106 (1598) – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
« لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ » ، وَقَالَ: « هُمْ سَوَاءٌ » .
106 (1598) – Сообщается, что Джабир (да будет доволен им Аллах) сказал:
«Посланник Аллаха, да благословит его Аллах и приветствует, проклял ростовщика, того, кто берёт у него в долг, того, кто это записывает и обоих свидетелей (их сделки) и сказал: “Они (ничем) не отличаются (друг от друга)”». Этот хадис передал Муслим (1598).
Также этот хадис передал Ахмад (3/304). См. «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (5090).
___________________________________
Имам ан-Навави (да помилует его Аллах) сказал:
– Эти (слова) ясно указывают на запретность записи сделки между теми, кто занимается ростовщичеством, (на запрет) быть свидетелем для них, и указывает на запретность содействовать в ложном». См. «Шарх Сахих Муслим» (11/26).
Ас-Сан’ани (да помилует его Аллах) сказал:
– То есть он помолился за то, чтобы эти упомянутые (люди) были удалены от милости (Аллаха), что является указанием на грех, (совершаемый) этими (людьми), и на запретность того, чем они занимаются. Тот, кто берёт лихву выделен отдельно, потому что он получает от этого пользы больше всех, однако, другие считаются такими же, как он. Под тем, «кто берёт у него в долг» подразумевается тот, кто даёт лихву, так как тот получает лихву только от этого, и поэтому также впадает в этот грех. Грех же того, кто записывает (об их сделке) и тех двух, которые свидетельствует об этом, заключается в том, что они помогают совершать запретное, и это в том случае, если они делают это намеренно и знают о том, что это лихва/риба/. См. «Субулю-с-салям» (3/66).
شرح الحديث من شرح النووى على مسلم
[ سـ :3096 … بـ :1598]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ
قَوْلُهُ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمُبَايَعَةِ بَيْنَ الْمُتَرَابِينَ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا .
وَفِيهِ : تَحْرِيمُ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبَاطِلِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
شرح الحديث من فـــتح المــــنعم
عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه؟ وقال: هم سواء.
المعنى العام
الربا نوع من أنواع الاستغلال في المعاملة، وفيه قدر كبير من الضرر، وفيه سحت وأخذ زيادة بالباطل، وبدون مقابل، وفيه تسلط وتحكم أحد المتعاملين في الآخر، ومن هنا كان محرمًا في جميع الشرائع، واشتهر به اليهود قبل الإسلام، ونعاه عليهم الإسلام، فقال القرآن الكريم { { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا * وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل } } [النساء: 160، 161] وحينما اشتبه على الكفار الفرق بين البيع والربا قالوا: { { إنما البيع مثل الربا } } ورد الله عليهم بقوله { { وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } } [البقرة: 275] فبين أن المشرع الحكيم، الذي يعلم مصالح العباد حرم الربا، فعليكم أن تنتهوا عنه، علمتم الحكمة من تحريمه أم لم تعلموها، اقتنعتم بما وصلتم إليه من الحكم أم لم تقتنعوا، فقد جاءكم القرار والموعظة من ربكم، ومن لم ينته فليأذن بحرب من الله ورسوله.
وكان الربا معلومًا عند اليهود والعرب شائعًا في النقدين، الذهب والفضة مادة التعامل بين الناس، وكان في حقيقته كبيع ذهب عاجل بذهب آجل مع الزيادة، وكان من عليه دين بسبب البيع، أو بسبب القرض، أو بأي سبب آخر، إذا حل ميعاد الأداء فلم يستطع المدين الأداء اتفق مع الدائن على تأجيل الدفع مع الزيادة، وهو بهذا سم قاتل، مغلف بالعسل، يتلذذ المدين بأنه لم يدفع ويتلذذ الدائن بأنه يضاعف ويجمع بدون خسارة، وبدون جهد ولا مشقة، فيجد المدين نفسه وقد غرق ويجد الدائن نفسه كالجزار مع ذبيحته لا رحمة ولا شفقة ويمتلئ المجتمع بهذه المناظر الكريهة، قاتل ومقتول، مليء ومعدوم، متجبر وذليل ثم هذه المعاملة تصيب المجتمع بالتواكل والتكاسل وضعف الإنتاج.
جاء الإسلام بتحريم الربا المعهود في النقدين، وأضاف إليه الربا في الأقوات، والزيادة في تبادل المثيلين، البر بالبر ربًا إلا مثل بمثل، لا زيادة بين المتقابلين في الكيل ولا في الوزن، ويدًا بيد، لا تأجيل لبائع ولا لمشتر، نصت الشريعة على أنواع من الربا، البر والشعير والتمر والملح بالإضافة إلى النقدين وتركت لعلماء الأمة قياس ما عداها عليها إذا اجتمعت فيه علة التحريم وتوعدت الشريعة آكل الربا وموكله، آخذه ومعطيه، بل لعنت كاتبه وشاهديه لتسد منافذ شره، وتقطع دابر التعامل به، فتبارك الله أحكم الحاكمين.
