفْنَانٌ أَغْصَانٌ ( وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ) مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ . ( مُدْهَامَّتَانِ ) سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّىِّ . 142/4
8 – Глава: О том, что было сказано о качествах Рая, и о том, что он уже сотворён
3240 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ — رضى الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ — صلى الله عليه وسلم:
« إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ » .
طرفاه 1379 ، 6515 تحفة 8292
3240 – Сообщается, что ‘Абдуллах ибн ‘Умар, да будет доволен Аллах ими обоими, сказал:
«Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, сказал: “После того как любой из вас умрёт, станут показывать ему его место по утрам и вечерам, и если будет он одним из обитателей Рая, (показывать ему станут одно из мест) обитателей Рая, если же будет он одним из обитателей (адского) Огня, (показывать ему станут одно из мест) обитателей Огня”». См. также хадисы №№ 1379 и 6515. Этот хадис передал аль-Бухари (3240).
Также этот хадис передали Ахмад (2/16, 50, 59, 113, 123), Муслим (2866), ат-Тирмизи (1072), ан-Насаи (4/107) и в «Сунан аль-Кубра» (2198), Ибн Маджах (4270), Ибн Хиббан (3130), Ибн Аби Шейба (13/237), ‘Абду-р-Раззакъ (6745), ‘Абд бин Хумайд (730), Ибн Джарир ат-Табари в «Муснад ‘Умар» (2/597), Ханнад в «аз-Зухд» (364, 365), ат-Таялиси (1832), Абу Я’ля (5830), аль-Байхакъи в «Исбату ‘азабиль-къабр» (49), ат-Табарани в «аль-Му’джам ас-Сагъир» (930), аль-Хатыб в «Тариху Багъдад» (8/48-49). См. «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (792).
شرح الحديث
القبُر هو أوَّلُ مَنازلِ الآخرةِ، فإنْ كان العبدُ صالحًا طائعًا، فإنَّه يكونُ القبرُ أوَّلَ منازلِه إلى الجنَّةِ، وإنْ كان غيرَ ذلك كان أوَّلَ مَنازِلِه مِنَ النَّارِ، فهو إمَّا روضةٌ مِن رياضِ الجنَّةِ أو حُفرةٌ مِن حُفَرِ النَّارِ، أعاذَنا اللهُ منها، وفي هذا الحديثِ يُخْبرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ العبدَ إذا ماتَ عُرِضَ عليه مقعدُه بالغَداةِ والعَشيِّ، يعني: يُعرضُ عليه مقعدُه في الآخرةِ بِالصَّباحِ والمساءِ، فإنْ كان مِن أهلِ الجنَّةِ فَيَرى مقعدَه ومكانَه الَّذي أُعِدَّ له في الجنَّةِ، وإنْ كان مِن أهلِ النَّارِ رأى مقعدَه الَّذي يَنتظِرُه فيها، حتَّى يَبعثَ اللهُ الخلائقَ يومَ القيامةِ.
شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر
( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ)
أَيْ مَوْجُودَةٌ الْآنَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهَا لَا تُوجَدُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً دَالَّةً عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ فَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِكَوْنِهَا مَوْجُودَةً الْآنَ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَتِهَا وَأَصْرَحُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا الْحَدِيثَ .
قَوْلُهُ وقَال أَبُو الْعَالِيَةِ مُطَهَّرَةٌ مِنَ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُصَاقِ كُلَّمَا رزقوا مِنْهَا الخ وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ مُفَرَّقًا دُونَ أَوَّلِهِ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ وَزَادَ وَمِنَ الْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ لَكِنْ قَالَ مِنَ الْأَذَى وَالْإِثْمِ وَرَوَى هَذَا عَنْ قَتَادَةَ مَوْصُولًا قَالَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَأَتَمَّ مِنْهُ وَرَوَى بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ يَطُوفُ الْوِلْدَانُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالْفَوَاكِهِ فَيَأْكُلُونَهَا ثُمَّ يُؤْتَوْنَ بِمِثْلِهَا فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَذَا الَّذِي أَتَيْتُمُونَا بِهِ آنِفًا فَيَقُولُونَ لَهُمْ كُلُوا فَإِنَّ اللَّوْنَ وَاحِدٌ وَالطَّعْمَ مُخْتَلِفٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ هُنَا مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا وَالطَّبَرِيُّ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ بِأَسَانِيدِهِ قَالَ أُتُوا بِالثَّمَرَةِ فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهَا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا وَرَجَّحَ هَذَا الطَّبَرِيُّ مِنْ جِهَةِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا رُزِقُوهُ قَالَ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَوَّلُ رِزْقٍ رُزِقُوهُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ لَا يَكُونَ قَبْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا .
قَوْلُهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَخْتَلِفُ فِي الطَّعْمِ هُوَ كَقَوْلِ بن عَبَّاسٍ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ مَعْنَى قَوْلِهِ مُتَشَابِهًا أَيْ خِيَارًا لَا رَدَاءَةَ فِيهِ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ أُتِينَا وَلِغَيْرِهِ أُوتِينَا وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ بن التِّينِ هُوَ مِنْ أُوتِيتُهُ بِمَعْنَى أُعْطِيتُهُ وَلَيْسَ مِنْ أَتَيْتُهُ بِالْقَصْرِ بِمَعْنَى جِئْتُهُ .
قَوْلُهُ قُطُوفُهَا يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا دَانِيَةً قَرِيبَةً أَمَّا .
قَوْلُهُ يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا فَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ فِي قَوْلِهِ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ قَالَ يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ دَانِيَةً قريبَة فَرَوَاهُ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ أَيْضًا وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ دَنَتْ فَلَا يَرُدُّ أَيْدِيَهُمْ عَنْهَا بُعْدٌ وَلَا شَوْكٌ .
قَوْلُهُ الْأَرَائِكُ السُّرُرُ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنٍ عَن مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الْأَرَائِكُ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ بن عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ جَمِيعًا أَنَّ الْأَرِيكَةَ هِيَ الْحَجْلَةُ عَلَى السَّرِيرِ وَعَنْ ثَعْلَبٍ الْأَرِيكَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا سَرِيرًا مُتَّخَذًا فِي قُبَّةٍ عَلَيْهِ شَوَارِهُ .
قَوْلُهُ وقَال الْحَسْنُ النَّضْرَةُ فِي الْوَجْهِ وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ولقاهم نَضرة وسرورا فَذَكَرَهُ .
