147 – حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:
دَخَلَ أَعْرَابِىٌّ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- جَالِسٌ فَصَلَّى فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَمُحَمَّدًا وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فَقَالَ: « لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ». فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: « أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ أَوْ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ ». ثُمَّ قَالَ:
« إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ».
قال الشيخ الألباني : صحيح
147 – Сообщается, что Абу Хурайра (да будет доволен им Аллах) сказал:
«(Однажды) какой-то бедуин зашёл в мечеть, а в это время Пророк, да благословит его Аллах и приветствует, сидел (там). Он[1] совершил молитву,[2] а когда завершил (её), сказал: “О Аллах, помилуй меня и Мухаммада и никого не милуй с нами!” Пророк, да благословит его Аллах и приветствует, повернулся к нему и сказал: “Поистине, ты лишаешь (людей милости Аллаха, которая) обширна![3]” Чуть погодя, (этот бедуин отошёл в сторону) и начал мочиться в мечети, а люди устремились к нему[4], (чтобы остановить его), но Пророк, да благословит его Аллах и приветствует, (запретил им мешать ему) и сказал: “Налейте на это (место) ведро (или он сказал[5]: … бадью) воды”, после чего (Пророк, да благословит его Аллах и приветствует,) сказал: “Поистине, вы посланы для того, чтобы облегчать, а не для того, чтобы создавать затруднения[6]”». Этот хадис передал ат-Тирмизи (147).
Также этот хадис передали аш-Шафи’и (1/25), Ахмад (2/239, 282), аль-Бухари (220), Муслим (284), Абу Дауд (380), ан-Насаи (3/14), Ибн Маджах (528), Ибн Хузайма (298), Ибн Хиббан (985), аль-Байхакъи (2/428), аль-Хумайди (938), Ибн аль-Джаруд (141), Абу Я’ля (5876), аль-Багъави (291).
Шейх аль-Албани назвал хадис достоверным. См. «Сахих ат-Тирмизи» (147), «Сахих аль-Джами’ ас-сагъир» (2350), «Сахих ат-Таргъиб ва-т-тархиб» (2673), «Ирвауль-гъалиль» (171), «Мишкатуль-масабих» (491).
[1] То есть этот бедуин.
[2]В версии Абу Дауда сказано, что он совершил молитву в два рак’ата.
[3] Ибн Асир (1/342) сказал: «То есть ты сузил то, что сделал общирным Аллах и выделил себя, оставив других.
[4] Ас-Синди сказал: «То есть для того, чтобы помешать ему мочиться там». См. «Тахридж аль-Муснад» (12/198).
[5] Здесь это сомнение передатчика.
[6] Иными словами, для того, чтобы способствовать скорейшему постижению людьми установлений Ислама, а не для того, чтобы отталкивать людей от этой религии.
شرح الحديث
التَّيسيرُ ورَفْعُ الحرَجِ مِن مَحاسنِ شَريعةِ الإسلامِ، وقدْ ظهَر جليًّا في حياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه أنَّه «دخَل أعرابيٌّ المسجِدَ»، أي: مسجِدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأعرابيُّ هو الَّذي يَسكُنُ الصَّحراءَ مِن العرَبِ، «والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ جالِسٌ»، أي: بالمسجدِ، «فصلَّى»، أي: الأعرابيُّ، «فلَمَّا فرَغ»، أي: انتَهى مِن صَلاتِه، «قال: اللَّهمَّ ارحَمْني ومحمَّدًا، ولا تَرْحَمْ معَنا أحدًا»، أي: يَطلُبُ في دعائِه الرَّحمةَ لنَفسِه وللنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويَمنَعُها عن باقي المسلِمين، «فالْتفَتَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم»، وذلك لِتَعجُّبِه مِن دُعاءِ الأعرابيِّ، فقال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: «لقد تَحجَّرتَ واسِعًا»، أي: منَعتَ وضيَّقتَ أمرًا جعَل اللهُ فيه السَّعةَ، ألَا وهو رحمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ الَّتي تشمَلُ كلَّ عبادِه الموحِّدين، والحَجْرُ: المنعُ، قال أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: «فلم يَلبَثْ»، أي: فلم يَمكُثِ الرَّجلُ قليلًا، «أنْ بال في المسجِدِ، فأسرَع إليه النَّاسُ»، أي: لِيَمنَعوه ويَزجُروه عمَّا فعَل، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: «أَهْريقوا عليه»، أي: صُبُّوا على بولِه، «سَجْلًا من ماءٍ- أو دَلْوًا مِن ماءٍ-«، والسَّجْلُ بمعنى الدَّلوِ، وهو وِعاءٌ كَبيرٌ للماءِ، ثمَّ قال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: «إنَّما بُعِثتُم مُيسِّرين ولم تُبعَثوا مُعسِّرين»، أي: يَحثُّهم ويُرشِدُهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى أَصلٍ عَظيمٍ في دَعوتِهم وهو التَّيسيرُ بما رخَّص فيه الشَّارِعُ لا التَّساهلُ الَّذي تُنتهَكُ فيه حُرماتُ اللهِ عزَّ وجلَّ على وجهِ القَصدِ لا الخطَأِ، وأنَّهم لا يَدْعون إلى التَّشديدِ على النَّاسِ فيما رَخَّص اللهُ فيه وفيما له حُلولٌ شرعيَّةٌ.