المباحث العربية
( الربا) مقصور، من ربا يربو، فيكتب — حسب القواعد الإملائية — بالألف، وتثنيته ربوان، وأجاز الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء، لسبب كسرة الراء في أوله، وغلطهم البصريون، قال العلماء: وقد كتبوه في المصحف بالواو، قال الفراء: إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة، ولغتهم الربو فعلموهم صورة الخط على لغتهم، قال: وكذا قرأها أبو سماك العدوي بالواو، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة، بسبب كسرة الراء، وقرأ الباقون بالتفخيم، لفتحة الباء، قال: ويجوز كتبه بالألف والواو والياء.
وأصل الربا الزيادة، يقال: ربا الشيء، يربو، إذا زاد، وأربى الرجل عامل بالربا.
( إلا مثلاً بمثل) في الرواية الثالثة إلا وزنًا بوزن، مثلاً بمثل، سواء بسواء قال النووي: يحتمل أن يكون الجمع بين هذه الألفاظ توكيدًا ومبالغة في الإيضاح، اهـ.
وفي الرواية السادسة عينًا بعين.
( ولا تشفوا بعضها على بعض) تشفوا بضم التاء وكسر الشين، وتشديد الفاء، أي لا تفضلوا، والشف بكسر الشين يطلق أيضًا على النقصان، فهو من الأضداد، والمعنيان يصلحان.
أي لا تزيدوا بعضها على بعض، ولا تنقصوا بعضها عن بعض، يقال: شف الدرهم بفتح الشين، إذا زاد وإذا نقص، يشف بكسر الشين، وأشفه الرجل إذا زاده أو نقصه.
( ولا تبيعوا الورق بالورق) بفتح الواو، وكسر الراء وإسكانها على المشهور، ويجوز فتحها، وهو الفضة، وقيل: بكسر الواو المضروبة، وبفتحها المال، والمراد هنا جميع أنواع الفضة، مضروبة وغير مضروبة.
( ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز) المراد بالناجز الحاضر، وبالغائب المؤجل أو غير الحاضر، أي لا تبيعوا حالاً حاضرًا من الذهب بمؤجل منه، ولا بغائب عن مجلس العقد، ولو لم يكن مؤجلاً.
( إن أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقال: أثر الحديث يأثره أي نقله، وزنًا ومعنى، والإشارة إلى قضية كانت محور نقاش، وهي قضية صرف الذهب بالذهب، وصرف الفضة بالفضة، وكان ابن عمر يرخص بالتفاضل مع القبض، وكان الرجل يمنع التفاضل، واستند الرجل إلى أبي سعيد وحديثه.
( فذهب عبد اللَّه ونافع معه) لم يذكر في هذه الرواية أن الرجل الليثي ذهب معهما، وذكره في الرواية الثانية.
( إن هذا أخبرني أنك تخبر) الإشارة إلى الرجل الليثي.
( فأشار أبو سعيد بإصبعيه إلى عينيه وأذنيه) أي أشار بسبابة اليد اليمنى إلى عينه اليمنى، ثم إلى أذنه اليمنى، وأشار بسبابة اليد اليسرى إلى عينه اليسرى، ثم إلى أذنه اليسرى، والهدف من الإشارة وذكر السمع والبصر التأكيد والتوثيق.
( إلا يدًا بيد) أي مقابضة في المجلس، يسلم هذا بيده، ويسلم هذا بيده، وهو المراد بقوله في الرواية الخامسة إلا هاء وهاء.
( أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم؟) بيع النقد بمثله يسمى المراطلة، كبيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وقد يسمى صرفًا من كبير إلى صغير، وبيع الذهب بالفضة وعكسه يسمى صرفًا، وبيع العرض بالنقد، يسمى النقد ثمنًا، والعرض كالتمر يسمى عوضًا، وبيع العرض بالعرض كثوب بثوب يسمى مقايضة، والمراد هنا بيع الذهب بفضة، فقد كان مع مالك بن أوس بن الحدثان مائة دينار — كما جاء في رواية البخاري — يريد تحويلها إلى دراهم.
( أرنا ذهبك) في رواية البخاري فأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال.
( ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورقك) نعطك مجزوم في جواب الأمر، وفي رواية نعطيك بالرفع على الاستئناف، أي فنحن نعطيك، وفي رواية البخاري حتى يأتي خازني من الغابة.
( لتعطينه ورقه) أي في المجلس، ويتم التقابض يدًا بيد، أو لتردن إليه ذهبه.