قَوْلُهُ وقَال مُجَاهِدٌ سَلْسَبِيلًا حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَحَدِيدَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْضًا أَيْ قَوِيَّةُ الْجِرْيَةِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ الْقَابِسِيَّ رَوَاهَا حَرِيدَةُ بِرَاءٍ بَدَلَ الدَّالِ الْأُولَى وَفَسَّرَهَا بِلَيِّنَةٍ قَالَ وَالَّذِي قَالَهُ لَا يُعْرَفُ وَإِنَّمَا فَسَرُّوا السَّلْسَبِيلَ بِالسَّهْلَةِ اللَّيِّنَةِ الْجِرْيَةِ.
قُلْتُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى تَفْسِيرِ قَتَادَةَ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عينا فِيهَا تسمى سلسبيلا قَالَ سلسة لَهُمْ يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا وَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ تَجْرِي شِبْهَ السَّيْلِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْأَصِيلِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ قُوَّةَ الْجَرْيِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ بَلْ أَرَادَ مُجَاهِدٌ صِفَةَ جَرْيِ الْعَيْنِ وَأَرَادَ قَتَادَةُ صِفَةَ الْمَاءِ وروى بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ السَّلْسَبِيلُ اسْمُ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَلَكِنِ اسْتُبْعِدَ لِوُقُوعِ الصَّرْفِ فِيهِ وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَلَامٌ مَفْصُولٌ مِنْ فِعْلِ أَمْرٍ وَاسْمِ مَفْعُولٍ .
قَوْلُهُ غَوْلٌ وَجَعُ الْبَطْنِ يُنْزَفُونَ لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هم عَنْهَا ينزفون فَذكره قَوْله.
وَقَالَ بن عَبَّاسٍ دِهَاقًا مُمْتَلِئَةً وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ قَالَ الْكَأْسُ الدِّهَاقُ الْمُمْتَلِئَةُ الْمُتَتَابِعَةُ وَسَيَأْتِي فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ وَجه آخر قَوْله كواعب نواهد وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَوَاعِبَ أَتْرَابًا قَالَ نَوَاهِدُ انْتَهَى وَهُوَ جَمْعُ نَاهِدٍ وَالنَّاهِدُ هِيَ الَّتِي بَدَا نَهْدُهَا .
قَوْلُهُ الرَّحِيقُ الْخَمْرُ وَصَلَهُ بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى رحيق مختوم قَالَ الْخَمْرُ خُتِمَ بِالْمِسْكِ وَقِيلَ الرَّحِيقُ هُوَ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .
قَوْلُهُ التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ صِرْفٌ لِلْمُقَرَّبِينَ وَيُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ .
قَوْلُهُ ختامه طينه مسك وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ختامه مسك قَالَ طينه مسك قَالَ بن الْقَيِّمِ فِي حَادِي الْأَرْوَاحِ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ وَالْمُرَادُ مَا يَبْقَى آخِرَ الْإِنَاءِ مِنَ الدُّرْدِيِّ مَثَلًا قَالَ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ مَعْنَاهُ آخِرَ شُرْبِهِمْ يُخْتَمُ بِرَائِحَةِ الْمِسْكِ.
قُلْتُ هَذَا أَخْرَجَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ فِي قَوْلِهِ خِتَامُهُ مِسْكٌ قَالَ هُوَ شَرَابٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الْفِضَّةِ يَخْتِمُونَ بِهِ آخِرَ شَرَابِهِمْ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ خِتَامُهُ آخِرُ طعمه قَوْله نضاختان فياضتان وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ .
قَوْلُهُ يُقَالُ مَوْضُونَةٌ مَنْسُوجَةٌ مِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ قَالَ فِي قَوْلِهِ موضونة أَي منسوجة وَإِنَّمَا سَمِعت الْعَرَبُ وَضِينَ النَّاقَةِ وَضِينًا لِأَنَّهُ مَنْسُوجٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ فِي قَوْلِهِ عَلَى سرر موضونة يُقَالُ مُتَدَاخِلَةٌ كَمَا يُوصَلُ حَلَقُ الدِّرْعِ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ مُضَاعَفَةً قَالَ وَالْوَضِينُ الْبِطَانُ إِذَا نُسِجَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ مُضَاعَفًا وَهُوَ وَضِينٌ فِي مَوضِع موضون وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ مَوْضُونَةٍ قَالَ التَّوْضِينُ التَّشْبِيكُ وَالنَّسْجُ يَقُولُ وَسَطُهَا مُشَبَّكٌ مَنْسُوجٌ وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ مَوْضُونَةٍ قَالَ مُشَبَّكَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ .
قَوْلُهُ وَالْكُوبُ مَا لَا أُذُنَ لَهُ وَلَا عُرْوَةَ وَالْأَبَارِيقُ ذَوَاتُ الْآذَانِ وَالْعُرَى هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ سَوَاءٌ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ الْكُوبُ الَّذِي دُونَ الْإِبْرِيقِ لَيْسَ لَهُ عُرْوَةٌ .
قَوْلُهُ عُرُبًا مُثَقَّلَةٌ أَيْ مَضْمُومَةُ الرَّاءِ وَاحِدُهَا عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ أَيْ عَلَى وَزْنِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَحَكَى عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ كُنْتُ أَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ عُرْبًا بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ كَالرُّسُلِ وَالرُّسْلِ بِالتَّخْفِيفِ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ وَبَكْرٍ قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْوَجْهُ التَّثْقِيلُ لِأَنَّ كُلَّ فَعُولٍ أَوْ فَعِيلٍ أَوْ فِعَالٍ جُمِعَ عَلَى هَذَا الْمِثَال فَهُوَ مثقل مذكرا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا.
قُلْتُ مُرَادُهُمْ بِالتَّثْقِيلِ الضَّمُّ وَبِالتَّخْفِيفِ الْإِسْكَانُ .
قَوْلُهُ يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ الْعَرِبَةُ إِلَخْ جزم الْفراء بِأَنَّهَا الغنجة وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ بُرَيْدَةَ قَالَ هِيَ الشَّكِلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَغْنُوجَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ مَكَّةَ للفاكهي وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ هِيَ الْحَسَنَةُ الْكَلَامِ وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا الْعُرُبُ كَلَامُهُنَّ عَرَبِيٌّ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْقَطِعٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ تَمِيمِ بْنِ حِذَامٍ فِي قَوْلِهِ عُرُبًا قَالَ الْعَرِبَةُ الْحَسَنَةُ التَّبَعُّلِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَسَنَةُ التَّبَعُّلِ إِنَّهَا لَعَرِبَةٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْمَكِّيِّ قَالَ الْعَرِبَةُ الَّتِي تَشْتَهِي زَوْجَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِلنَّاقَةِ إِنَّهَا لَعَرِبَةٌ .