شرح الحديث من تحفة الاحوذي
قَوْلُهُ ( دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي وَوَقَعَتِ النِّسْبَةُ إِلَى الْجَمْعِ دُونَ الْوَاحِدِ فَقِيلَ أَعْرَابِيٌّ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْقَبِيلَةِ كَأَنَّهَا وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ نُسِبَ إِلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ عَرَبٌ لَقِيلَ عَرَبِيٌّ فَيُشْتَبَهُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعَرَبِيَّ كُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا فِي الْبَادِيَةِ أَوْ بِالْقُرَى وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَدْ جَاءَ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ وَتَعْيِينِهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَمْ أَرَ فِي هَذَا رِوَايَةً صَحِيحَةً خَالِيَةً عَنِ الْكَلَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَتَى السَّاعَةُ فَقَالَ لَهُ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا فَقَالَ لَا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَاصِيَامٍ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ فأنت مع من أحببت قال فذهب الشيخ فَأَخَذَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَقَامُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَوْهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَصَبُّوا عَلَى بَوْلِهِ الْمَاءَ فَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ المشهود له بالجنة انتهى كلام بن الْعَرَبِيِّ قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ الْمُعَلَّى الْمَالِكِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ الْمُعَلَّى مَجْهُولٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَكَى أَبُو بَكْرٍ التَّارِيخِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ وَأَخْرَجَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ اطَّلَعَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ وَكَانَ رَجُلًا جَافِيًا وَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا مُبْهَمٌ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ الذَّهَبِيِّ عَنْهُ وَهُوَ فِي جَمْعِ مسندا بن إِسْحَاقَ لِأَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِيِّينَ عَنْهُ بِهَذَا السَّنَدِ لَكِنْ قَالَ فِي أَوَّلِهِ اطَّلَعَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ وَكَانَ جَافِيًا وَالتَّمِيمِيُّ هو حرقوس بْنُ زُهَيْرٍ الَّذِي صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ رؤوس الْخَوَارِجِ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَانِيِّ لَكِنْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ فَارِسٍ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .
قَوْلُهُ ( لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مِنْ بَابِ تَفَعَّلَ أَيْ ضَيَّقْتَ مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ وَخَصَصْتَ بِهِ نَفْسَكَ دُونَ غَيْرِكَ وَأَصْلُ الْحَجْرِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ ( فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَزَجَرَهُ النَّاسُ وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ الصَّحَابَةُ مَهْ مَهْ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ ( أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ) أَيْ صُبُّوا عَلَيْهِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَمْرٌ مِنْ أهراق يهريق بسكون الهاء إهراقا نحوا سطاعا وَأَصْلُهُ أَرَاقَ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً ثُمَّ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ ذَهَابِ حَرَكَةِ الْعَيْنِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْهَمْزَةُ أَيْ صُبُّوا ( سَجْلًا) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الجيم الدلو الملآى ماء ( أودلوا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ السَّجْلُ الدَّلْوُ وَالدَّلْوُ مُؤَنَّثَةٌ وَالسَّجْلُ مُذَكَّرٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ فَلَيْسَتْ بِسَجْلٍ كَمَا أَنَّ الْقَدَحَ لَا يُقَالُ لَهُ كَأْسٌ إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ دَلْوٌ سَجِيلَةٌ أَيْ ضَخْمَةٌ وَكَذَلِكَ الذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمَلْأَى مَاءً مِثْلُهُ وَلَكِنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ وَالْغَرْبُ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فَإِنْ فَتَحْتَهَا فَهُوَ الْمَاءُ السَّائِلُ مِنَ الْبِئْرِ وَالْحَوْضِ وَغَيْرِ ذلك أيضا انتهىقلت وقال بن دُرَيْدٍ السَّجْلُ دَلْوٌ وَاسِعَةٌ وَفِي الصِّحَاحِ الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 688 ج 1 فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ اعْتِبَارُ الْأَدَاءِ بِاللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ اشتراطه وأن المعنى كاف ويحمل ها هنا عَلَى الشَّكِّ وَلَا مَعْنَى لِلتَّنْوِيعِ وَلَا لِلتَّخْيِيرِ وَلَا لِلْعَطْفِ فَلَوْ كَانَ الرَّاوِي يَرَى جَوَازَ الرواية بالمعنى لا قتصر عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَمَّا تَرَدَّدَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الدَّلْوِ وَالسَّجْلِ وَهُمَا بِمَعْنًى عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ التَّرَدُّدَ لِمُوَافَقَةِ اللَّفْظِ قَالَهُ الْحَافِظُ الْقُشَيْرِيُّ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا أَنْ لَوِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى فِي السَّجْلِ وَالدَّلْوِ لُغَةً لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّحِدٍ فَالسَّجْلُ الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ الْمَمْلُوءَةُ وَلَا يُقَالُ لَهَا فَارِغَةً سَجْلٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ ( إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ) أَيْ مُسَهِّلِينَ على الناس قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَطْهِيرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ بِالْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنَ الْمَكَانِ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَذُكِرَ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَلَكِنَّهُ تُكُلِّمَ فِيهِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ نَقْلُ التُّرَابِ وَاجِبًا فِي التَّطْهِيرِ لَاكْتُفِيَ بِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِصَبِّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةَ تَكْلِيفٍ وَتَعَبٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ
شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر
( قَولُهُ بَابُ صَبِّ الْمَاءِ)
[ قــ :216 … غــ :220] أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ كَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَدَلَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَانِ .
قَوْلُهُ قَامَ أَعْرَابِي زَاد بن عُيَيْنَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ صَلَّى ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ سَتَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مُفْرَدَةً فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقد روى بن ماجة وبن حِبَّانَ الْحَدِيثَ تَامًّا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا رَوَاهُ بن مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ اطَّلَعَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ وَكَانَ رَجُلًا جَافِيًا فَذَكَرَهُ تَامًّا بِمَعْنَاهُ وَزِيَادَةً وَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا مُبْهَمٌ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَصَم عَن أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي عَن أَحْمَدِ بْنِ خَالِدٍ الذَّهَبِيِّ عَنْهُ وَهُوَ فِي جمع مُسْند بن إِسْحَاقَ لِأَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِيِّينَ عَنْهُ بِهَذَا السَّنَدِ لَكِنْ قَالَ فِي أَوَّلِهِ اطَّلَعَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ وَكَانَ جَافِيًا وَالتَّمِيمِيُّ هُوَ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ الَّذِي صَارَ بَعْدَ ذَلِك من رُؤُوس الْخَوَارِجِ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَانِيِّ لَكِنْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ تَسْمِيَةُ الْأَعْرَابِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ التَّارِيخِيِّ إِنَّهُ الْأَقْرَعُ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ فَارِسٍ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ أَيْ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ فَقَامُوا إِلَيْهِ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فَأَرَادَ أَصْحَابُهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ فِي هَذَا الْبَابِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَانَ شَيْخِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ بِلَفْظِ فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ وَكَذَا لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق بن الْمُبَارَكِ فَظَهَرَ أَنَّ تَنَاوُلَهُ كَانَ بِالْأَلْسِنَةِ لَا بِالْأَيْدِي وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ الصَّحَابَةُ مَهْ مَهْ .
قَوْلُهُ وَهَرِيقُوا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ وَأَهْرِيقُوا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهَا فِي بَابِ الْغُسْلِ فِي الْمُخَضَّبِ .
قَوْلُهُ سَجْلًا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ هُوَ الدَّلْوُ مَلْأَى وَلَا يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ وَهِي فارغة.
وَقَالَ بن دُرَيْدٍ السَّجْلُّ دَلْوٌ وَاسِعَةٌ وَفِي الصِّحَاحِ الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ .
قَوْلُهُ أَوْ ذَنُوبًا قَالَ الْخَلِيلُ الدَّلْوُ ملآى مَاء.
وَقَالَ بن فَارس الدَّلْو الْعَظِيمَة.
وَقَالَ بن السِّكِّيتِ فِيهَا مَاءٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمِلْءِ وَلَا يُقَالُ لَهَا وَهِيَ فَارِغَةٌ ذَنُوبٌ انْتَهَى فَعَلَى التَّرَادُفِ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ رِوَايَةَ أَنَسٍ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي أَنَّهَا ذَنُوبٌ.
