20 – باب لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِى جِدَارِهِ .
20 – Глава: (Человек) не должен мешать своему соседу устанавливать доску на его стене
2463 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ — صلى الله عليه وسلم – قَالَ:
« لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِى جِدَارِهِ » . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِى أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ .
طرفاه 5627 ، 5628 — تحفة 13954
2463 – Передают со слов Абу Хурайры, да будет доволен им Аллах, о том, что Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, сказал:
«Пусть один сосед не мешает другому, (если тому понадобится) установить доску на его стене».
После этого Абу Хурайра (да будет доволен им Аллах, обратился к тем, кто слушал его,) сказав: «Почему же я вижу, что вы отказываетесь (следовать этому наставлению[1])? Клянусь Аллахом, я не перестану повторять его вам!» См. также хадисы №№ 5627 и 5628. Этот хадис передал аль-Бухари (2463).
Также этот хадис передали аш-Шафи’и в «аль-Умм» (8/639), Ахмад (2/230, 240, 274, 327, 447), Муслим (1609), аль-Хумайди (1077), аль-Байхакъи (6/69), Абу Ну’айм в «Хильятуль-аулияъ» (3/378). См. «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (7784).
[1] То есть отказываетесь следовать этому велению Пророка, да благословит его Аллах и приветствует.
شرح الحديث
الجارُ في الإسلامِ حقُّهُ عظيمٌ، وقدْ أَوْصى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وحثَّ على الرِّفقِ به والتَّعاونِ معه، وفي هذا الحديثِ يُخبرُ أبو هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» وهذا أمرٌ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للإرشادِ إلى التَّعاوُنِ بينَ الجيرانِ والمُعامَلةِ بالتَّسامُحِ في بعضِ الأُمورِ، ومِنها ألَّا يَمْنعَ جارٌ جارَهُ مِن وَضعِ خَشبةٍ فوقَ جِدارِهِ وإنْ كانَ الجِدارُ ليسَ مِن حَقِّ واضعِ الخَشبةِ وَلا لَهُ فيهِ شَرِكةٌ، ولكنْ مِن حقِّ الجيرانِ أنْ ينفَعَ بعضُهمْ بَعضًا، دُونَ إِلحاقِ ضررٍ بأيٍّ مِن الطَّرَفينِ.
ثم يقولُ أبو هُريرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ! ما لي أراكُمْ غيرَ راضينَ عنْ هذا الحُكمِ وهذا القولِ الذي أَمَرَ بهِ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ثمَّ تَركْتُم العَملَ بهِ فيما بَيْنكمْ.
«وَاللهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» أرادَ التغليظَ عليهِمْ رغمَ إِعراضِهمْ عنِ الأَمرِ، بمعنى: لأَجْعَلنَّ هذا الحُكمَ واضحًا أمامَ أعينِكُمْ حتى وإِنْ كرِهتُموهُ، أو لئنْ كرِهْتُمْ أنْ يضَعَ الجارُ الخَشبةَ على جِدارِ جارِهِ فسوفَ أُلقي هذِهِ الخشبةَ على أَكْتافِكُمْ لا على الجُدرانِ، وهذا المعنى أَيْضًا للتغليظِ والتَّخويفِ مِن ردِّ أَمرٍ مِنْ أوامِرِ النبيِّ الكريمِ، أو رفضِه.
وفي الحديثِ: بيانُ ضَرورةِ إِظهارِ الحقِّ للناسِ وَلوْ كانَ مُرًّا وصعبًا علَيهِم.
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِالتَّنْوِينِ عَلَى إِفْرَادِ الْخَشَبَةِ وَلِغَيْرِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ الَّذِي فِي حَدِيث الْبَاب قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ اللَّفْظَانِ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدِ الْجِنْسُ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى قَدْ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَمْرَ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ أَخَفُّ فِي مُسَامَحَةِ الْجَارِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْكَثِيرِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ بِالْإِفْرَادِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَقُولُونَهُ بِالْجَمْعِ إِلَّا الطَّحَاوِيَّ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي الصَّحِيحِ يَرُدُّ عَلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا إِنْ أَرَادَ خَاصًّا مِنَ النَّاسِ كَالَّذِينِ رَوَى عَنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ فَلَهُ اتِّجَاهٌ
[ قــ :2358 … غــ :2463] .