قَوْلُهُ وقَال مُجَاهِدٌ رَوْحٌ جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَروح وَرَيْحَان قَالَ الْفرْيَابِيّ حَدثنَا وَرْقَاء عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ فَرَوْحٌ قَالَ جَنَّةٌ وَرَيْحَانٌ قَالَ رِزْقٌ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ عَنْ وَرْقَاءَ بِسَنَدِهِ بِلَفْظ فَروح وَرَيْحَان قَالَ الرَّوْحُ جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ وَالرَّيْحَانُ رِزْقٌ .
قَوْلُهُ وَالْمَنْضُودُ الْمَوْزُ وَالْمَخْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلًا وَيُقَالُ أَيْضًا الَّذِي لَا شَوْكَ لَهُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله وطلح منضود قَالَ الْمَوْزُ الْمُتَرَاكِمُ وَالسِّدْرُ الْمَخْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلًا وَيُقَالُ أَيْضًا الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْجَبُونَ بِوَجٍّ وَظِلَالِهِ مِنْ طَلْحٍ وَسِدْرٍ.
قُلْتُ وَجٌّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ بِالطَّائِفِ وَكَأَنَّ عِيَاضًا لَمْ يَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فَزَعَمَ فِي أَوَاخِرِ الْمَشَارِقِ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ تَخْلِيطٌ قَالَ وَالصَّوَابُ وَالطَّلْحُ الْمَوْزُ وَالْمَنْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلًا الَّذِي نَضَدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ كَثْرَةِ حَمْلِهِ كَذَا قَالَ وَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَسَانِيدِهِ إِلَيْهِمْ فَنَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَسَعِيد بن جُبَير وَنقل الثَّانِي عَن بن عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَقَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ وَكَأَنَّ عِيَاضًا اسْتَبْعَدَ تَفْسِيرَ الْخَضَدِ بِالثِّقَلِ لِأَنَّ الْخَضَدَ فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ وَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَيْضًا أَنَّ الْخَضَدَ التَّثَنِّي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَيْ أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ حَمْلِهِ انْثَنَى.
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ اتِّفَاقَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّلْحِ الْمَنْضُودِ الْمَوْزُ وَأَسْنَدَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا وَالطَّلْعِ بِالْعَيْنِ قَالَ فَقِيلَ لَهُ أَفَلَا تُغَيِّرُهَا قَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُهَاجُ الْيَوْمَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ فَسَادُ الِاعْتِرَاضِ وَأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الصَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ وَالْعُرُبُ الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْفِرْيَابِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْعُرُبُ الْعَوَاشِقُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ نَحْوَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا .
قَوْلُهُ مَسْكُوبٌ جَارٍ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَقَوله وفرش مَرْفُوعَة بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَصَلَهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ الْمَرْفُوعَةُ الْعَالِيَةُ تَقُولُ بِنَاءٌ مُرْتَفِعٌ أَيْ عَال وروى بن حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي قَوْلِهِ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قَالَ ارْتِفَاعُهَا مَسِيرَةُ خَمْسمِائَةِ عَامٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُرُشَ الدَّرَجَةُ وَهَذَا الْقَدْرُ ارْتِفَاعٌ قَالَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بالفرش المرفوعة النِّسَاء المرتفعات الْقدر لحسنهن وَجَمَالِهِنَّ .
قَوْلُهُ لَغْوًا بَاطِلًا تَأْثِيمًا كَذِبًا يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تأثيما وَقَدْ وَصَلَهُ أَيْضًا الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ كَذَلِكَ .
قَوْلُهُ أَفْنَانٍ أَغْصَانٍ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى ذواتا أفنان وَقَوله وجنى الجنتين دَان مَا يُجْتَنَى مِنْ قَرِيبٍ وَصَلَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنِ الضَّحَّاكِ يَعْنِي أَفْنَانَ أَلْوَانٍ مِنَ الْفَاكِهَةِ وَوَاحِدُهَا عَلَى هَذَا فَنٌّ وَعَلَى الأول فنن وَقَوله مدهامتان سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظ مسوادتان.
وَقَالَ الْفراء قَوْله مدهامتان يَعْنِي خَضْرَاوَانِ إِلَى السَّوَادِ مِنَ الرِّيِّ وَعَنْ عَطِيَّةَ كَادَتَا أَنْ تَكُونَا سَوْدَاوَيْنِ مِنْ شِدَّةِ الرِّيِّ وَهُمَا خَضْرَاوَانِ إِلَى السَّوَادِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سِتَّةَ عَشَرَ حَدِيثًا الْأَوَّلُ حَدِيث بن عُمَرَ فِي عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ وَقَولُهُ
[ قــ :3094 … غــ :3240] فِي آخِرِهِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْجَنَائِزِ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي رَجَاءٍ وَهُوَ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي أَكْثَرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ مَعَ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا
شرح الحديث من إرشاد الساري
باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ
(باب ما جاء) من الأخبار (في صفة الجنة وأنها مخلوقة) وموجودة الآن.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: { مُطَهَّرَةٌ} : مِنَ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالبُصَاق.
{ كُلَّمَا رُزِقُوا} : أُتُوا بِشَىْءٍ، ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ.
{ قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} : أوتينا مِنْ قَبْلُ.
{ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} : يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَخْتَلِفُ فِي الطعم.
{ قُطُوفُهَا} : يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا { دَانِيَةٌ} : قَرِيبَةٌ.
{ الأَرَائِكُ} : السُّرُرُ.
.
وَقَالَ الْحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي الْوُجُوهِ، وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ.
.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: { سَلْسَبِيلاً} : حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ.
{ غَوْلٌ} : وَجَعُ الْبَطْنِ.
{ يُنْزَفُونَ} : لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ.
.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: { دِهَاقًا} : مُمْتَلِئًا.
{ كَوَاعِبَ} : نَوَاهِدَ.
{ الرَّحِيقُ} : الْخَمْرُ.
{ التَّسْنِيمُ} : يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
{ خِتَامُهُ} : طِينُهُ.
{ مِسْكٌ} { نَضَّاخَتَانِ} : فَيَّاضَتَانِ.
يُقَالُ: { مَوْضُونَةٌ} مَنْسُوجَةٌ، مِنْهُ «وَضِينُ النَّاقَةِ».
وَ»الْكُوبُ» مَالاَ أُذُنَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ، وَ»الأَبَارِيقُ» ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَا.
{ عُرُبًا} : مُثَقَّلَةً، وَاحِدُهَا عَرُوبٌ، مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ «الْعَرِبَةَ» وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ «الْغَنِجَةَ» وَأَهْلُ الْعِرَاقِ «الشَّكِلَةَ».
.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: { رَوْحٌ} : جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ.