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ مَاءٍ مَعَ أَنَّ الذَّنُوبَ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرَسِ الطَّوِيلِ وَغَيْرِهِمَا .
قَوْلُهُ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ إِسْنَادُ الْبَعْثِ إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَبْعُوثُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرَ لَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَامِ التَّبْلِيغِ عَنْهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إِذْ هُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قِبَلِهِ بِذَلِكَ أَيْ مَأْمُورُونَ وَكَانَ ذَلِكَ شَأْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ بَعَثَهُ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ يَقُولُ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا
شرح الحديث من إرشاد الساري
باب صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ فِي الْمَسْجِد
( باب) حكم ( صب الماء على البول فى المسجد) النبوي وغيره من سائر المساجد.
[ قــ :216 … غــ : 220 ]
— حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ
لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ- فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».
[الحديث 220 — طرفه في: 6128] .
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الابن وتكبير الأب ( ابن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية ( ابن مسعود) رضي الله عنه ( أن أبا هريرة) رضي الله عنه ( قال) :
( قام أعراب فبال) أي شرع في البول ( في المسجد) النبوي ولأبي ذر في السجد فبال ( فتناوله الناس) بألسنتهم لا بأيديهم، وفي رواية أنس الآتية فزجره الناس، ولمسلم فقال الصحابة: مه مه، وللبيهقي من طريق عبدان شيخ المؤلف فصاح الناس به، وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك ( فقال لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعوه) يبول زاد الدارقطني في رواية له عسى أن يكون من أهل الجنة، ( وهريقوا) وعنده في الأدب وأهريقوا ( على بوله سجلاً من ماء) بفتح المهملة وسكون الجيم الدلو الملأى ماء لا فارغة أو الدلو الواسعة، ( أو ذنوبًا من ماء) بفتح الذال المعجمة الدلو الملأى لا فارغة أو العظيمة وحينئذ فعلى الترادف أو الشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير ( فإنما بعثتم) حال كونكم ( ميسرين ولم تبعثوا) حال كونكم ( معسرين) أكد السابق بنفي ضده تنبيهًا على المبالغة في اليسر، وأسند البعث إلى الصحابة رضي الله عنهم على طريق المجاز لأنه عليه الصلاة والسلام هو المبعوث حقيقة، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا بعث بعثًا إلى جهة من الجهات يقول: «يسروا ولا تعسروا» في قوله «إنما بعثتم ميسرين» إشارة إلى تضعيف وجوب حفر الأرض إذ لو وجب لزال معنى التيسير وصاروا معسرين.
ورواته الخمسة ما بين حمصي ومدني وبصري وفيه التحديث بالجمع والإخبار به بالتوحيد والعنعنة، وأما قوله: أخبرني عبيد الله فرواه كذلك أكثر الرواة عن الزهري، ورواه سفيان بن عيينة عنه عن سعيد بن المسيب بدل عبيد الله، وتابعه سفيان بن حسين قال في الفتح فالظاهر أن الروايتين صحيحتان.
شرح الحديث من عمدة القاري
( بابُُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم صب المَاء على بَوْل البائل فِي مَسْجِد من مَسَاجِد الله تَعَالَى، وَإِذا جعلنَا: الْألف وَاللَّام، فِيهِ للْعهد يكون الْمَعْنى فِي: مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيكون حِكَايَة عَن ذَلِك، وعَلى الأول الحكم عَام سَوَاء كَانَ فِي مَسْجِد النَّبِي اَوْ غَيره.
والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهِرَة لَا تخفى، وَلَيْسَ لذكر الْبابُُ زِيَادَة فَائِدَة، وبدونه يحصل الْمَقْصُود.
[ قــ :216 … غــ :220 ]
— حدّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخْبرنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْريِّ قَالَ أخْبرني عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ أنَّ أبَا هُريْرَةَ قَالَ قامَ أعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِه سَجْلاً مِنْ ماءٍ أَو ذَنُوباً مِنْ ماءٍ فانَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرينَ ولمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرينَ.
( الحَدِيث 220 طرفه فِي: 6217) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم: هُوَ الحكم بن نَافِع، وَقد تقدم فِي كتاب الْوَحْي.
الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: عبيد الله إِلَى آخِره.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، وَالْكل تقدمُوا.
بَيَان لطائف اسناده فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع وبصيغة الْمُفْرد.
وَفِيه: العنعنة.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين حمصي ومدني وبصري.