( إلا هاء وهاء) بالمد فيهما، وفتح الهمزة، وقيل: بالكسر، وقيل: بالسكون، وحكي القصر بغير همز، وخطأها الخطابي، ورد عليه النووي، وقال: هي صحيحة، ولكن قليلة، والمعنى خذ وهات، وحكي هاك بزيادة كاف مكسورة، ويقال: هاء بكسر الهمزة، بمعنى هات، وبفتحها بمعنى خذ، بغير تنوين.
وقال ابن الأثير: هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء، فيعطيه ما في يده، كالحديث الآخر إلا يدًا بيد يعني مقابضة في المجلس، وقيل: معناه خذ واعط.
قال: وغير الخطابي يجيز فيها السكون، على حذف العوض، ويتنزل منزلة ها التي للتنبيه، وقال ابن مالك: ها اسم فعل، بمعنى خذ.
( في حلقة فيها مسلم بن يسار) أي في حلقة علم، ولعل مسلم بن يسار كان يحدثهم حتى يأتي شيخ الحلقة.
( حدث -أخانا — حديث عبادة) أخانا منادى.
( فمن زاد أو ازداد فقد أربى) أي فمن أعطى زيادة، أو أخذ زيادة فقد فعل الربا المحرم، فدافع الزيادة، وآخذها عاصيان مرابيان، وفي الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة فمن زاد أو استزاد.
( فرد الناس ما أخذوا) أعاد المشترون السلع، وأعاد البائعون المقابل.
( وإن رغم) بفتح الراء وكسر الغين وفتحها، أي وإن ذل معاوية، وصار كمن أنفه في التراب.
( إلا ما اختلفت ألوانه) أي أصنافه، كشعير بتمر، والاستثناء من مثلاً بمثل كما سيأتي.
( باع شريك لي ورقًا بنسيئة إلى الموسم) هذه صورة بيع فضة عاجلة مسلمة بذهب مؤجل، وهي المعروفة بالصرف، وشرطها كما سيأتي أن تكون يدًا بيد، فشريك باع نائبًا ووكيلاً عن أبي المنهال باع فضته وسلمها بذهب نسيئة.
( فجاء إلي) أي جاء شريك إلى أبي المنهال يخبره بالبيع، فقال له أبو المنهال: هذا بيع خطأ.
( فقال مثل ذلك) أي قال زيد مثل ما قال البراء ما كان يدًا بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا.
وفي الرواية الثالثة عشرة أن كلاً من زيد والبراء أحال أبا المنهال على الآخر، قبل أن يجيب، فلما رجع إلى كل منهما بعد الإحالة قال.
فقوله ثم قالا أي قال كل منهما القول السابق، وهذه الزيادة.
( دينًا) يعني مؤجلاً.
( كيف شئنا) ظاهره بدون مماثلة في الوزن، وبدون مقابضة في المجلس، ولهذا سأل الرجل، فلم يجد الجواب.
( اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا) قال النووي: هكذا هو في نسخ معتمدة قلادة باثني عشر دينارًا وفي كثير من النسخ قلادة فيها اثنا عشر دينارًا فأصلحها بعضهم، والصواب الأول.
( لا تباع حتى تفصل) بتشديد الصاد المفتوحة، أي تميز، ويعزل الذهب عن الخرز.
( نبايع اليهود: الوقية الذهب بالدينارين وثلاثة) الوقية بضم الواو، لغة قليلة، والأشهر الأوقية، بالهمز في أوله، قال النووي: يحتمل أن مراده كانوا يتبايعون الأوقية من ذهب وخرز وغيره بدينارين أو ثلاثة، وإلا فالأوقية وزن أربعين درهمًا، ومعلوم أن أحدًا لا يبتاع هذا القدر من ذهب خالص بدينارين أو ثلاثة، وكان هذا سبب مبايعة الصحابة على هذا الوجه، ظنوا جوازه، لاختلاط الذهب بغيره، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام، حتى يميز، ويباع الذهب بوزنه ذهبًا.
( فطارت لي ولأصحابي قلادة) أي حصلت لنا من الغنيمة.
( واجعل ذهبك في كفة) بكسر الكاف.
قال النووي: قال أهل اللغة: كفة الميزان وكل مستدير، بكسر الكاف، وكفة الثوب والصائد، وكذلك كل مستطيل، بضمها، وقيل بالوجهين فيهما معًا، اهـ، وكفة الصائد حبالته، وكفة الثوب ما استدار حول الذيل وجوانبه.
( إني أخاف أن يضارع) بكسر الراء، أي أن يشابه بعضه بعضًا، ويشارك بعضه بعضًا في الحكم، أي أن يكونا في معنى المتماثلين.
( فقدم بتمر جنيب) بفتح الجيم، وكسر النون، نوع من أعلى أنواع التمر.