{ وَالرَّيْحَانُ} : الرِّزْقُ.
وَ { الْمَنْضُودُ} : الْمَوْزُ، وَ { الْمَخْضُودُ} : الْمُوقَرُ حَمْلاً، وَيُقَالُ أَيْضًا: لاَ شَوْكَ لَهُ.
وَالْعُرُبُ: الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ.
وَيُقَالُ: { مَسْكُوبٌ} جَارٍ.
وَ { فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} : بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
{ لَغْوًا} : بَاطِلاً.
{ تَأْثِيمًا} : كَذِبًا.
{ أَفْنَانٌ} أَغْصَانٌ.
{ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} : مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ.
{ مُدْهَامَّتَانِ} : سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ.
(قال أبو العالية) رفيع الرياحي مما وصله ابن أبي حاتم ({ مطهرة} ) [النساء: 57] من قوله تعالى: { ولهم فيها أزواج مطهرة} أي (من الحيض والبول والبزاق) بالزاي ولأبي ذر والبصاق بالصاد وزاد ابن أبي حاتم ومن المني والولد ({ كلما رزقوا} ) [البقرة: 25] أي (أتوا بشيء ثم أتوا بآخر) غيره (قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل) أي (أتينا من قبل) فيقال لهم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف أو المراد بالقبلية ما كان في الدنيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أوتينا بواو بعد الهمزة بمعنى الأعطاء وصوبه السفاقسي والأول بمعنى المجيء (وأتوا به متشابهًا يشبه بعضه بعضًا) في اللون (ويختلف في الطعوم) ولأبي ذر في الطعم بالإفراد.
قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء رواه ابن جرير.
({ قطوفها} ) أي (يقطفون) بكسر الطاء (كيف شاؤوا) رواه عبد بن حميد من طريق إسرائيل
عن أبي إسحاق عن البراء ({ دانية} ) [الحاقة: 23] أي (قريبة) قال الكرماني فإن قلت: كيف فسر القطوف بيقطفون؟ قلت: جعل قطوفها دانية جملة حالية وأخذ لازمها.
({ الأرائك} ) [المطففين: 23] هي (السرر) زاد ابن عباس في الحجال.
(وقال الحسن): البصري أي في قوله تعالى: { ولقاهم نضرة وسرورًا} (النضرة في الوجوه، والسرور في القلب) رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عنه.
(وقال مجاهد { سلسبيلا} ) [الإنسان: 18] في قوله تعالى: { عينًا فيها تسمى سلسبيلا} [الإنسان: 18] (حديدة الجرية) بفتح الحاء وبدالين مهملات أي قوية الجرية.
وروي عن مجاهد أيضًا قال: تجري شبيه السيل أي في قوة الجري وعن عكرمة فيما رواه ابن أبي حاتم السلسبيل اسم العين.
({ غول} ) أي (وجع البطن) ولأبي ذر: بطن ({ ينزفون} ) [الصافات: 47] أي (لا تذهب عقولهم).
بل هي ثابتة مع اللذة والطرب.
(وقال ابن عباس: ({ دهاقًا) أي (ممتلئًا) وصله عبد بن حميد من طريق عكرمة عنه.
({ كواعب} ) [النبأ: 33 — 34] قال ابن عباس أي (نواهد).
جمع ناهد وهي التي بدا ثديها وهذا وصله ابن أبي حاتم.
({ الرحيق} ) [المطففين: 25] هو (الخمر).
وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة.
({ التسنيم} ) [المطففين: 27] أي شيء (يعلو شراب أهل الجنة).
وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وزاد وهو صرف للمقربين ويمزج لأصحاب اليمين.
({ ختامه} ) [المطففين: 26] أي (طينه مسك) وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد وعن أبي الدرداء فيما رواه ابن جرير قال: شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل إصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها، وقيل: المراد بالختام ما يبقى في أسفل الشراب من الثقل وهذا يدل على أن أنهارها تجري على المسك ولذلك يرسب منه في الإناء في آخر الشراب كما يرسب الطين في آنية الدنيا.
({ نضاختان} ) [الرحمن: 66] أي (فياضتان).
وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يقال { موضونة} [الواقعة: 15] منسوجة) بالجيم (منه وضين الناقة).
وهو كالحزام للسرج فعيل بمعنى مفعول لأنه مضفور، وقال السدي: مرمولة بالذهب واللؤلؤ، وقال عكرمة: مشبكة بالدر والياقوت.
(والكوب) بضم الكاف من الكيزان (ما لا أذن له ولا عروة، والأباريق ذوات الأذان والعرى) ولأبي ذر ذات بغير واو ({ عربًا} [الواقعة: 37] مثقلة) أي مضمومة الراء (واحدها عروب مثل صبور وصبر)، وزنا (يسميها أهل مكة العربة) بفتح العين وكسر الراء وفتح الموحدة وعند الطبري من طريق تميم بن حذلم العربة الحسنة التبعل كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل أنها العربة (و) يسميها (أهل المدينة الغنجة) بالغين المعجمة المفتوحة والنون المكسورة والجيم المفتوحة وعند ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم
قال: هي الحسنة الكلام (و) يسميها (أهل العراق الشكلة) بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف وعن ابن عباس العرب العواشق لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون.
(وقال مجاهد { روح} جنة ورخاء { والريحان} [الواقعة: 89] (الرزق) أخرجه البيهقي في شعبه ({ والمضود} ) [الواقعة: 29] هو (الموز) رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد ({ والمخضود} ) [الواقعة: 28] هو (الموقر حملاً)، بفتح قاف الموقر وحاء حملاً (ويقال أيضًا) المخضود الذي (لا شوك له).
وقال مجاهد منضود متراكم الثمر يذكر بذلك قريشًا لأنهم كانوا يعجبون من وج وظلاله من طلح وسدر.
وقال السدي: منضود مصفوف، وروى ابن أبي حاتم من حديث الحسن بن سعد عن شيخ من همدان قال: سمعت عليًّا يقول في طلح منضود قال: طلع منضود.
قال ابن كثير: فعلى هذا يكون من وصف السدر وكأنه وصفه بأنه مخضود وهو الذي لا شكو له وأن طلعه منضود وهو كثرة ثمره.
((والعُربُ} ) [الواقعة: 37] بضم العين والراء، ولأبي ذر: والعرب بسكون الراء (المحببات إلى أزواجهن) رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير.
(ويقال { مسكوب} ) [الواقعة: 31] أي (جار) و ({ فرش مرفوعة} [الواقعة: 34] ) أي (بعضها فوق بعض) وصله الفريابي عن مجاهد وقيل العالية وذكر أن ارتفاعها مسيرة خمسمائة عام، وقيل: هي النساء لأن المرأة يكنى عنها بالفراش.