قَوْلُهُ عَنِ بن شِهَابٍ كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بَدَلَ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بَدَلَ الْأَعْرَجِ وَوَافَقَهُ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ.
وَقَالَ الْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ الْأَوَّلُ.
وَقَالَ فِي الْعِلَلِ رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَدَلَ الْأَعْرَجِ وَكَذَا قَالَ عقيل عَن الزُّهْرِيّ.
وَقَالَ بن أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَلَ الْأَعْرَجِ وَالْمَحْفُوظُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن الْأَعْرَج وَبِذَلِك جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْجَمِيعِ .
قَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعْ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ لَا نَاهِيَةٌ وَلِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَلِأَحْمَدَ لَا يَمْنَعَنَّ بِزِيَادَةِ نُونِ التَّوْكِيدِ وَهِيَ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْجَزْمِ .
قَوْلُهُ جَارٌ جَارَهُ إِلَخْ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجِدَارَ إِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ وَلَهُ جَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ جِذْعَهُ عَلَيْهِ جَازَ سَوَاءٌ أَذِنَ الْمَالِكُ أَمْ لَا فَإِنِ امْتَنَعَ أُجْبِرَ وَبِهِ قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَغَيرهمَا من أهل الحَدِيث وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَعَنْهُ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا اشْتِرَاطُ إِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ إِلَّا بِرِضَاهُ وَفِيهِ نظر كَمَا سَيَأْتِي وَجزم التِّرْمِذِيّ وبن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ بِالْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إِلَّا عُمُومَاتٍ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ نَخُصَّهَا وَقَدْ حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِمَا حَدَّثَ بِهِ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ .
قَوْلُهُ ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَة عِنْد أبي دَاوُد فنكسوا رؤوسهم وَلأَحْمَد فَلَمَّا حَدثهمْ أَبُو هُرَيْرَة بذلك طأطؤا رؤوسهم .
قَوْلُهُ عَنْهَا أَيْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ أَوْ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ .
قَوْلُهُ لَأَرْمِيَنَّهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَأُلْقِيَنَّهَا أَيْ لَأُشِيعَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِيكُمْ وَلَأُقَرِّعَنَّكُمْ بِهَا كَمَا يُضْرَبُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِيَسْتَيْقِظَ مِنْ غَفْلَتِهِ .
قَوْلُهُ بَيْنَ أكتافكم قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ رُوِّينَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالنُّونِ وَالْأَكْنَافُ بِالنُّونِ جَمْعُ كَنَفٍ بِفَتْحِهَا وَهُوَ الْجَانِبُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا هَذَا الْحُكْمَ وَتَعْمَلُوا بِهِ رَاضِينَ لَأَجْعَلَنَّهَا أَيِ الْخَشَبَةَ عَلَى رِقَابِكُمْ كَارِهِينَ قَالَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ.
وَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ كَانَ يَلِي إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْد بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَعْيُنِكُمْ وَإِنْ كَرِهْتُمْ وَهَذَا يُرَجِّحُ التَّأْوِيلَ الْمُتَقَدِّمَ وَاسْتَدَلَّ الْمُهَلَّبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَة مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ بِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ لَمَا جَهِلَ الصَّحَابَةُ تَأْوِيلَهُ وَلَا أَعْرَضُوا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ حَدَّثَهُمْ بِهِ فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِهِ لَمَا جَازَ عَلَيْهِمْ جَهْلُ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ الْمُعْرِضِينَ كَانُوا صَحَابَةً وَأَنَّهُمْ كَانُوا عَدَدًا لَا يَجْهَلُ مِثْلُهُمُ الْحُكْمَ وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ كَانُوا غَيْرَ فُقَهَاءَ بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانُوا صَحَابَةً أَوْ فُقَهَاءَ مَا وَاجَهَهُمْ بِذَلِكَ وَقَدْ قَوَّى الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ فَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَدَعْوَى الِاتِّفَاقِ هُنَا أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الْمُهَلَّبِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ عَصْرِ عُمَرَ كَانُوا صَحَابَةً وَغَالِبَ أَحْكَامِهِ مُنْتَشِرَةٌ لِطُولِ وِلَايَتِهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا كَانَ يَلِي إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ نِيَابَةً عَنْ مَرْوَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَرَوَاهُ هُوَ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ أَنْ يَسُوقَ خَلِيجًا لَهُ فَيَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بن مسلمة فَامْتنعَ فَكَلَّمَهُ عُمَرُ فِي ذَلِكَ فَأَبَى فَقَالَ وَاللَّهُ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ فَحَمَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَدَّاهُ إِلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ الْجَارُّ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ دَارِ جَارِهِ وَأَرْضِهِ وَفِي دَعْوَى الْعَمَلِ عَلَى خِلَافِهِ نظر فقد روى بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا إِنْ غَرَزَ أَحَدٌ فِي جِدَارِهِ خَشَبًا فَأَقْبَلَ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ وَرِجَالٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَدِيثَ فَقَالَ الْآخَرُ يَا أَخِي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ مَقْضِيٌّ لَكَ عَلَيَّ وَقَدْ حَلَفْتُ فَاجْعَلْ أُسْطُوَانًا دُونَ جِدَارِي فَاجْعَلْ عَلَيْهِ خشبك وروى بن إِسْحَاقَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَمَنَعَهُ فَإِذَا مَنْ شِئْتُ مِنَ الْأَنْصَارِ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ فَجُبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْوُجُوبَ بِمَا إِذَا تَقَدَّمَ اسْتِئْذَانُ الْجَارِ فِي ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إِلَى ذِكْرِ الْإِذْنِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعُقَيْلٍ أَيْضًا وَأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ مَنْ سَأَلَهُ جَارُهُ وَكَذَا لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ عَلَى صَاحِبِ الْجِذْعِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ جِذْعَهُ عَلَى جِدَارِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ مَثَلًا وَلَا يَخْفَى بعده وَقد تعقبه بن التِّينِ بِأَنَّهُ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ فِي مَعْنَى الْخَبَرِ وَقَدْ رَدَّهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأُصُولِ وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ لِأَنَّ لِهَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ هَذَا مِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ لَا أَنَّهُ الْمُرَادُ فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ الْجَارُ وَلَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَالِكُ وَلَا يُقَدَّمَ عَلَى حَاجَةِ الْمَالِكِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَ فِي وَضْعِ الْجِذْعِ إِلَى نَقْبِ الْجِدَارِ أَوْ لَا لِأَنَّ رَأْسَ الْجِذْعِ يَسُدُّ الْمُنْفَتِحَ وَيُقَوِّي الْجِدَار
هذا ( باب) بالتنوين في قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة) بالإفراد لأبي ذر ولغيره خشبه بالهاء بصيغة الجمع ( في جداره) ومعنى الجمع والإفراد واحد لأن المراد بالواحد الجنس كما نقل عن ابن عبد البر.
قال في الفتح: وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلاّ فالمعنى قد يختلف باعتبار أن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثيرة، وقول
عبد الغني بن سعيد كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي فإنه قال عن روح بن الفرج: سألت أن زيد والحرث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم خشية بالتنوين مردود بموافقة أبي ذر.
[ قــ :2358 … غــ : 2463 ]
— حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ.
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ».
[الحديث 2463 — طرفاه في: 5627، 5628] .