( بالصاعين من الجمع) بفتح الجيم وسكون الميم، أي المجموع من البقايا ونوافل أنواع التمر، وهو من أردأ ما يباع من التمر، وفسره في الرواية الرابعة والعشرين بأنه الخلط من التمر بكسر الخاء وسكون اللام، أي المخلوط من أنواع مختلفة.
( وكذلك الميزان) أي لا يجوز التفاضل في الموزونات الربوية إذا اتحد جنسها، كما لم يجز التفاضل في المكيل.
( بتمر برني) بفتح الباء وسكون الراء، بعدها نون، ثم ياء مشددة، وهو نوع جيد من التمر معروف، أصفر مدور، وعند أحمد خير تمراتكم البرني، يذهب الداء، ولا داء فيه.
( لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية البخاري لنطعم بضم النون، وفي رواية ليطعم بفتح الياء وفتح العين، بينهما طاء ساكنة.
( أوه.
عين الربا) المراد بعين الربا نفس الربا، وكلمة أوه ذكرت هنا مرة واحدة، وفي البخاري ذكرت مرتين، وهي كلمة تقال عند التوجع والتحزن، وفيها لغات، أشهرها في الروايات أوه بفتح الهمزة، وواو مفتوحة مشددة، بعدها هاء ساكنة، وتقال بنصب الهاء منونة، ويقال أوه بإسكان الواو، وكسر الهاء، منونة وغير منونة، ويقال أوه بكسر الواو، وسكون الهاء، ويقال أو بحذف الهاء وتشديد الواو المكسورة المنونة، ويقال آه بمد الهمزة، وتنوين الهاء مكسورة، وساكنة، ومن العرب من يمد الهمزة، ويجعل بعدها واوين، ثم هاء آووه قيل: لتطويل الصوت بالشكاية، قال ابن التين: إنما تأوه صلى الله عليه وسلم ليكون أبلغ في الزجر، وقاله إما للتألم من هذا الفعل، وإما من سوء الفهم.
( إذا رابك من تمرك شيء فبعه) يقال راب الرجل يروب روبًا إذا تحير وفترت نفسه، ويقال: رابه الأمر، أي أوقعه في الظن والشك.
( فأنكرت ذلك لقولهما) أي أنكرت قول أبي سعيد، بسبب ما سمعته من قول ابن عمر وابن عباس.
( وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللون) أي هذا الصنف، وأشار إلى صنف رديء.
( فكرهه) أي فرجع عن فتواه الأولى، وكره ما أجازه.
( أرأيت هذا الذي تقول) أي أخبرني عن هذا الذي تقوله، وفي الرواية المتممة للثلاثين أرأيت قولك في الصرف والمراد من الصرف هنا صرف الدنانير بدنانير والدراهم بدراهم، الجنس بجنسه من كبير إلى صغير، كما هو واضح من الرواية السابعة والعشرين.
( كلا.
لا أقول) هكذا هو في النسخ التي بين يدي، في الرواية المتممة للثلاثين، ونقل الحافظ ابن حجر عن مسلم بلفظ كل ذلك لا أقول وهكذا رواه البخاري.
قال الحافظ: بنصب كل على أنه مفعول مقدم، وهو في المعنى نظير قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ذي اليدين كل ذلك لم يكن فالمنفي هو المجموع، اهـ.
( وأما كتاب اللَّه فلا أعلمه) أي لا أعلم هذا الحكم فيه، فالضمير يعود على الحكم، وليس على كتاب اللَّه.
فقه الحديث
أجمع المسلمون على تحريم الربا، وعلى أنه من الكبائر، وحكى الماوردي أنه كان محرمًا في جميع الشرائع.
والقرآن الكريم صريح في أن اليهود أكلوه وهو محرم عليهم، إذ يقول { { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا * وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليمًا } } [النساء: 160، 161] .
والأصل في تحريمه قوله تعالى { { وأحل الله البيع وحرم الربا } } [البقرة: 275] وقوله تعالى { { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } } [البقرة: 275] وقوله تعالى { { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } } [البقرة: 278، 279] .
وقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله آكل الربا وموكله… الحديث روايتنا الواحدة والثلاثون، والثانية والثلاثون.
وكان الربا في الجاهلية يوم نزلت هذه الآيات الزيادة في المال بزيادة الأجل، وكان أحدهم إذا حل أجل دينه، ولم يوفه الغريم أضعف له المال، وأضعف الأجل، ثم يفعل كذلك عند الأجل الآخر، وهو معنى قوله تعالى { { لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة } } [آل عمران: 130] فكان قوله تعالى { { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } } مبينًا المراد من التحريم، وهو الزيادة مطلقًا على رأس المال، وجاءت السنة، فبينت وأضافت الأصناف الواردة في هذه الأحاديث على ما كان معهودًا من الربا.