({ لغوّا} ) أي (باطلاً) ({ تأثيمًا} ) [الواقعة: 25] أي (كذبًا) وصله الفريابي عن مجاهد ({ أفنان} ) [الرحمن: 48] أي (أغصان { وجنى الجنتين دان} ) [الرحمن: 54] أي (ما يجتنى قريب) وصله الطبري عن مجاهد ({ مدهامتان} ) أي (سوداوان من الري).
وصله الفريابي عن مجاهد.
[ قــ :3094 … غــ : 3240 ]
— حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث بن سعد) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) أي فيهما بأن يحيا منه جزء ليدرك ذلك أو العرض على الروح فقط (فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة)، أي فالمعروض عليه من مقاعد أهل الجنة فحذف المبتدأ والمضاف المجرور بمن وأقام المضاف إليه مقامه وحينئذٍ فالشرط والجزاء متغايران لا متحدان (وإن كان من أهل النار فمن أهل النار).
أي فمقعده من مقاعد أهلها يعرض عليه.
وهذا الحديث سبق في باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنائز.
شرح الحديث من عمدة القاري
( بابُُ مَا جاءَ فِي صِفَةِ الجَنَّةِ وأنَّهَا مَخْلُوقَةٌ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي صفة الْجنَّة، وَفِي بَيَان أَنَّهَا مخلوقة وموجودة الْآن.
وَفِيه رد على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهَا لَا تُوجد إلاَّ يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي النَّار: إِنَّهَا تخلق يَوْم الْقِيَامَة، وَالْجنَّة: الْبُسْتَان من الشّجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه، والتركيب دائر على معنى السّتْر، وَكَأَنَّهَا لتكاثفها وتظللها سميت بِالْجنَّةِ الَّتِي هِيَ الْمرة من مصدر جنه إِذا ستره كَأَنَّهَا ستْرَة وَاحِدَة لفرط التفافها، وَسميت دَار الثَّوَاب جنَّة لما فِيهَا من الْجنان.
قالَ أبُو العَالِيَةِ مُطَهَّرةٌ مِنَ الحَيْضِ والْبَوْلِ والْبُزَاقِ أَبُو الْعَالِيَة هُوَ رفيع الريَاحي، وَقد ذكر فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، وَأَشَارَ بذلك إِلَى تَفْسِير لفظ: مطهرة، فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} ( الْبَقَرَة: 52، النِّسَاء: 75) .
وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من رِوَايَة مُجَاهِد، وَزَاد: وَمن الْمَنِيّ وَالْولد، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة من: الْأَذَى وَالْإِثْم.
قَوْله: ( والبزاق) ، وَيُقَال بالصَّاد: بصاق، أَيْضا.
{ كُلَّمَا رُزِقُوا} أُوتُوا بِشَيْءٍ ثُمَّ أُوتُوا بآخَرَ { قالُوا هاذا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} ( الْبَقَرَة: 52) .
أوُتِينَا مِنْ قَبْلُ
أَشَارَ بقوله: كلما رزقوا إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل وأوتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
قَوْله: ( أُوتُوا بآخر) أَي: بثمر آخر، واستفيد التّكْرَار من لفظ: كلما، فَإِذا أُوتُوا بآخر قَالُوا: هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل، وَفَسرهُ بقوله: أوتينا من قبل، قَالَ ابْن التِّين: هُوَ من أُوتِيتهُ إِذا أَعْطيته، وَهَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَتَيْنَا من أَتَيْته، بِالْقصرِ، يَعْنِي: جِئْته.
.
وَقَالَ ابْن التِّين: وَالْأول: هُوَ الصَّوَاب، وَفِي الْقبلية وَجْهَان: أَحدهمَا مَا رَوَاهُ السّديّ فِي ( تَفْسِيره) عَن مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وَعَن نَاس من الصَّحَابَة: { قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} ( الْبَقَرَة: 52) .
قَالُوا: إِنَّهُم أُوتُوا بالثمرة فِي الْجنَّة، فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهَا قَالُوا: هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل فِي دَار الدُّنْيَا، وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَعبد الرَّحْمَن بن زيد ابْن أسلم.
وَالْآخر: مَا قَالَه عِكْرِمَة: { قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} ( الْبَقَرَة: 52) .
قَالَ: مَعْنَاهُ مثل الَّذِي كَانَ بالْأَمْس، وَهَكَذَا قَالَ الرّبيع ابْن أنس، قَالَ مُجَاهِد: يَقُولُونَ: مَا أشبهه بِهِ،.
وَقَالَ ابْن جرير:.
وَقَالَ آخَرُونَ: بل تَأْوِيل ذَلِك: هَذَا الَّذِي رزقنا من ثمار الْجنَّة من قبل هَذِه الشدَّة يشابه بَعْضهَا بَعْضًا لقَوْله تَعَالَى: { واتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
وأُوتُوا بِهِ مُتَشَابِهَاً يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضَاً ويَخْتَلِفُ فِي الطُّعُومِ
فسر قَوْله تَعَالَى: { وأوتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
بقوله: يشبه بعضه بَعْضًا، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة، وَلكنه قَالَ: فِي الطّعْم بِالْإِفْرَادِ، وَهُوَ أَيْضا رِوَايَة فِي الْكتاب.
.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان حَدثنَا عَامر بن يسَاف عَن يحيى بن أبي كثير، قَالَ: عشب الْجنَّة الزَّعْفَرَان، وكثبانها الْمسك، وَيَطوف عَلَيْهِم الْولدَان بالفواكه ويأكلونها ثمَّ يُؤْتونَ بِمِثْلِهَا، فَيَقُول لَهُم أهل الْجنَّة: هَذَا الَّذِي آتيتمونا آنِفا بِهِ، فَيَقُول لَهُم الْولدَان: كلوا، فَإِن اللَّوْن وَاحِد والطعم مُخْتَلف، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { واتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
.
وَقَالَ ابْن جرير فِي ( تَفْسِيره) بِإِسْنَادِهِ عَن السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: متشابهاً، يَعْنِي: فِي اللَّوْن والمرأى، وَلَيْسَ يشبه فِي الطّعْم.
وَقَالَ عِكْرِمَة: { واتوا بِهِ متشابهاً} ( الْبَقَرَة: 52) .
يشبه ثَمَر الدُّنْيَا غير أَن ثَمَر الْجنَّة أطيب،.
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس: لَا يشبه شَيْء مِمَّا فِي الْجنَّة مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاء، وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجنَّة إلاَّ الْأَسْمَاء، رَوَاهُ ابْن جرير من رِوَايَة الثَّوْريّ، وَابْن أبي حَاتِم من رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة كِلَاهُمَا عَن الْأَعْمَش بِهِ.