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي الحارثي البصري المدني الأصل ( عن مالك) هو ابن أنس الإمام ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا يمنع) بالجزم على أن لا ناهية وبالرفع وعزاها في الفتح لأبي ذر على أنه خبر بمعنى النهي، ولأحمد: لا يمنعن ( جار جاره) الملاصق له ( أن يغرز خشبة) بالإفراد وخشبه بالجمع كما مرّ، وقال المزني فيما ذكره البيهقي في المعرفة بسنده حدّثنا الشافعي قال: أخبرنا مالك فذكره وقال: خشبه بغير تنوين، وقال يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك خشبة بالتنوين ( في جداره) حمله الشافعي في الجديد على الندب فليس لصاحب الخشب أن يغرزها في جدار جاره إلا برضاه ولا يجبر مالك الجدار إن امتنع من وضعها، وبه قال المالكية والحنفية جمعًا بين حديث الباب وحديث خطبة حجة الوداع المروي عند الحاكم بإسناد على شرط الشيخين في معظمه ولفظه: لا يحلّ لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، وفي القديم على الإيجاب عند الضرورة وعدم تضرر الحائط واحتياج المالك لحديث الباب فليس له منعه فإن أبى جبره الحاكم، وبه قال أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث وابن حبيب من المالكية ولا فرق في ذلك عندهم بين أن يحتاج في وضع الخشب إلى نقب الجدار أم لا، لأن رأس الخشب يسد المنفتح ويقوّي الجدار، وجزم الترمذي وابن عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار: وأما حديث الخشب في الجدار فإنه حديث صحيح ثابت لم نجد في سنن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يعارضه ولا تصح معارضته بالعمومات، وقد نص الشافعي في القديم والجديد على القول به فلا عذر لأحد في مخالفته، وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدّث به يشير إلى قوله:
( ثم يقول أبو هريرة) بعد روايته لهذا الحديث محافظة على العمل بظاهره وتحضيضًا على ذلك لما رآهم توقفوا عنه ( ما لي أراكم عنها) أي عن هذه المقالة ( معرضين) وعند أبي داود: إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه فنكسوا رؤوسهم فقال أبو هريرة: ما لي أراكم قد أعرضتم ( والله لأرمين بها) أي هذه المقالة ( بين أكتافكم) بالمثناة الفوقية جمع كتف، وفي رواية أبي داود لألقينها أي لأصرخن بالمقالة فيكم ولأوجعنكم بالتقريع بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين
كتفيه ليستيقظ من غفلته أو الضمير للخشبة، والمعنى إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلن الخشبة على رقابكم كارهين وقصد بذلك المبالغة قاله الخطابي.
وقال الطيبي: هو كناية عن إلزامهم بالحجة القاطعة على ما ادّعاه أي لا أقول الخشبة ترمى على الجدار بل بين أكتافكم لما وصى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبرّ والإحسان في حق الجار وحمل أثقاله.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وأبو داود في القضاء والترمذي في الأحكام وأخرجه ابن ماجة أيضًا.
أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: لَا يمْنَع جَار … إِلَى آخِره.
قَوْله: ( خَشَبَة) ، بِالْإِفْرَادِ والتنوين فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره خشباً بِصِيغَة الْجمع، وَرَأَيْت صَاحب ( التَّلْوِيح) قد ضبط بِيَدِهِ: خشباً، بِضَم الْخَاء وَسُكُون الشين.
قلت: تجمع الْخَشَبَة على خشب بِفتْحَتَيْنِ وخشب بِضَم الْخَاء وَسُكُون الشين وخشب بِضَمَّتَيْنِ وخشبان، وروى الطَّحَاوِيّ عَن جمَاعَة من الْمَشَايِخ أَنهم رَوَوْهُ فِي الحَدِيث بِالْإِفْرَادِ، وَأنكر ذَلِك عبد الْغَنِيّ بن سعيد، فَقَالَ: النَّاس كلهم يَقُولُونَ بِالْجمعِ إلاَّ الطَّحَاوِيّ.
قلت: إِنْكَار عبد الْغَنِيّ لَيْسَ بموجه، لِأَن الطَّحَاوِيّ مَا انْفَرد بِهِ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَن الْمَشَايِخ فَكيف يَقُول: النَّاس كلهم؟.