والخلاف بين العلماء — بعد إجماعهم على تحريم ما نصت عليه السنة — في هل السنة مفسرة للمجمل؟ وكل ما جاءت به السنة من أحكام الربا بيان لمجمل القرآن؟ نقدًا، أو نسيئة؟ أم ما جاءت به السنة أحكام زائدة، مضافة إلى ما جاء به القرآن؟ ثم هل يقاس على ما جاءت به السنة ما في معناه؟ أو يلتزم فقط بما نصت عليه السنة؟ ثم هل التعامل بالربا حرام مع المحاربين وفي دار الحرب؟ أو حرمته خاصة بدار الإسلام ومع غير المحاربين؟ وسيأتي قريبًا تفصيل هذا الخلاف.
والعجيب أن بعض الجهلة المتحللين المغرضين يحاولون تحليل الربا بتغيير اسمه، ظنًا منهم أن تغيير الاسم يغير المسمى، فيطلقون على المعاملات الربوية للبنوك في هذه الأيام إطلاقات من خيالهم، وواقع هذه المعاملة أن يودع شخص في البنك مبلغًا، ويتفق مع البنك على أخذ زيادة عن المبلغ بنسبة معينة كل شهر أو كل عام، ويقوم البنك بإقراض هذه المبالغ لآخرين بزيادة أكثر، يستفيد البنك من هذا الفرق.
مرة يطلقون عليه إنه ليس من ربا الجاهلية، لأن ربا الجاهلية كان دينًا لا زيادة فيه في العام الأول، وتبدأ الزيادة بعد حلول الأجل، وهذه التفرقة لا يقبلها عاقل، إذ كيف تحرم الزيادة التي تحدث بعد عام؟ ولا تحرم الزيادة التي تبدأ من اليوم؟ ومرة يقولون: إن ما يأخذه البنك ليس دينًا، لأن المودع يعطي البنك باختياره، ويرد البنك بنفسه هذا القول، إذ يكتب في دفاتره وفي أوراقه المتعامل بها بين الطرفين ( دائن ومدين) ثم إذا جاز هذا بالنسبة للمودع، فماذا يقولون للمقترض من البنك؟
ومرة يقولون: إن علة تحريم الربا استغلال حاجة المحتاج، وليس في معاملة البنوك استغلال حاجة المحتاج، وهو قول ظاهر البطلان، فالمودع محتاج للإيداع، والمقترض محتاج للقرض، والبنك محتاج لكل منهما، وإلا لما قام، والكل يستغل حاجة المحتاج، ومرة يقولون: إنها شركة ومضاربة، وإن فقدت الصيغة الشرعية، والرد عليهم أن الشركة أو المضاربة تقوم على تحمل المكسب والخسارة، والمودع في البنك لا يتحمل الخسارة، ثم ماذا يقولون حين إقراض البنك هذه المبالغ لمحتاج ينفقها في حلال أو حرام؟ هل البنك يكون مشاركًا للمقترض في مشاريعه؟ ربحت أو خسرت؟ ومرة يقولون: إنها معاملة حديثة، لم تكن موجودة، فلا يحكم عليها بالتحريم، ولا بالربا، وهذا أعجب مما مضى، فهو يشبه قولنا: أنا لم أكن موجودًا، فلا يسري علي حكم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ذكرت هذه الشبهات والرد عليها لأنها مثارة في مصر في هذه الأيام.
والله الهادي سواء السبيل.
والأعيان التي نصت الأحاديث على تحريم الربا فيها هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، قال النووي في المجموع: أجمع المسلمون على تحريم الربا في هذه الأعيان الستة، المنصوص عليها، واختلفوا فيما سواها، فقال داود الظاهري وسائر أهل الظاهر والشيعة والفاساني وسائر ثقات الناس: لا تحريم في الربا في غيرها، وحكاه صاحب الحاوي عن طاووس ومسروق والشعبي وقتادة وعثمان البتي.
وقال سائر العلماء: لا يتوقف تحريم الربا عليها، بل يتعداها إلى ما في معناها، وهو ما وجدت فيه العلة التي هي سبب التحريم، واختلفوا فيها.
فأما الذهب والفضة: فالعلة عند الشافعي فيهما كونهما جنس الأثمان غالبًا — وقوله غالبًا احتراز عن الفلوس لو راجت، وصارت أثمانًا، وهذه العلة قاصرة على الذهب والفضة، ويدخل فيها الأواني والتبر وغير ذلك.