قُطُوفُها يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاؤُا.
دانِيةٌ قَرِيبَةٌ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { قطوفها دانية} ( الحاقة: 32) .
وَفسّر قطوفها بقوله: يقطفون كَيفَ شاؤا، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ فسر القطوف بيقطفون؟ قلت: جعل { قطوفها دانية} ( الحاقة: 32) .
جملَة حَالية، وَأخذ لازمها، وروى عبد بن حميد من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ فِي قَوْله: { قطوفها دانية} ( الحاقة: 32) .
يتَنَاوَل مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء أَيْضا، وَمن طَرِيق قَتَادَة قَالَ: دنت فَلَا يرد أَيْديهم عَنْهَا بُعد وَلَا شوك.
الأرَائِكُ السُّرُرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى الأرائك فِي قَوْله: { متكئين فِيهَا على الأرائك} ( الْكَهْف: 13، الْإِنْسَان: 31) .
وفسرها بقوله: السرر، وَكَذَا فسره عبد بن حميد من طَرِيق حُصَيْن عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الأرائك: السرر فِي الحجال، والأرائك جمع أريكة، قَالَ ابْن فَارس: الحجلة على السرير لَا تكون إلاَّ كَذَا، وَعَن ثَعْلَب: الأريكة لَا تكون إلاَّ سريراً متخذاً فِي قبَّة عَلَيْهِ شوار ومخدة.
قلت: الشوار، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْوَاو: مَتَاع الْبَيْت، والحجلة بِالتَّحْرِيكِ بَيت لَهُ قبَّة يستر بالثياب وَيكون لَهُ أزرار كبار.
وقالَ الحَسَنُ النَّضْرَةُ فِي الوُجُوهِ.
والسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ
أَشَارَ بتفسير الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَى مَا فِي قَوْله: { ولقَّاهم نَضرة وسروراً} ( الْإِنْسَان: 11) .
وأوله: { فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم} ( الْإِنْسَان: 11) .
أَي: فوقى الله الْأَبْرَار شَرّ ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يخافونه من شدائده، ولقّاهم أَي: أَعْطَاهُم بدل عبوس الْفجار وحزنهم نَضرة فِي الْوُجُوه، وَهُوَ أثر النِّعْمَة وَحسن اللَّوْن والبهاء، وسروراً فِي الْقُلُوب وَأثر الْحسن، رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق مبارك بن فضَالة عَنهُ
وقالَ مُجاهِدٌ سَلْسَبِيلاً حَدِيدَةُ الجِرْيَةِ
أَشَارَ بتعليق مُجَاهِد وَتَفْسِير هَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} ( الأنسان: 81) .
قَوْله: ( عينا) ، بدل من قَوْله: زنجبيلاً فِيمَا قبله.
قَوْله: ( فِيهَا) ، أَي: فِي الْجنَّة.
.
وَقَالَ الزّجاج: أَي: يسقون عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً لِسَلَامَةِ انحدارها فِي الْحلق وسهولة مساغها.
.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمُقَاتِل بن حَيَّان: سميت سلسبيلاً لِأَنَّهَا تسيل عَلَيْهِم فِي الطَّرِيق، وَفِي مَنَازِلهمْ تنبع من أصل الْعَرْش من جنَّة عدن إِلَى أهل الْجنان، والسلسبيل فِي اللُّغَة وصف لما كَانَ فِي غَايَة السلاسة، يُقَال: شراب سلسبيل وسلسل وسلسال، وَقد زيدت الْيَاء فِيهِ حَتَّى صَار خماسياً، وَدلّ على غَايَة السلاسة، وَتَعْلِيق مُجَاهِد وَصله سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد بإسنادهما عَنهُ.
قَوْله: ( حَدِيدَة) ، بِالْحَاء والدالين المهملات أَي: شَدِيدَة الجرية أَي: الجريان،.
وَقَالَ عِيَاض: رَوَاهَا الْقَابِسِيّ: جَرِيدَة، بِالْجِيم وَالرَّاء بدل: الدَّال الأولى، وفسرها باللينة، ورد عَلَيْهِ بِأَن مَا قَالَه لَا يعرف.
غَوْلٌ وَجَعُ البَطْنِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا فِيهَا غول وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} ( الصافات: 74) .
وَفسّر الغول بوجع الْبَطن، وَهَذَا التَّفْسِير مَرْوِيّ عَن مُجَاهِد وَعَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: صداع.
يُنْزَفُونَ لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ
فسر: ينزفون، بقوله: لَا تذْهب عُقُولهمْ عِنْد شرب خمر الْجنَّة، وَهَذَا التَّفْسِير مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وقرىء: ينزفون، بِكَسْر الزَّاي وَفِيه قَولَانِ: أَحدهمَا من أنزف الرجل إِذا نفد شرابه، وَالْآخر: يُقَال أنزف، إِذا سكر، وَأما: نزف، إِذا ذهب عقله من الشّرْب فمشهور مسموع.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ دِهَاقاً مُمْتَلِئاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وكأساً دهاقاً} ( النبإ: 43) .
وَفسّر الدهاق بقوله: ممتلئاً، وَوَصله الطَّبَرِيّ عَن أبي كريب: حَدثنَا مَرْوَان ابْن يحيى عَن مُسلم بن نسطاس قَالَ ابْن عَبَّاس لغلامه: إسقني دهاقاً، قَالَ: فجَاء بهَا الْغُلَام ملأى، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا دهاق، وروى أَيْضا عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { كأساً دهاقاً} ( النبإ: 43) .
قَالَ: ملأى
كَوَاعِبَ نَوَاهِدَ
أشارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وكواعب أَتْرَابًا} ( النبإ: 33) .
فسر كواعب بقوله: نواهد، وَهَذَا التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، والنواهد جمع ناهد، وَهِي الَّتِي بدا نهدها، يُقَال: نهد الثدي إِذا ارْتَفع عَن الصَّدْر، وَصَارَ لَهُ حجم، والأتراب جمع ترب، بِالْكَسْرِ وَهُوَ: الْقرن.
الرَّحِيقُ الخَمْرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { رحيق مختوم} ( المطففين: 52) .
وَفسّر الرَّحِيق بِالْخمرِ، وَهَذَا التَّفْسِير وَصله الطَّبَرِيّ عَن طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { رحيق مختوم} ( المطففين: 52) .
قَالَ: الْخمر ختم بالمسك، وَقيل: الرَّحِيق الْخَالِص من كل شَيْء،.
وَقَالَ مُجَاهِد يشْربهَا أهل الْجنَّة صرفا،.
وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: ختامه آخر طعمه.
التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أهْلِ الجَنَّةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ومزاجه من تسنيم} ( المطففين: 72) .