وَقَالَ أَبُو عمر: قد رُوِيَ اللفظان يَعْنِي: الْإِفْرَاد وَالْجمع.
فِي ( الْمُوَطَّأ) ، والإفراد أحسن لِأَن أمره أخف فِي مُسَامَحَة الْجَار، بِخِلَاف الْجمع، لِأَنَّهُ أشق عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاحِد.
[ قــ :2358 … غــ :2463 ]
— حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ يمْنَعُ جارٌ جارَهُ أنْ يَغرِزَ خشَبةً فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مالِي أراكُمْ مُعْرِضِينَ وَالله لأرْمِيَنَّ بِها بَيْنَ أكْتَافِكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إنَّهُمَا سَوَاء، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن يحيى بن يحيى وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن أبي الطَّاهِر وحرملة بن يحيى وَعَن عبد بن حميد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْقَضَاء عَن مُسَدّد وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي خلف.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَحْكَام عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار وَمُحَمّد بن الصَّباح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( عَن مَالك عَن ابْن شهَاب) كَذَا فِي ( الْمُوَطَّأ) .
وَقَالَ خَالِد بن مخلد: عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد، بدل: ابْن شهَاب.
.
وَقَالَ بشر بن عمر: عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة، بدل: الْأَعْرَج، وَوَافَقَهُ هِشَام بن يُوسُف عَن مَالك وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( الغرائب) ،.
وَقَالَ : الْمَحْفُوظ عَن مَالك الأول،.
وَقَالَ فِي ( الْعِلَل) : رَوَاهُ هِشَام الدستوَائي: عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد ب الْمسيب، بدل: الْأَعْرَج، وَكَذَا قَالَ عقيل: عَن الزُّهْرِيّ،.
وَقَالَ ابْن أبي حَفْصَة: عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، بدل: الْأَعْرَج.
وَالْمَحْفُوظ: عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج، وَبِذَلِك جزم ابْن عبد الْبر أَيْضا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه يحْتَمل أَن يكون عِنْد الزُّهْرِيّ عَن الْجَمِيع.
قَوْله: ( لَا يمْنَع) بِالْجَزْمِ على أَن كلمة: لَا، ناهية، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالرَّفْع، على أَن: لَا، نَافِيَة خبر بِمَعْنى النَّهْي، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: لَا يمنعن، بِزِيَادَة نون التَّأْكِيد، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: ( لَا ضَرَر وَلَا ضرار، وللرجل أَن يضع خَشَبَة فِي حَائِط جَاره) .
قَوْله: ( أَن يغرز) ، أَي: بِأَن يغرز، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: بغرز خَشَبَة فِي جِدَار جَاره.
قَوْله: ( ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا اسْتَأْذن أحدكُم أَخَاهُ أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره فَلَا يمنعهُ، فنكسوا، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: مَا لي أَرَاكُم قد أعرضتم، لألقينَّها بَين أكتافكم.
وَفِي رِوَايَة أَحْمد: فَلَمَّا حَدثهمْ أَبُو هُرَيْرَة بذلك طأطأوا رؤوسهم.
قَوْله: ( عَنْهَا) ، أَي: عَن هَذِه الْمقَالة، أَو عَن هَذِه السنَّة.
قَوْله: ( لأرمينَّ بهَا) ، وَفِي رِوَايَة: لأرمينها.
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: لألقينها، كَمَا مرت الْآن.