وقال أبو حنيفة: العلة فيها الوزن في جنس واحد، فألحق بها كل موزن، كالحديد والنحاس والرصاص والقطن والكتان والصوف وكل ما يوزن في العادة، لكنه قال: إن المضروب من النحاس والحديد والرصاص لا ربا فيه، بل يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً، وإنما الربا في هذه الأصناف في التبر منها [أي الخام] ، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية المتممة للعشرين وكذلك الميزان وأجاب الشافعية عن الحديث بأجوبة، منها جواب البيهقي، قال: قد قيل: إن قوله وكذلك الميزان من كلام أبي سعيد الخدري، موقوف عليه فلا يستدل به، الثاني جواب القاضي أبي الطيب وآخرين، أن ظاهر الحديث غير مراد، فإن الميزان نفسه [الآلة] لا ربا فيه فأرادوا به الموزون، وأرادوا شموله وعمومه لكل موزون، وهذه الدعوى غير صحيحة وغير مقبولة: أنه يحمل الموزون على الذهب والفضة، جمعًا بين الأدلة.
وأما الأعيان الأربع فالعلة فيها عند الشافعي في الجديد وهو مذهب أحمد وابن المنذر، أنها مطعومة بدليل الرواية التاسعة عشرة، وفيها الطعام بالطعام مثلاً بمثل والطعام اسم لكل ما يطعم، فعلى هذا يحرم الربا في كل ما يطعم من الأقوات والأدام والحلاوات والفواكه والأدوية.
وعند الشافعي في القديم: العلة فيها أنها مطعومة مكيلة، أو مطعومة موزونة، فلا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن، فنفاه عن كل ما لا يؤكل ولا يشرب، وعما يؤكل أو يشرب لكنه لا يكال ولا يوزن.
والعلة عند أبي حنيفة: كونه مكيل جنس، فحرم الربا في كل مكيل وإن لم يؤكل كالجص، ونفاه عما لا يكال ولا يوزن، وإن كان مأكولاً.
والعلة عند مالك: كونه مقتاتًا مدخر جنس، فحرم الربا في كل ما كان قوتًا مدخرًا، ونفاه عما ليس بقوت كالفواكه، وعما هو قوت لا يدخر كاللحم: والعلة عند ابن سيرين وبعض الشافعية: الجنسية، فحرموا الربا في كل شيء بيع بجنسه، كالتراب بالتراب متفاضلاً، والثوب بالثوبين، والشاة بالشاتين.
والعلة عند ربيعة: كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، فحرم الربا في كل جنس تجب فيه الزكاة من المواشي والزروع وغيرها، ونفاه عما لا زكاة فيه.
وهناك أقوال أخرى في العلة وما تنطبق عليه، في ذكرها طول لا يناسب المقام.
أحوال بيع الربوي وأحكامه:
لبيع الربوي ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يبيعه بجنسه، فيحرم فيه ثلاثة أشياء التفاضل، والنساء، والتفرق قبل التقابض، وهو صريح الأحاديث مثلاً بمثل، يدًا بيد وظاهر الرواية السابعة والعشرين والروايات الثلاث بعدها أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما كانا أولاً يعتقدان أنه لا ربا فيما كان يدًا بيد، وأنه يجوز بيع درهم بدرهمين، ودينار بدينارين، وصاع تمر بصاعين من التمر، وكذا الحنطة، وسائر الربويات، كانا يريان جواز بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً وأن الربا لا يحرم في شيء من الأشياء إلا إذا كان نسيئة، وهذا معنى قوله في الرواية الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين أنه سألهما عن الصرف، فلم يريا به بأسًا، يعني الصرف متفاضلاً، كدرهم بدرهمين، وكان معتمدهما حديث أسامة بن زيد — روايتنا الثامنة والعشرين — إنما الربا في النسيئة ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً، حين بلغهما حديث أبي سعيد، وقد جاء رجوعهما عن ذلك صريحًا في روايتنا السادسة والعشرين، قال النووي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدل على ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه، وأما حديث أسامة فقد قال قائلون بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه، وتأوله آخرون بأنه محمول على غير الربويات، كبيع الدين بالدين مؤجلاً، أو أنه محمول على الأجناس المختلفة، أو أنه مجمل، وحديث عبادة وأبي سعيد الخدري وغيرهما مبين، فوجب العمل بالمبين، وتنزيل المجمل عليه.
اهـ.
ثانيها: أن يبيعه جنسه، لكن بما يجمعهما علة واحدة، كالذهب بالفضة، وكالحنطة بالشعير أو بالتمر أو بالملح، فيجوز التفاضل، ويحرم النساء والتفرق قبل التقابض، لقوله في الرواية السابعة فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد وقوله في الرواية الثانية عشرة ما كان يدًا بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا وقولهما في الرواية الثالثة عشرة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالذهب دينًا وموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحديثه في الرواية الخامسة واضح في ذلك وصريح، قال النووي: وجوز إسماعيل بن علية التفرق عند اختلاف الجنس، وهو محجوج بالأحاديث والإجماع ولعله لم يبلغه الحديث، فلو بلغه لما خالفه.