وَفَسرهُ بقوله: يَعْلُو شراب أهل الْجنَّة، وَهَذَا وَصله عبد ب حميد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: التسنيم يَعْلُو شراب أهل الْجنَّة، وَهُوَ صرف للمقربين ويمزج لأَصْحَاب الْيَمين.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: التسنيم اسْم مَاء فِي الْجنَّة، سمي بذلك لِأَنَّهُ جرى فَوق الغرف والقصور.
خِتامُهُ طِينُهُ مِسْك
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { رحيق مختوم} ( المطففين: 52) .
وَفسّر الْمَخْتُوم بقوله: ختامه طينه مسك، وَهَذَا وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد فِي قَوْله: ختامه مسك، قَالَ: طينه مسك، وَفِي طَرِيق أبي الدَّرْدَاء فِي قَوْله: ختامه مسك، قَالَ هُوَ شراب أَبيض مثل الْفضة يختمون بِهِ آخر شرابهم.
نَضَّاخَتَانِ فَيَّاضَتَانِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فيهمَا عينان نضاختان} ( الرَّحْمَن: 66) .
وَفسّر النضاختان بقوله: فياضتان، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ والنضخ فِي اللُّغَة بِالْمُعْجَمَةِ أَكثر من الْمُهْملَة.
يُقَالُ: مَوْضُونَةٌ مَنْسُوجَةٌ.
ومنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { على سرر موضونة} ( الْوَاقِعَة: 51) .
وَفسّر الموضونة بالمنسوجة، أَي: المنسوجة بِالذَّهَب، وَقيل: بالجواهر واليواقيت، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة.
وَرُوِيَ أَيْضا من طَرِيق الضَّحَّاك فِي قَوْله: موضونة، قَالَ: الْوَضِين التشبيك والنسيج يَقُول: وَسطهَا مشبك منسوج.
قَوْله: ( وَمِنْه) ، أَي: وَمن هَذَا وضين النَّاقة: وَهُوَ البطان إِذا نسج بعضه على بعض مضاعفاً.
والكُوبُ مَا لاَ أُذُنَ لَهُ ولاَ عُرْوَةَ، والأبارِيقُ ذَوَاتُ الآذَانِ والْعُرَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { بأكواب وأباريق} ( الْوَاقِعَة: 81) .
والأكواب جمع كوب، وَفَسرهُ بقوله: والكوب مَا لَا أذن لَهُ وَلَا عُرْوَة، وَقيل: الكوب المستدير لَا عرىً لَهُ، وَيجمع على أكواب، وَيجمع الأكواب على: أكاويب، وروى عبد ابْن حميد من طَرِيق قَتَادَة، قَالَ: الكوب دون الإبريق لَيْسَ لَهُ عُرْوَة، والأباريق جمع إبريق على وزن إفعيل أَو فعليل.
عُرْبَاً مُثَقَّلَةً واحِدُهَا مثْلُ صَبُورٍ وصبر يُسَمِّيهَا أهْلُ مَكَّةَ العَرَبَةَ وأهْلُ المدِينَة الغَنِجَةَ وأهْلُ العِرَاقِ الشِّكِلَةَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فجعلناهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا} الْوَاقِعَة: 63 وَفسّر: عربا، بِقوم مثقلة أَي: مَضْمُومَة الرَّاء، قيل: مُرَادهم بالتثقيل الضَّم وبالتخفيف الإسكان.
قلت: لَيْت شعري هَذَا اصْطِلَاح من أهل الأدبية.
قَوْله: ( واحدتها) أَي: وَاحِدَة الْعَرَب بِضَم الرَّاء: غرُوب، مثل: صبور فِي الْمُفْرد، وصبر بِضَم الْبَاء فِي الْجمع، وَذكر النَّسَفِيّ فِي ( تَفْسِيره) فِي قَوْله تَعَالَى: { فجعلناهن أَبْكَارًا} ( الْوَاقِعَة: 63) .
عذارى عربا عواشق محببات إِلَى أَزوَاجهنَّ جمع عروب،.
وَقَالَ الْحسن: العروب الملقة،.
وَقَالَ عِكْرِمَة: غنجة،.
وَقَالَ ابْن زيد: شكله بلغَة مَكَّة، مغنوجة بلغَة الْمَدِينَة، وَعَن زيد بن حَارِثَة: حسان الْكَلَام، وَقيل: حَسَنَة الْفِعْل، وَجزم الْفراء: بِأَن العروب الغنجة.
قَوْله: ( العربة) ، بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء وَفتح الْبَاء، وَأخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق تَمِيم بن حدلم فِي قَوْله تَعَالَى: { عربا} ( الْوَاقِعَة: 63) .
قَالَ: العربة الْحَسَنَة التبعل، كَانَت الْعَرَب تَقول إِذا كَانَت الْمَرْأَة حَسَنَة التبعل: إِنَّهَا لعربة، وَمن طَرِيق عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر الْمَكِّيّ، قَالَ: العربة الَّتِي تشْتَهي زَوجهَا.
قَوْله: ( الغنجة) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون وبالجيم: من الغنج، وَهُوَ التكسر والتدلل فِي الْمَرْأَة، وَقد غنجت وتغنجت.
قَوْله: ( الشكلة) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْكَاف ذَات الدل.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَوْحٌ جَنَّةٌ ورَخَاءٌ والرَّيْحَانُ الرِّزْقُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} ( الْوَاقِعَة: 98) .
وَفسّر مُجَاهِد: روحاً بجنة ورخاء، وَفسّر الريحان بالرزق.
.
وَقَالَ الْفرْيَابِيّ: حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: ( فَروح) قَالَ جنَّة { وَرَيْحَان} ( الْوَاقِعَة: 98) .
قَالَ: رزق.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي ( الشّعب) من طَرِيق آدم عَن وَرْقَاء بِسَنَدِهِ بِلَفْظ: { فَروح وَرَيْحَان} ( الْوَاقِعَة: 98) .
قَالَ: الروج جنَّة ورخاء، وَالريحَان الرزق.
وروى عبد بن حميد فِي ( تَفْسِيره) : حَدثنَا شَبابَُة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: { فَروح وَرَيْحَان} ( الْوَاقِعَة: 98) .
قَالَ: رزق، وَحدثنَا أَبُو نعيم عَن عبد السَّلَام بن حَرْب عَن لَيْث عَن مُجَاهِد، قَالَ: الرّوح الْفَرح، وَالريحَان الرزق، وَقيل: روح طيب ونسيم، وَقيل: الاسْتِرَاحَة، وَمن قَرَأَ بِضَم الرَّاء أَرَادَ الْحَيَاة الَّتِي لَا موت مَعهَا، وَعَن الْحسن: الريحان ريحاننا هَذَا.