وَفِيه: أَخْبرنِي عبيد الله عِنْد أَكثر الروَاة عَن الزُّهْرِيّ، وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سعيد بن الْمسيب، بدل: عبيد الله، وَتَابعه سُفْيَان بن حُسَيْن، قَالَ طَاهِر: إِن الرِّوَايَتَيْنِ صحيحتان.
وَأما بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره فقد ذَكرْنَاهُ فِي الْبابُُ السَّابِق، وَكَذَلِكَ بَيَان لغاته وَإِعْرَابه.
بَيَان معانية قَوْله: ( قَامَ أَعْرَابِي) ، زَاد ابْن عُيَيْنَة عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَغَيره فِي أَوله: ( أَنه، صلى ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمداً وَلَا ترحم مَعنا أحدا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي، عله الصَّلَاة وَالسَّلَام، لقد تحجرت وَاسِعًا، فَلم يلبث أَن بقال فِي الْمَسْجِد) .
وَسَتَأْتِي هَذِه الزِّيَادَة عِنْد المُصَنّف فِي الْأَدَب من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث الْجَمَاعَة مَا خلا مُسلما، وَفِي لفظ ابْن مَاجَه: ( احتصرت وَاسِعًا) .
وَأخرج ابْن مَاجَه حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع أَيْضا، وَلَفظه: ( لقد حصرت وَاسِعًا وَيلك أوويحك) .
قَوْله: ( لقد تحجرت) أَي: ضيقت مَا وَسعه الله، وخصصت بِهِ نَفسك دون غَيْرك، ويروى: احتجرت بِمَعْنَاهُ، ومادته حاء مُهْملَة ثمَّ جِيم ثمَّ رَاء.
وَقَوله: ( احتصرت) ، بالمهملتين من الْحصْر، وَهُوَ الْحَبْس وَالْمَنْع.
قَوْله: ( فَبَال فِي الْمَسْجِد) أَي: مَسْجِد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فتناوله النَّاس) أَي: تناولوه بألسنتهم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، تَأتي: ( فثار إِلَيْهِ النَّاس) وَله فِي رِوَايَة عَن، أنس: ( فَقَامُوا إِلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة أنس أَيْضا فِي هَذَا الْبابُُ: ( فزجره النَّاس) .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد ان شيخ البُخَارِيّ، وَفِيه: ( فصاح النَّاس بِهِ) .
وَكَذَا للنسائي من طَرِيق ابْن الْمُبَارك، وَلمُسلم من طَرِيق إِسْحَاق عَن أنس: ( فَقَالَ الصَّحَابَة: مَه مَه) ، قَوْله: ( مَه) ، كلمة بنيت على السّكُون، وَهُوَ اسْم يُسمى بِهِ الْفِعْل، وَمَعْنَاهُ: أكفف، لِأَنَّهُ زجر.
فَإِن وصلت نونته، فَقلت: مَه مَه.
ومه الثَّانِي تَأْكِيد، كَمَا تَقول: صه صه، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ: ( فَمر عَلَيْهِ النَّاس فأقاموه، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعوه، عَسى أَن يكون من أهل الْجنَّة، فصبوا على بَوْله المَاء) .
قَوْله: ( وهريقوا) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب: ( واهريقوا) ، وَقد ذكرنَا أَن أصل: أهريقوا، أريقوا.
قَوْله: ( أَو ذنوبا من مَاء) قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: من، زَائِدَة، وزيدت تَأْكِيدًا، وَكلمَة: أَو، يحْتَمل أَن تكون من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتكون للتَّخْيِير، وَأَن تكون من الرواي فَتكون للترديد.
قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، وَقد قُلْنَا الصَّوَاب فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: ( ميسرين) حَال، فَإِن قلت: الْمَبْعُوث هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكيف هَذَا؟ قلت: لما كَانَ المخاطبون مقتدين بِهِ ومهتدين بهذاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا مبعوثين أَيْضا، فَجمع اللَّفْظ بِاعْتِبَار ذَلِك، وَالْحَاصِل أَنه على طَريقَة الْمجَاز، لأَنهم لما كَانُوا فِي مقَام التَّبْلِيغ عَنهُ فِي حُضُوره وغيبته أطلق عَلَيْهِم ذَلِك، أَو لأَنهم لما كَانُوا مأمورين من قبله بالتبليغ فكأنهم مبعوثون من جِهَته.
قَوْله: ( وَلم تبعثوا معسرين) ، مَا فَائِدَته وَقد حصل المُرَاد من قَوْله: ( بعثتم) إِلَى آخِره؟ قلت: هَذَا تَأْكِيد بعد تَأْكِيد، دلَالَة على أَن الْأَمر مَبْنِيّ على الْيُسْر قطعا.