اهـ.
ثالثها: أن يبيعه بغير جنسه، مما لا يجمعهما علة واحدة، كالقمح بالذهب، فيجوز التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض.
ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم
1- من قوله لا تبيعوا الذهب بالذهب… إلخ أخذ العلماء أنه يتناول جميع أنواع الذهب والورق، من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلي وتبر، وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره، قال النووي: وهذا كله مجمع عليه.
2- وأنه يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة والعبد والمكاتب بالإجماع.
3- وظاهر التعميم أنه لا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حرامًا في دار الإسلام كان حرامًا في دار الحرب، سواء جرى بين مسلمين، أو مسلم وحربي، وسواء دخلها المسلم بأمان أم بغيره.
قال النووي في المجموع: هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وأحمد وأبو يوسف والجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يحرم الربا في دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب، ولا بين مسلمين لم يهاجرا منها، واحتج له بحديث لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب ولأن أموال أهل الحرب مباحة بغير عقد، فالعقد الفاسد أولى.
واحتج الجمهور بعموم القرآن والسنة وأجابوا عن الحديث المذكور بأنه ضعيف.
4- واستدل أصحاب مالك بالرواية الخامسة، وأنه لم يصح البيع مع انتظار الخادم، على أنه يشترط التقابض عقب العقد، حتى لو أخره عن العقد، وقبض في المجلس لا يصح عندهم، والجمهور يقول بصحة القبض في المجلس، وإن تأخر عن العقد يومًا أو أيامًا ما لم يتفرقا.
وليس في هذا الحديث حجة لأصحاب مالك، لأنه يحتمل أن طلحة قال ذلك ظانا جوازه، ولم يكن بلغه حكم المسألة، فأبلغه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة.
5- قال ابن عبد البر: وفي هذا الحديث أن الكبير يلي البيع والشراء لنفسه، وإن كان له وكلاء وأعوان يكفونه.
6- ومن قوله أرنا ذهبك وفي رواية البخاري فتراضيا جواز المماكسة في البيع، وتقليب السلعة، وفائدته الأمن من الغبن.
7- وأن من العلم ما قد يخفى على الرجل الكبير، حتى يذكره غيره.
8- وأن الإمام إذا سمع أو رأى شيئًا لا يجوز، ينهى عنه، ويرشد إلى الحق، ويتفقد أحوال الرعية.
9- وأن من أفتى بحكم، حسن أن يذكر دليله.
10- وفي حلف عمر رضي الله عنه جواز اليمين لتأكيد الخبر.
11- وفيه الحجة بخبر الواحد.
12- وأن الحجة على من خالف في حكم من الأحكام التي في كتاب الله أو في حديث رسوله.
13- وفي قوله البر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعيير ربا إلا هاء وهاء.
دليل ظاهر على أن البر والشعير صنفان، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة والثوري وفقهاء المحدثين وآخرين، وقال مالك والليث والأوزاعي ومعظم علماء المدينة والشام من المتقدمين: إنهما صنف واحد، وهو محكي عن عمر وسعيد وغيرهما من السلف رضي الله عنهم، واستدلوا بقوله الطعام بالطعام مثلاً بمثل في روايتنا التاسعة عشرة، فقالوا: لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً.
واحتج الشافعي والجمهور بما سبق، وقالوا: يجوز التفاضل بينهما كالحنطة والأرز.
واتفقوا على أن الدخن صنف، والذرة صنف، والأرز صنف، إلا الليث وابن وهب، فقالا: هذه الثلاثة صنف واحد.
14- وفي الرواية السادسة، من قوله فرد الناس ما أخذوا دليل على أن البيع المذكور باطل.
15- وفي موقف عبادة بن الصامت رضي الله عنه الاهتمام بتبليغ السنن، ونشر العلم، وإن كرهه من كرهه.
16- وفيه القول بالحق، وإن كان المقول له كبيرًا.
17- وأخذ بعضهم من قوله الآخذ والمعطي فيه سواء في الرواية الثامنة مساواتهما في الإثم، والتحقيق أن المراد أنهما سواء في أصل الإثم، لا في مقداره.
18- ومن الرواية الثانية عشرة من قوله باع شريك لي ورقًا بنسيئة إلى الموسم استنبط البخاري الاشتراك في الذهب والفضة.
قال ابن بطال: أجمعوا على أن الشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد مثل ما أخرج صاحبه، ثم يخلطا ذلك، حتى لا يتميز، ثم ينصرفا جميعًا، إلا أن يقيم كل واحد منهما الآخر مقام نفسه، وأجمعوا على أن الشركة بالدراهم والدنانير جائزة، لكن اختلفوا إذا كانت الدنانير من أحدهما، والدراهم من الآخر، فمنعه الشافعي ومالك في المشهور عنه والكوفيون إلا الثوري، وزاد الشافعي أيضًا أن لا تختلف الصفة، كالصحاح والمكسرة.