والمَنْضُودُ المَوْزُ والمَخْضُودُ المُوقَرُ حَمْلاً ويُقَالُ أَيْضا لَا شَوْكَ لَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب} ( الْوَاقِعَة: 82 13) .
الْآيَة وَفسّر قَوْله: { وطلح منضود} ( الْوَاقِعَة: 82 13) .
بِأَنَّهُ: الموز،.
وَقَالَ عِيَاض: وَقع هُنَا تَخْلِيط، وَالصَّوَاب: والطلح الموز، والمنضود: الموقر حملا الَّذِي نضد بعضه على بعض من كَثْرَة حَملَة، واستصوب بَعضهم مَا قَالَه البُخَارِيّ، وَفِي ضمنه رد على عِيَاض، وَالصَّوَاب مَا قَالَه عِيَاض لِأَن المنضود لَيْسَ اسْم الموز وَإِنَّمَا هُوَ صفة الطلح.
.
وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي ( تَفْسِيره) : طلح شجر موز، وَعَن السّديّ: شجر يشبه طلح الدُّنْيَا وَلَكِن لَهُ ثَمَر أحلى من الْعَسَل،.
وَقَالَ النَّسَفِيّ أَيْضا: حُكيَ أَن رجلا قَرَأَ عِنْد عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: { وطلح منضود} ( الْوَاقِعَة: 82 13) .
فَقَالَ عَليّ: وَمَا شَأْن الطلح؟ إِنَّمَا هُوَ: طلع منضود، ثمَّ قَرَأَ , { طلعها هضيم} ( الشُّعَرَاء: 841) .
فَقيل: إِنَّهَا فِي الْمُصحف بِالْحَاء أَفلا نحولها؟ فَقَالَ: إِن الْقُرْآن لَا يهاج الْيَوْم وَلَا يحول، وَعَن الْحسن: لَيْسَ الطلح بالموز وَلكنه شجر لَهُ ظلّ بَادر طيب،.
وَقَالَ الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة: الطلح عِنْد الْعَرَب شجر عِظَام لَهَا شوك، وَقيل: هُوَ شجر أم غيلَان وَله نوار كثير طيب الرَّائِحَة.
قلت: وعَلى كل تَقْدِير فِي معنى الطلح فالمنضود صفة وَلَيْسَ باسم، وَمَعْنَاهُ: متراكم قد نضد بِالْحملِ من أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ، وَلَيْسَت لَهُ سَاق بارزة.
.
وَقَالَ مَسْرُوق: أَشجَار الْجنَّة من عروقها إِلَى أفنائها ثَمَر كُله.
قَوْله: ( والمخضود) ، بالمعجمتين: صفة للسدر كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن.
والعُرُبُ المُحَبَّبَاتُ إِلَى أزْوَاجِهِنَّ
قد ذكر: العُرب، عَن قريب وفسرها بقوله: مثقلة،.
وَقَالَ : واحدتها عروب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
ويُقَالُ: مسْكُوبٌ جَارٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمَاء مسكوب} ( الْوَاقِعَة: 13) .
وَفَسرهُ بقوله: جَار، وَأَرَادَ بِهِ أَنه قوي الجري كَأَنَّهُ يسْكب سكباً.
وفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وفرش مَرْفُوعَة} ( الْوَاقِعَة: 23 43) .
بعد قَوْله: { وفاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} ( الْوَاقِعَة: 23 43) .
.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المرفوعة الْعَالِيَة، يُقَال بِنَاء مَرْفُوع أَي: عَال، وروى ابْن حبَان وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قَوْله: { وفرش مَرْفُوعَة} ( الْوَاقِعَة: 23 43) .
قَالَ: ارتفاعها خَمْسمِائَة عَام.
لَغْوَاً باطِلاً تأثِيماً كَذِبَاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيماً} ( الْوَاقِعَة: 52) .
وَفسّر اللَّغْو بِالْبَاطِلِ والتأثيم بِالْكَذِبِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد.
أفْنان أغْصانٌ أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ذواتا أفنان} ( الرحمان: 84) .
وَفسّر الأفنان بالأغصان، وَكَذَا فسره عِكْرِمَة وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : الأفنان جمع فنن وَهُوَ من قَوْلهم: أفنن فلَان فِي حَدِيثه إِذا أَخذ فِي فنون، وَعَن مُجَاهِد: أفنان أَغْصَان وَاحِدهَا فنن، وَعَن عِكْرِمَة: ظلّ الأغصان على الْحِيطَان، وَعَن الْحسن: ذواتا أفنان ذواتا ظلال، وَخص الأفنان بِالذكر لِأَنَّهَا الغصنة الَّتِي تتشعب من فروع الشَّجَرَة لِأَنَّهَا الَّتِي تورق وتثمر، فَمِنْهَا تمتد الظلال وَمِنْهَا تجتنى الثِّمَار.
{ وجَناى الجَنَّتَيْنِ دَانٍ} ( الرحمان: 45) .
مَا يُجْتَناى قريب مِنْها
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { متكئين على فرش بطائنها من استبرق.
وجنا الجنتين دَان} ( الرحمان: 45) .
وَفسّر: جنى، بِمَا يجتنى، ودانٍ بقوله: قريب مِنْهَا.
وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وجنا الجنتين ثَمَرهَا دانٍ قريب يَنَالهُ الْقَائِم والقاعد والنائم.
مُدْهَامَّتَانِ سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن دونهمَا جنتان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ: مدهامتان} ( الرحمان: 26 46) .
يَعْنِي: وَمن دون الجنتين الْأَوليين الموعودتين: { لمن خَافَ مقَام ربه جنتان} ( الرحمان: 26 46) .
أخريان: { مدهامتان} ( الرحمان: 26 46) .
وفسرها بقوله: سوداوان من الرّيّ، وَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد، وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) : مدهامتان ناعمتان سوداوتان من ريهما وَشدَّة خضرتهما، لِأَن الخضرة إِذا اشتدت قربت إِلَى السوَاد والدهمة السوَاد الْغَالِب.
[ قــ :3094 … غــ :3240 ]
— حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا ماتَ أحَدُكُمْ فإنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بالْغَداةِ والْعَشِيِّ فإنْ كانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ وإنْ كانَ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ.
( انْظُر الحَدِيث 9731 وطرفه) .
شرع البُخَارِيّ يذكر فِي هَذَا الْبابُُ خَمْسَة عشر حَدِيثا مطابقات كلهَا للتَّرْجَمَة فِي ذكر الْجنَّة، وَفِي بَعْضهَا وصفهَا، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر الْمُطَابقَة بعد هَذَا فِي أول كل حَدِيث، وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ الْمَيِّت يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.