2 – باب ( يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
2 – Глава: Слова Всевышнего:
«… который окутает людей. Это будут мучительные страдания» (ад-Духан, 44:11).
إِنَّمَا كَانَ هَذَا لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِىِّ — صلى الله عليه وسلم — دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) . قَالَ: فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ — صلى الله عليه وسلم – فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ . قَالَ: « لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِىءٌ » . فَاسْتَسْقَى فَسُقُوا . فَنَزَلَتْ: ( إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ). فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ). قَالَ: يَعْنِى يَوْمَ بَدْرٍ .
أطرافه 1007 ، 1020 ، 4693 ، 4767 ، 4774 ، 4809 ، 4820 ، 4822 ، 4823 ، 4824 ، 4825 — تحفة 9574
«Это произошло из-за того, что когда курайшиты ослушались Пророка, да благословит его Аллах и приветствует, он обратился с мольбой к Аллаху против них, чтобы Он (послал) им семь (лет засухи), подобных семи (годам её во времена) Юсуфа. И их постигла такая засуха и голод, что люди стали есть кости, а когда человек (из них) поднимал глаза к небу, то от голода он видел то, что между ними как дым. И тогда Всевышний Аллах ниспослал (аяты, в которых сказано): “Жди же того дня, когда небо принесёт явный дым, который окутает людей. Это будут мучительные страдания” (ад-Духан, 44:10-11)».
(Ибн Мас’уд) сказал:
«Тогда к Посланнику Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, пришли (люди) и сказали: “О Посланник Аллаха! Обратись к Аллаху с мольбой ниспослать дождь для (племени) мудар, ибо они уже гибнут!” (Пророк, да благословит его Аллах и приветствует,) сказал: “Для мудар? Ты смел!” И он обратился с мольбой и им был послан дождь. После этого (Аллах) ниспослал (аят, в котором сказано): но ведь вы вернётесь (к неверию)” (ад-Духан, 44:15)». Когда они отдохнули и набрались сил (после постигших их голода и засухи), они вернулись к своему (прежнему) состоянию,[1] и тогда Всемогущий и Великий Аллах ниспослал (аяты, в которых сказано): “В тот день, когда Мы схватим [вас] величайшей хваткой, Мы будем мстить” (ад-Духан, 44:16).
(Ибн Мас’уд сказал): «Имеется в виду день Бадра». См. также хадисы №№ 1007, 1020, 4693, 4767, 4774, 4809, 4820, 4822, 4823, 4824 и 4825. Этот хадис передал аль-Бухари (4821).
Также этот хадис передал Муслим (2798).
[1] То есть к многобожию.
شرح الحديث
في هذا الحديثِ يقول مَسْرُوقُ بنُ الأَجْدَعِ: «بينما رجلٌ يحدِّث في كِنْدَةَ» وهو موضعٌ بالكُوفَةِ، «فقال: يَجِيءُ دُخَانٌ يومَ القيامةِ، فيَأخُذُ بأَسْماعِ المنافقين وأبصارِهم، يَأخُذُ المؤمنَ كهَيْئةِ الزُّكَامِ»، وكان هذا الرجلُ يُفسِّر قولَه تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، فأَتَى مَسْرُوقٌ ابنَ مَسْعُودٍ رضِي اللهُ عنه وأَخْبَره بما قاله هذا الرجلُ، فغَضِب ابنُ مَسْعُودٍ رضِي اللهُ عنه، وكان مُتَّكِئًا، فجَلَس فقال: «مَن عَلِم فَلْيَقُلْ، ومَن لم يَعلَمْ فَلْيَقُلِ: اللهُ أعلمُ، فإنَّ مِن العِلم أنْ تقولَ لِمَا لا تعلمُ: لا أَعلمُ؛ فإنَّ اللهَ قال لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}»، أي: وما أنا مِن المتقوِّلِين الْقُرْآنَ من تِلْقَاءِ نَفسِي، أو المُتصنِّعِين الذين يَتحلَّوْنَ بما ليسوا مِن أَهلِه، المدَّعِين ما لَيسَ عِندَهم، ومقصودُ ابنِ مَسْعُودٍ رضِي اللهُ عنه: أنَّ القولَ بما لا يَعلمه المرءُ نوعٌ من التكلُّف المنهيِّ عنه، ثم ذَكَر ابنُ مَسْعُودٍ رضِي اللهُ عنه تفسيرَ الآيةِ وسببَ نزولها: وهو أنَّ قُرَيْشًا أَبْطَؤُوا- أي تأخَّروا- عن الدُّخولِ في الإسلامِ وعانَدوا، «فدَعَا عليهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عليهم بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ»، وهي التي أَخبَر اللهُ عنها في التنزيلِ بقوله: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ}، «فأخَذَتْهم سَنَةٌ» وهي الشِّدَّة والقَحْط «حتى هَلَكوا فيها، وأَكَلوا المَيْتة والعِظام، ويَرَى الرجلُ ما بين السَّماءِ والأرضِ كهيئةِ الدُّخَانِ» مِن ضَعْف بصرِه بسببِ الجُوع، «فجاءه أبو سُفْيَانَ فقال: يا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأمُرنا بصِلَة الرَّحِم، وإنَّ قَوْمَك قد هَلَكوا»، أي: مِن الجَدْب والجُوع بدُعائك عليهم، «فادْعُ الله» لهم أن يَكْشِفَ عنهم، فإنْ كَشَف آمَنُوا، «فقرأ صلَّى الله عليه وسلَّم: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قولِه: {عَائِدُونَ}»، أي: إلى الكُفرِ أو إلى العذابِ، فقال ابنُ مَسْعُودٍ رضِي اللهُ عنه: «أَفَيُكْشَفُ عنهم عذابُ الآخِرَةِ إذا جاء؟! ثم عَادُوا إلى كُفرهم»، أي: أنَّهم لَمَّا كُشِف عنهم هذا العذابُ عادوا إلى الكُفر، فانتَقم اللهُ تعالى منهم بيومِ بَدْرٍ، وهو المقصودُ في قولِه تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}، وهو ما حَدَث لهم يَوْمَ بَدْرٍ مِن القَتْل، و{لِزَامًا} يومَ بَدْرٍ، وهو ما أصابَهم فيه من الأَسْر، ويَعني ابنِ مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه: أنَّ الدُّخَانَ المذكورَ في الآيةِ لا يُمكن القولُ بأنَّه يكونُ يومَ القِيامةِ؛ لأنَّ اللهَ قال: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا}، وعذابُ الآخرةِ إذا جاء فإنَّه لا يُكشف؛ فهذا يُعضِّد ما ذَكَره رضِي اللهُ عنه مِن أنَّ المقصودَ هو ما كان يراه الرَّجُلُ مِن قُرَيشٍ بسَببِ الجوعِ.
ثم ذَكَر ابنُ مَسْعُودٍ رضِي اللهُ عنه قولَه تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ}، أي: غَلَبت فارسُ الرُّومَ، إلى قوله: {سَيَغْلِبُونَ}، أي: أنَّ الرُّومَ سيغلِبون فارسَ، فكأنَّه قصَدَ أنَّ تَتمَّةَ السِّياقِ فيها ذِكرُ قِصةِ الرُّومِ، وأنَّ هذا قد مَضَى؛ فكيف يكونُ هذا السِّياقُ يَحتملُ ما ذَكَره ذلك الرجُلُ- بغير عِلم- مِن أنَّ هذا الدُّخانَ المذكورَ في الآيةِ يكونُ يومَ القِيامةِ؟!
وفي الحديث: علمٌ من أَعْلام نُبُوَّةِ نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لِمَا فيه من الإخبارِ بالغَيْب، وقدْ تحقَّق ذلك.
[الأنصاري، زكريا]
2 — بَابُ {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11]
(باب) ساقط من نسخة. ({يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)}) أي: مؤلم.
4821 — حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا، لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا العِظَامَ، فَجَعَلَ
الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11] قَال: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ، قَال: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ» فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قَال: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
[انظر: 1007 — مسلم 2798 — فتح: 8/ 571]
(يحيى) أي: ابن موسى البلخي. (أبو معاوية) هو محمد بن خازم. (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران.
(إنك لجريء) أي: ذو جرأة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته.
(الرفاهية) أي: التوسع والراحة.
(1) سبق برقم (4767) كتاب: التفسير، باب: {فسوف يكون لزامًا}.
كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري
[القسطلاني]
2 — باب {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({يغشى الناس}) أي يحيط بهم الدخان ({هذا عذاب أليم}) [الدخان: 11] في محل نصب بالقول وذلك القول حال أي قائلين ذلك وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
4821 — حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ هَذَا لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 — 11] قَالَ: فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ»، فَاسْتَسْقَى، فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين (عن الأعمش) سليمان
بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود (إنما كان هذا) القحط والجهد اللذان أصابا قريشًا حتى رأوا بينهم وبين السماء كالدخان من شدة الجوع (لأن قريشًا لما استعصوا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حين أظهروا العصيان ولم يتركوا الشرك (دعا عليهم بسنين) قحط (كسني يوسف) الصديق عليه السلام المذكورة في سورته (فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام) زاد في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى والميتة (فجعل الرجل) منهم (ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد) من ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار (فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال) أي ابن مسعود (فأُتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقيل يا
رسول الله) والآتي هو أبو سفيان كما عند المؤلّف لكن في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فهذا أولى أن يفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي سفيان، فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن أسلم حينئذٍ ولأبي ذر فقيل يا رسول الله (استسق الله لمضر فإنها قد هلكت) من القحط والجهد قال في الفتح إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى مَن حولهم.
(قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لأبي سفيان أو لكعب بن مرة: أتأمرني أن أستسقي المضر)؟ مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به (إنك لجريء) أي ذو جراءة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته (فاستسقى) عليه الصلاة والسلام وزاد أبو ذر لهم (فسقوا) بضم السين والقاف (فنزلت {إنكم عائدون}) [الدخان: 15] أي إلى الكفر غب الكشف وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب (فلما أصابتهم الرفاهية) بتخفيف التحتية بعد الهاء المكسورة والذي في اليونينية أصابتهم بفوقية بعد الموحدة بعد التوسع والراحة (عادوا إلى حالهم) من الشرك (حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل ({يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون}) [الدخان: 16] (قال: يعني يوم بدر) ظرف ليوم.
كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري
[بدر الدين العيني]
2 — (بابٌ: {يَغْشَى النَّاسَ هاذَا عَذَابٌ ألِيمٌ} (الْفرْقَان: 11)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {يغشى النَّاس} ، وَلَيْسَ فِي عَامَّة النّسخ لفظ بَاب. قَوْله: (يغشى النَّاس) ، أَي: يُحِيط النَّاس يمْلَأ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يمْكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة أما الْمُؤمن فَيُصِيبهُ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام، وَأما الْكَافِر فَيصير كَالسَّكْرَانِ يخرج من مَنْخرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدبره. قَوْله: (هَذَا عَذَاب أَلِيم) ، أَي: يَقُول الله ذَلِك، وَقيل: يَقُوله النَّاس.
1284 — حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عَبْدِ الله إنَّمَا كَانَ هاذا لأنَّ قُرَيْشا لَمَّا اسْتَعْصوْا عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنيْ يُوصُفَ فأصابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أكَلُوا العِظامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَها كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجَهْدِ فأنْزَلَ الله تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (الدُّخان: 51) فَلَمَّا أصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إلَى حَالِهِمْ حِينَ أصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ فَأنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إنَّا مُنْتَقِمُونَ} قَالَ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: يغش النَّاس، وَيحيى هُوَ ابْن مُوسَى الْبَلْخِي، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَمُسلم هُوَ ابْن صبيح أَبُو الضُّحَى، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَقد ترْجم لهَذَا الحَدِيث ثَلَاث تراجم بعد هَذَا، وسَاق الحَدِيث بِعَيْنِه مطولا ومختصرا. وَقد مضى أَيْضا فِي الاسْتِسْقَاء وَفِي تَفْسِير الْفرْقَان
مُخْتَصرا، وَفِي تَفْسِير الرّوم وَفِي تَفْسِير صَاد مطولا.
قَوْله: (إِنَّمَا كَانَ هَذَا) ، يَعْنِي: الْقَحْط والجهد اللَّذين أصابا قُريْشًا حَتَّى رَأَوْا بَينهم وَبَين السَّمَاء كالدخان. قَوْله: (لما استعصوا) ، أَي: حِين أظهرُوا الْعِصْيَان وَلم يتْركُوا الشّرك. قَوْله: (كَسِنِي يُوسُف) ، وَهِي الَّتِي أخبر الله تَعَالَى عَنْهَا بقوله: {ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد} (يُوسُف: 84) . قَوْله: (فَأَصَابَهُمْ) ، تَفْسِير لما قبله، فَلذَلِك أَتَى بِالْفَاءِ. قَوْله: (جهد) ، بِالْفَتْح وَهُوَ الْمَشَقَّة الشَّديد. قَوْله: (فَأَنِّي) ، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، والآتي هُوَ أَبُو سُفْيَان وَكَانَ كَبِير مُضر فِي ذَلِك الْوَقْت. قَوْله: (قَالَ لمضر) أَي: لأبي سُفْيَان، وَأطلق عَلَيْهِ مُضر لكَونه كَبِيرهمْ وَالْعرب تَقول قتل قُرَيْش فلَانا يُرِيدُونَ بِهِ شخصا معينا مِنْهُم، وَكَثِيرًا يضيفون الْأَمر إِلَى الْقَبِيلَة وَالْأَمر فِي الْوَاقِع مُضَاف إِلَى وَاحِد مِنْهُم. قَوْله: (إِنَّك لجريء) أَي: ذُو جرْأَة حَيْثُ تشرك بِاللَّه وتطلب الرَّحْمَة مِنْهُ، وَإِذا كشف عَنْكُم الْعَذَاب إِنَّكُم عائدون إِلَى شرككم والإصرار عَلَيْهِ، قَوْله: (فسقوا) بِضَم السِّين وَالْقَاف على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (الرَّفَاهِيَة) ، يتخفيف الْفَاء وَكسر الْهَاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ التَّوَسُّع والراحة.