19- ومن الرواية الثانية عشرة والثالثة عشرة ما كان عليه الصحابة من التواضع، وإنصاف بعضهم بعضًا، ومعرفة أحدهم حق الآخر.
20- واستظهار العالم في الفتيا بنظيره في العلم.
21- وفي حديث فضالة، روايتنا الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره، بذهب، حتى يفصل، فيباع الذهب بوزنه ذهبًا، ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة، وكذا سائر الربويات، بل لا بد من فصلها، قال النووي: وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيرهم، المعروفة بمسألة مد عجوة وصورتها بيع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة، أو بدرهمين، وهو لا يجوز لهذا الحديث، وهو منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنه وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحق ومحمد بن الحكم المالكي، وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح: يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الذهب، ولا يجوز بمثله، ولا بدونه، وقال مالك وأصحابه وآخرون: يجوز بيع السيف المحلى بذهب، يجوز بيعه بذهب إذا كان الذهب في المبيع تابعًا لغيره، وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه، وقال حماد بن أبي سليمان: يجوز بيعه بالذهب مطلقًا، سواء باعه بمثله من الذهب أو أقل منه، أو أكثر.
وهذا غلط مخالف لصريح الحديث.
واحتج أصحابنا بحديث القلادة، وأجابت الحنفية بأن الذهب كان فيها أكثر من اثنى عشر دينارًا، واشتراها باثني عشر دينارًا، قالوا: ونحن لا نجيز هذا، وإنما نجيز البيع إذا باعها بذهب أكثر مما فيها، فيكون ما زاد من الذهب المنفرد في مقابلة الخرز ونحوه، مما هو مع الذهب المبيع، فيصير كعقدين، وأجاب الطحاوي بأنه إنما نهي عنه لأنه كان في بيع الغنائم، لئلا يغبن المسلمون في بيعها.
قال النووي: قال أصحابنا: وهذان الجوابان ضعيفان، لا سيما جواب الطحاوي، فإنه دعوى مجردة.
قال أصحابنا: ودليل صحة قولنا، وفساد التأويلين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يباع حتى يفصل وهذا صريح في اشتراط فصل أحدهما عن الآخر في البيع، وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع قليلاً أو كثيرًا، وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها.
22- ومن الرواية المتممة للعشرين، من قوله بيعوا هذا، واشتروا بثمنه من هذا أخذ الشافعية وموافقوهم أن العينة ليست بحرام، وهي الحيلة التي يعملها بعض الناس، توصلاً إلى مقصود الربا، بأن يريد أن يعطيه مائة درهم بمائتين، فيبيعه ثوبًا بمائتين، ثم يشتريه منه بمائة، قال النووي: وموضع الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بيعوا هذا، واشتروا بثمنه من هذا ولم يفرق بين أن يشتري من المشتري، أو من غيره، فدل على أنه لا فرق، وهذا كله ليس بحرام عند الشافعي وآخرين، وقال مالك وأحمد: هو حرام.
23- وفي قوله هذا الربا.
فردوه في الرواية الثالثة والعشرين، دليل على أن المقبوض ببيع فاسد يجب رده على بائعه، وإذا رده استرد الثمن، قال النووي: فإن قيل: فلم لم يذكر في الحديث السابق ( روايتنا المتممة للعشرين والواحدة والعشرين والثانية والعشرين) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برده؟ فالجواب: أن الظاهر أنها قضية واحدة، وأمر فيها برده، فبعض الرواة حفظ ذلك، وبعضهم لم يحفظه، فقبلنا زيادة الثقة، ولو ثبت أنهما قضيتان لحملت الأولى على أنه أيضًا أمر به، وإن لم يبلغنا ذلك، ولو ثبت أنه لم يأمر به، مع أنهما قضيتان لحملناها على أنه جهل بائعه، ولا يمكن معرفته، فصار مالاً ضائعًا لمن عليه دين بقيمته، وهو الثمن الذي قبضه عوضًا، فلا إشكال في الحديث.
24- وفي قصة أبي سعيد مع ابن عمر وابن عباس أن العالم يناظر العالم، ويوقفه على معنى قوله، ويرده من الاختلاف إلى الاجتماع، ويحتج عليه بالأدلة.
25- وفيه إقرار الصغير للكبير بفضل التقدم.
26- وفي الرواية الواحدة والثلاثين والثانية والثلاثين تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين، والشهادة عليهما.
27- وفيهما تحريم الإعانة على الباطل.
واللَّه أعلم