قَوْله: ( بَين أكتافكم) ، قَالَ ابْن عبد الْبر: روينَاهُ فِي ( الْمُوَطَّأ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة وبالنون، يَعْنِي: بِالْوَجْهَيْنِ: بأكتافكم، جمع كتف بِالتَّاءِ، وبأكنافكم، بالنُّون: جمع كنف، وَهُوَ الْجَانِب، قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ إِن لم تقبلُوا هَذَا الحكم وتعملوا بِهِ راضين لأجعلنَّها أَي: الْخَشَبَة على رِقَابكُمْ كارهين، وَأَرَادَ بذلك الْمُبَالغَة، وَوَقع ذَلِك من أبي هُرَيْرَة حِين كَانَ يَلِي إمرة الْمَدِينَة لمروان، وَوَقع فِي رِوَايَة عِنْد ابْن عبد الْبر من وَجه آخر: لأرمين بهَا بَين أعينكُم وَإِن كرهتم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ قوم: مَعْنَاهُ النّدب إِلَى بر الْجَار وَلَيْسَ على الْوُجُوب، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك، وروى ابْن عبد الحكم عَن مَالك، قَالَ: لَيْسَ يقْضِي على رجل أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَار جَاره، وَإِنَّمَا نرى أَن ذَلِك كَانَ من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الوصاءة بالجار.
قَالَ: وَأكْثر عُلَمَاء السّلف أَن ذَلِك على النّدب، وَحَمَلُوهُ على معنى قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا اسْتَأْذَنت أحدَكم امرأتُه إِلَى الْمَسْجِد فَلَا يمْنَعهَا) ، وَقد مر فِي حَدِيث أبي دَاوُد: إِذا اسْتَأْذن أحدكُم أَخَاهُ، وَقيد بَعضهم الْوُجُوب بالاستئذان،.
وَقَالَ قوم: هُوَ وَاجِب إِذا لم يكن فِي ذَلِك مضرَّة على صَاحب الْجِدَار، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْر وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث، وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب، وروى الشَّافِعِي عَن مَالك بِسَنَد صَحِيح: أَن الضَّحَّاك بن خَليفَة سَأَلَ مُحَمَّد بن مسلمة أَن يَسُوق خليجاً لَهُ فيمر بِهِ فِي أَرض مُحَمَّد بن مسلمة، فَامْتنعَ، فَكَلمهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي ذَلِك فَأبى، فَقَالَ: وَالله ليمرن بِهِ وَلَو على بَطْنك، فَحمل عمر الْأَمر على ظَاهره وعداه إِلَى كل مَا يحْتَاج الْجَار إِلَى الِانْتِفَاع بِهِ من دَار جَاره وأرضه.
.
وَقَالَ بَعضهم: وَقد قوى الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم القَوْل بِالْوُجُوب بِأَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قضى بِهِ وَلم يُخَالِفهُ أحد من أهل عصره، وَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُم على ذَلِك.
انْتهى.
قلت: هَذَا مُجَرّد دَعْوَى يحْتَاج إِلَى إِقَامَة دَلِيل، وَعَن الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد قَولَانِ: أشهرهما: اشْتِرَاط إِذن الْمَالِك، فَإِن امْتنع لم يجْبر، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا، وحملوا الْأَمر فِيمَا جَاءَ من الحَدِيث على النّدب وَالنَّهْي على التَّنْزِيه جمعا بَينه وَبَين الْأَحَادِيث الدَّالَّة على تَحْرِيم مَال الْمُسلم إلاَّ بِرِضَاهُ، وَهُوَ كَقَوْلِه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا زَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه، وَكَقَوْلِه: مَا آمن من بَات شبعان وجاره طاو، وَقيل: إِن الْهَاء فِي: جِدَاره، يرجع إِلَى الغارز، لِأَن الْجِدَار إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ لأَحَدهمَا فَأَرَادَ صَاحبه أَن يضع عَلَيْهِ الْجُذُوع وَيَبْنِي، رُبمَا مَنعه جَاره لِئَلَّا يشرف عَلَيْهِ، فَأخْبر الشَّارِع أَنه لَا يمنعهُ ذَلِك،.
وَقَالَ ابْن التِّين: عورض هَذَا بِأَنَّهُ إِحْدَاث قَول ثَالِث فِي معنى الْخَبَر، وَذَلِكَ مَمْنُوع عِنْد أَكثر الْأُصُولِيِّينَ، وَلَا يسلم لَهُ، وَالله أعلم.